عثمان زويرش: حول تهافت البرلمان الأوروبي وانتصارا للسيادة الوطنية

عثمان زويرش: حول تهافت البرلمان الأوروبي وانتصارا للسيادة الوطنية عثمان زويرش
تشكل حقوق الإنسان ومن ضمنها تعزيزالحق في حرية الرأي والتعبير وحمايته بما فيها حرية الإعلام، وغيرها من حقوق الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، من أبرز القضايا التي انبنت عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني، فحقوق الإنسان أضحت مقوما أساسيا تقوم عليها العلاقات الدولية المعاصرة.
 
إن حقوق الإنسان مقيدة في كثير من المستويات بمعايير قابلة للقياس دولية وجهوية ومحلية قانونية، ومن ثمة كانت لحقوق الإنسان الأهمية بمكان في تكييف المفهوم التقليدي للسيادة ليتماشى والتحولات التي شهدها المجتمع الدولي. 

فالسيادة كمفهوم قانوني وسياسي يتعلق بالدولة، وتعد من المحددات السياسية والقانونية المركزية لمفهوم الدولة الوطنية ومن خلالها يتجسد واقعيا الوجود القانوني والسياسي للدولة كعضو في المجتمع الدولي،  وتشكل أحد أهم خصائصها وشروطها وبموجبها يتجسد الإستقلال الوطني للدولة وتتساوى مع الكيانات السياسية الأخرى.
 
ولما كانت السيادة بمفهومها التقليدي المطلق بلا قيود ولا ضوابط تراجعت إلى صيغة نسبية مقيدة بأداء الإلتزامات الدولية، فإن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية بمختلف أبعادها لم تعد شأنا داخليا للدول، وبالتالي لم تعد السيادة مبررا لانتهاك حقوق الانسان وغياب الديمقراطية نظرا للتفاوت الحاصل في موازين القوى الدولية وفي قدرات الدول في ممارسة مظاهر سيادتها، فضلا عن تزايد دور المؤسسات الدولية التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية.
 
ولما كانت تنص الفقرة الأولى من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة ''على أن المنظمة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة وبين الدول ''، فإن السيادة الوطنية تشكل أحد الأسس الصلبة التي يقوم عليها التنظيم الدولي المعاصر، ومنه كان ينبغي إعمال المساواة السيادية، كمعيار أساسي لتحديد التساوي في الحقوق والواجبات بين جميع الدول.غير أنه وواقع الحال يقول أن هذه القاعدة لا تخلو من استثناءات تتسم بالفظاعة في كثير من الأحيان، وهو ما يتجلى  -على سبيل المثال- في كون بعض أجهزة منظمة الأمم المتحدة هي حكر على القوى الكبرى.

ولما كان مبدأ السيادة الوطنية، يشكل إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها القانون الدولي، ويرتبط ارتباطا عميقا بمفهوم الإستقلال، وكذلك التحرر من كل أشكال الضغوطات الخارجية. كما يعد الإستقلال السياسي شرطا لازما لتمكين الدولة من ممارسة اختصاصاتها ومظاهر سيادتها على الصعيدين الداخلي والخارجي. ولذلك تفقد الدولة من سيادتها بقدر ما تفقده من استقلاها.
 
فعلى سبيل التذكير بأن التدخلات الخارجية أصبحت محل تسييس على نطاق واسع (وضمنها قرار البرلمان الأوروبي الأخير)، باعتبارها تحمل في طياتها غايات امبريالية مضمرة ومعلنة، وبالتالي انتهاكا لسيادة الدول تحت يافطة حقوق الإنسان، وعلى مذبح المصالح والرهانات الإستراتيجية للدول الكبرى. وجدير بالتذكير أن القوى الفاعلة في نسق العولمة والتي تدير الاقتصاد العالمي "كصندوق النقد الدولي" و"المنظمة العالمية للتجارة" و"البنك العالمي"، تدخلت وأثرت بشكل واضح على سيادة دول العالم الثالث..
 
وتبقى قضية الدفاع عن حقوق الإنسان هدفا مشروعا، ولكن الشيء المرفوض هو التدخلات الانتقائية التي يتم تكييفها بحسب الأهمية الجيو-اقتصادية والسياسية والطاقوية للدول المستهدفة وهو ما يمكن استنتاجه بوضوح من خلال الحيوية الجديدة للبرلمان الأوروبي تجاه المغرب ولما كانت الغاية الامبريالية أبعد من أن تعبر عن المطالب الداخلية، بقدر ما هي تغذي الصراعات الهوياتية والحراكات الانفصالية التي غالبا ما تؤدي إلى تفتيت السيادة وتمزيق الوحدة الوطنية.
 
ولما كنا نرفض وندعو لرفض الامتثال لأية سلطة أجنبية عبر الصمود أمام أكل أشكال الضغوطات والتدخلات الخارجية ومن ثم القدرة الفعلية على تأكيد الذات بشكل حرإن الدولة اليوم مدعوة إلى ضرورة الإلتزام بما تقتضيه المواثيق الأممية من مبادئ وحقوق وواجبات واحترام لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها أمميا. فالرد على كل وسائل الابتزاز الخارجي (ومعه قرار البرلمان الاوروبي) يمر أولا عبر تمثين الداخل عبر ضمان حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها وعبر البدء بإطلاق سراح معتقلي الحركات الاجتماعية بالريف وجرادة والصحفيين والمدونين وجميع معتقلي الرأي..
 
عثمان  زويرش/ ناشط حقوقي وسياسي