من ذاكرة المنجرة: القدس ستظل عربية في فكري ووجداني (ح. 7)

من ذاكرة المنجرة: القدس ستظل عربية في فكري ووجداني (ح. 7)

برحيل عالم المستقبليات المهدي المنجرة (13 مارس 1933 - 13 يونيو 2014 ) رحل عنا مفكر عربي معاصر من طينة نادرة. رجل أجمع الكثيرون على أنه وطني صادق ونزيه. رجل مواقف ومبادئ، مثقف شجاع. لا يركن إلى المهادنة وتنميق الخطاب. علامة من علامات الثقافة والفكر في العالم. خبير متخصص في علم المستقبليات(وضع تصورات مستقبلية على شكل إمكانات وطرق واضحة للمسيرة البشرية في الحياة). اشتهر المرحوم المهدي المنجرة بجمعه وربطه بين العلم والثقافة، وإعطائهما المكانة التي يفترض أن يساهما من خلالهما في تطوير أسلوب العيش اليومي، وإبداع مشاريع لتنمية الشعوب. كما تميز بأن كانت كتبه الأكثر مبيعا في فرنسا ما بين سنة 1980 و1990.

"أنفاس بريس" تفتح صفحات من حياة المرحوم المهدي المنجرة، وتروي مقتطفات من سيرته، حسب أجوبته على أسئلة خاصة بجلسات حوار أجراه معه الكاتب المسرحي محمد بهجاجي والشاعر حسن نجمي لفائدة يومية "الاتحاد الاشتراكي"، وقد تمَّ تجميع هذا الحوار في كتاب صدرت طبعته الأولى سنة 1997 بعنوان "المهدي المنجرة (مَسَاُر فِكـْر)".

 

الحلقة السابعة:

عرفت سنة 1954 نشوب الحرب الأمريكية مع كوريا وسيتطلب الأمر من المهدي المنجرة وجميع المهاجرين الذين كانوا يتوفرون على "الورقة الخضراء"، أن يستعدوا للتجنيد، لكن المهدي رفض ذلك لسببين. الأول: لتذكره ما كان قد حدث له في "ليلة آزرو" حيث قضى ليلة رعب شامل بإحدى الثكنات، في حضرة عدد من العساكر الفرنسيين. السبب الثاني: لنفوره من كل ما هو عسكري ومن كل ما هو عنف، مع تقديره الكبير للجنود الذين يدافعون عن بلادهم. الحلول العسكرية في تقدير المهدي المنجرة تبقى تعبيرا عن تخلف فكري، كما كان من عوامل رفض المهدي ارتداء البذلة مهما كان نوعها ورفضه لأية وظيفة تفرض عليه بذلة ما، أنه كان يرى في مثل هذا اللباس مسا بجزء من حريته، والقبول بالذلة بالنسبة له يعني القبول بما يلحق ذلك، لأن البذلة في نظره مجرد رمز. لهذه الأسباب قرر المهدي إنهاء إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية، وتقدم بطلب إلى جامعة لندن لمتابعة دراسته في الاقتصاد والعلوم السياسية، وكان رد الجامعة إيجابيا، فسافر إلى لندن حيث كان عليه أن يشرع في التحضير لأطروحة الدكتوراه، حول موضوع "الجامعة العربية". في سنة 1955 حصل المهدي على منحة من مؤسسة "روكفلر"، مكنته من السفر إلى الشرق لمدة ثلاثة أشهر، التقى فيها بعدد من المسؤولين عن الجامعة العربية وبمفكرين وإعلاميين وبطلبة مغاربة يتابعون دروسهم في هذا البلد أو ذاك. كان هذا السفر مباشرة بعد انتهاء مؤتمر "باندونغ". التقى المهدي في مصر بعدد من الطلبة من بينهم عبد الكريم غلاب، الدكتور السعداني، عبد القادر الصحراوي وآخرون، كما التقى بشخصيات هامة من بينها عبد الكريم الخطابي وأخوه السي محمد، وكان قد جمعهما مع المهدي حديث عن موضوع بحثه. كان المهدي يدرك أهمية هذه المناسبة بالنسبة له كشاب في الثانية والعشرين من عمره، مكنته الظروف من مجالسة زعيم لحركة تحرير ورمز لمحاربة الاستعمار.. وذكر المهدي أيضا شعوره كشاب تتاح له فرصة السلام على رجل بقيمة المغفور له محمد الخامس بعد عودته من المنفى. أكد المهدي أن من كانت له مثل هذه اللقاءات يصعب عليه أن يتعامل مع الاستعمار بغير الطريقة النضالية التي تعامل بها معه، تعرف المهدي أيضا على رواد الحركة القومية العربية حيت كان قد التقى بالكاتب والمفكر ساطع الحصري، الذي كان يرأس مركز للدراسات بالجامعة العربية، وهناك أطلعه هذا المفكر على أرشيف منظمته بما فيها محاضر النقاش الذي احتضنته الإسكندرية في أفق التحضير لإعداد ميثاق الجامعة العربية.. وقد كان المهدي أول الباحثين الذين تمكنوا من الاضطلاع على تلك الوثائق، مما أعطى قيمة لأطروحته. بعد القاهرة زار المهدي بغداد، حيث التقى بعدد من المسؤولين في ميدان تخصصه وبطلبة مغاربة ذكر من بينهم السي محمد لحلو والسي محمد رشد والسي محمد التلاوي وأسماء كثيرة كانت تتابع دراستها الثانوية بالعاصمة العراقية. أما الطلبة المغاربة في الجامعة، فكانوا قليلي العدد. زار المهدي سوريا كذلك، وكانت آنذاك تلعب دورا هاما في الميدان الفكري وفيما يتعلق بالوحدة العربية. كما زار لبنان حيث تعرف على "قسطنطين زريق" رئيس الدامعة الأمريكية آنذاك وعلى "ميشل عفلق"، أحد المفكرين الذين دافعوا عن القومية العربية. وزار "المنجرة" بعد ذلك الأردن كما تمكن من زيارة القدس حين كانت عربية، ولم يعد لها منذ ذلك الوقت ولم يكن ينوي زيارتها إلا إذا أصبحت عربية،  إذ قال " إنها ستظل عربية في فكري ووجداني".

(يتبع)

ملحوظة: العناوين من اختيار هيأة التحرير