تقبع القصبة هادئة في أبهى حلة على ربوة في واحة سكورة في الجانب الشرقي لدوار اولاد يعقوب تحيق بها أشجار النخيل الوارفة والزيتون الظليلة والرمان المتساقطة أوراقه على تخوم الحقول وبين سواقيه ،بعض البساتين تئن تحت سنوات عجاف من الجفاف منتظرة موسما ماطرا مشرقا يعيد إليها رونقها ونضارتها، وفي واجهتها الأمامية يمر وادي "الحجاج" الذي يعد أحد المصادر المائية المغذية لسد المنصور الذهبي.
ظل هذا الصرح القديم أرضا خصبة لعدة أعمال سينمائية أجنبية Gladiator ومحلية منها على سبيل المثال سلسلة "حديدان" هذا الإنتاج الفريد الذي يستمد مشاهده من الواقع المعيش للإنسان البدوي الأصيل.
تحتوي القصبة على بابين رئيسيين، أحدهما يربط خارج البناء بداخله الفسيح حيث فناء البناء الذي يضم حديقة متواضعة ومعرضا للتراث القديم يزخر بأصناف متنوعة من المنتوجات المحلية الخشبية كالأبواب والنوافذ وآلات استخلاص زيت الزيتون وفخارية ومعظمها يستخدم لتحضير الطعام، وأخرى من مواد أخرى كالحديد والحجر والجلد، ومما يلفت النظر الأبواب المصنوعة من جذوع النخل والمربوطة بحبال وبقضبان تستخدم لبناء المباني الطينية من قصور وقصبات .
أما الباب الثاني فيوجه الزائر إلى مقهى تقليدي وعصري يقدم لرواده أطيب المأكولات وألذ لمشروبات، ولم أذق في حياتي كأس شاي منعش كالذي استطابه واستحسنه ذوقي ذلك اليوم .
ثم يمر الزائر بدهاليز ضيقة وأخرى واسعة تنتهي بغرف فسيحة لاستقبال الضيوف أو للنوم وإعداد الطعام ، تصميم هندسي بارع بني ليحتضن عائلات أو ربما عشائر مجتعة بناء على نظام اجتماعي يقوم على التعاون والتأزر وتبادل المهام، والفصل بين الرجال والنساء وتخصيص غرف للمضافة وأخرى للتخزين.
تختم الجولة داخل القصبة بالوصول إلى سطح المعمار، فضاء فسيح يداعب فيه النسيم شعيرات الزوار ، يحلو فيه النوم صيفا حين يحمى وطيس الحرارة، وهناك تتراءى لك مشاهد بديعة لواحة سكورة الملأى بأشجار النخيل وقصور ريفية وجبال إمغران المتسربلة قممها بالبياض .
إن هذا الإرث المعماري الأصيل، يحتاج منا إلى كثير من العناية، ووافر الشكر والامتنان للقائمين عليه كي يظل صرحا خالدا وتراثا تاريخيا يعكس ثقافة المنطقة وهويتها، ووجهة سياحية مرموقة تجذب الزوار من سائر أنحاء العالم.