إدريس الأندلسي: هل يوجد وزير في بلادنا.. أشك 

إدريس الأندلسي: هل يوجد وزير في بلادنا.. أشك  إدريس الأندلسي
صورة الوزير في المخيال الجماعي المغربي متعددة الأبعاد. يكاد الرجل أن يحتل كل المراتب العليا ومساحات قرب من السلطان. الوزير في المخيال قوي وغني ويسكن في قصر وتحاك حوله  الأساطير. السيد الوزير في زمن مضى، وحتى إلى زمن قريب، كان محصنا مبجلا وقليل الكلام كثير الإبتعاد عن الحضور الإعلامي. تغيرت الأمور في زمننا الراهن مع تطور وسائط الإعلام الحديثة وما تقدمه من إغراءات للمسؤولين الوزاريين. تقوي لديهم الرغبة في التواصل معها حتى أصبح  الظهور العمومي فرض عين بالنسبة للقيادات الحزبية وحتى لمن لا زالوا يحلمون بالظهور من ذرية العائلات الحزبية. هذا الإختيار أصبح فخا يسقط فيه من لا يتقن تهييئ ملفاته بشكل جيد ومن يتم استفزازه بسهولة من طرف من يعتبرون أنفسهم من صحافيي هذا الزمن.
السيد الوزير كان قبل سنين لا يتكلم إلا عبر بلاغات تبعث إلى وكالة المغرب العربي للأنباء ولبعض الجرائد الوطنية حين كان قراء هذه الجرائد يعدون بمئات الآلاف. اليوم تراجعت القراءة ومعها تراجع الإهتمام بالوثيقة المقروءة وانكب الاهتمام كله على ما يتيحه الهاتف من ولوج إلى المعلومة وكم هائل من الآراء غير المأمونة مهنيا ولا علميا. كثيرة هي المواقع التي تعيش على استجداء رموز الإعجاب وكثيرة هي تلك التي لا تعير للأخلاق أية أهمية.  
وزير هذا الزمان ينتشي بالمنصب ويدافع بشكل شرس على مصالحه ويجعل من التواجد على كل الشاشات طقسا يكاد يعتبر مقدسا. قد يجهل أو يتجاهل أخطار الظهور اللافت للنظر ولكنه يصر على الإستمرار في هذه الطريق. لا يختلف اثنان في يومنا أن الكلام عن السياسات العمومية والمشاريع أكبر من نتائجها بكثير. وزراء الأرقام لا يعرفون أن العالم القروي ووضعية ساكنيه تكذب كل نسب الولوج إلى الماء و الكهرباء والتي يقال أنها تجاوزت 98 %. وزراء اليوم يحبون المكاتب وقاعات الإجتماعات ولا يطيقون الذهاب إلى القرى والمناطق الصعبة.
كثير من وزراء اليوم مستعدون لرفع صوتهم ومقارعة كل من شكك في قدراتهم أو في نتائج عملهم. يكاد جلهم لا يمل من الخطاب في الاستديوهات. ولنا في  خرجات وزير العدل الأخيرة مثالا جديدا على هذا الإدمان على الكاميرات والأضواء. من القنوات العمومية إلى مواقع التواصل يتكلم الوزير لغته الخاصة بقليل من الهدوء وبكثير من الشراسة. لايهمه الرأي المعارض وهو مقتنع بصواب كل مواقفه وآرائه ويجد كل الأبواب مشرعة لتلقي رسائله وحتى تلك التي لا تعبر عن مواقف الحكومة التي ينتمي إليها. وزراء اليوم مهووسون بالصورة  والخطاب رغم غياب الكلام الموضوعي عن الإنجاز. كبيرهم يتكلم عن التغطية الصحية بكثير من الفخر  وينسى أنه رغم أهمية هذا المشروع الملكي الاستراتيجي يظل ضعف العرض الصحي، أي الولوج إلى العلاج ، هو الهم اليومي للمواطن. جل وزراء هذا الزمان قد تسوقهم بعض النزعات إلى الجنوح إلى التغني بما راكموه من ثروات وجاه وخبرات نظرية. قليل منهم يقنع ويبين عن مستوى فهم وفعل. المشكل له جذور في مسار تدهور الممارسة السياسية وتراجع التأطير الحزبي وأغلب مؤسسات الوساطة الإجتماعية. أغلب وزراء هذا الزمان لا يعرفون أن الدستور يعطي للأحزاب دورا مركزيا في إعطاء مدلول عملي للديمقراطية. أغلبهم وأغلبهن تم اختيارهم وتم صبغهم بلون حزب من الأحزاب التي تم عجنها بأسلوب إدريس البصري والذي كان مدمرا على مدى عقود و لا زال شبحه حاضرا.
وزراء هذا الزمان أو أغلبهم لا يعرفون عن المحاسبة السياسية سوى أنها صورة في فيلم هندي تخفي نهايته بداياته. جاء الوزير ثم غادر الوزارة ثم عاد من نافذة منصب في القطاع العام ولم يقل له أحد كلمة عن منجزات أو ثروات أو فشل أو أخطاء. بعض وزراء هذا اليوم يضحكون حين يسمعون كلاما عن النضال وعن إصلاح دستوري وعن دفاع عن حقوق الإنسان وعن توزيع غير عادل للثروات. 
لذلك نحتاج اليوم إلى تعاقد سياسي لتدبير مرحلة جديدة بحس وطني عميق جدا. كثير من الناس فقدوا الثقة في الأحزاب والمؤسسات بسبب من اتقنوا لعبة احتلال المواقع و تأثيث أحزاب و بعدها احتلال مواقع وكراسي وبعض من القرار. 
وزراء اليوم يوجد من بينهم من أصبح يرى في نفسه بطل زمانه. يحس بأنه بطل رسالة الإصلاح ويتجاوز كل الحدود في مواجهة واقع يجب أن تغيره سياسة تعليمية وبنية صحية وإرادة في التغيير.  التغيير لايحتاج إلى الخطابات الاستفزازية حول الأسرة والعلاقات الإنسانية وحول كل ما هو متجدر في مجتمع يحاول أن يتخلص بهدوء من آليات تكريس الجمود  و الرجعية  ومعاداة حقوق المرأة.  الخطابات الاستفزازية من طرف البعض من المسؤولين الوزراء والزعماء هي دعوة لإحياء خطابات ماضوية روجت ولا زالت تروج لخرافات لاعلاقة لها بمبادئ الإسلام السمح و المنفتح. علاقتها بسلطة الإنسان وثقافته الرجولية التي تصنع قواعد الإذلال والخنوع و تعكسسلوكا إنسانيا لا تهمه شريعة الخالق ولكن ما صاغه المخلوق للسيطرة على المخلوقين. 
الوزارة وزر عظيم يحتاج إلى الحالمين بغد أفضل بمسؤولية وإلتزام. الوزراء المجدون وذوي الكفاءات ومن لا يهمهم المنصب سيظلون أقلية في هذا الزمان. هذه الاقلية تعمل في صمت وتعاني في مواجهة ما ينتظرها من هم يومي ومن بعد عن تحقيق أهداف سطرها برنامج حكومي. الوزير مرآة للدولة وهيبة هذه الأخيرة لا يجب أن تضرر بفعل وزراء لا يقدرون ثقل الوزر. مغربنا يستحق أحسن مما كان...