لماذا لم تعر وزارة الثقافة أي اهتمام لموت عَلَّامْ الْعَيْطَةْ الشّْرِيفْ مولاي أحمد المرضي؟

لماذا لم تعر وزارة الثقافة أي اهتمام لموت عَلَّامْ الْعَيْطَةْ الشّْرِيفْ مولاي أحمد المرضي؟ الراحل مولاي أحمد المرضي

وداعا عَلَّامْ الْعَيْطَةْ الْحَصْبَاوِيَّةْ

ودّعنا في صمت رهيب، ذاك الرجل الطيب والخلوق والمتواضع، مولاي أحمد المرضي الملقب بـ "الشّْرِيفْ"، الذي عاش عفيفا ومات شريفا، إنه الشيخ الرائد والفنان المجتهد الذي استطاع أن يضبط إيقاع فن العيطة بآلته الفخّارية (الطِّينِيَّةْ) صديقته الوفية (الطَّعْرِيجَةْ) في حضرة عمالقة رواد "مَشْيَخَةْ" العزف والطرب والأداء السّاحر، لكن تعففه لم يمنحه الشجاعة لضبط عقارب الحياة ونيل حظه من "عائدات" حرفته مع تقدمه في العمر وتعرضه للضربات الموجعة في زمن التنكر للجميل. ألا يستحق هذا الشيخ (ضابط الإيقاع) برقية تعزية ومواساة لأسرته من طرف وزارة الثقافة؟

"الشّْرِيفْ" رحمة الله عليه، الشيخ المرهف الحس فنيا، هو الذي رافق أرقى الأصوات الشجية والعذبة التي أفرزتها منطقة عبدة عامة والحصبة خاصة، (شْيُوخْ وشِيخَاتْ)، بصوته الرخيم الذي كان يصدح بأشعار فن العيطة، وينفد إلى فؤاد وقلب المتلقي، حيث تتسرب مواضيع وقصص نصوص العيطة الحصباوية، عبر شرايين الجسد محدثة تفاعلا مع نبض العشق الأزلي.

لقد ترك لنا "الشّْرِيفْ" بصمته الخاصة فنيا على مستوى الإيقاع والأداء، بأنامله الرشيقة، وصوته المتميز الذي كان يعطي نفسا متجددا وسط "الرْبَاعَةْ"، حين يتفنن ويتسلطن نقرا على آلة "الطَّعْرِيجَةْ" في حضرة الآلات الوترية (كمنجة والوتار والعود..)، والأصوات العيطية التي يفسح لها المجال ويعطيها المساحات اللازمة للغناء بانضباط تام وكأنه هو المتحكم "عَلَّامْ الْعَيْطَةْ" في زمن العزف والطرب والأداء.

لا يسمح الحيز بقول كل شيء في هذه المرثية، لأن الفقدان كان قاسيا ومؤلما، ولكن يشفع لنا المقام أن نوجه الشكر والتقدير ورفع القبعة لمجموعة الشيخ الشاب أمين الورديني وأصدقائه من شيوخ فن العيطة الذين كانوا يخصصون بجودهم وكرمهم غلافا ماليا كَسَهْمٍ خاص للشيخ الشريف مولاي أحمد المرضي الذي لم يعد قادرا على العمل مع "الرْبَاعَةْ"، وتحية تقدير لكل من يجود بكرمه ويسأل عن شيخات وشيوخ فن العيطة الذين أنهكهم المرض والحاجة في غياب الدعم.

سيستمر النزيف، وتستمر أوراق شجرة أنساب العيطة في التساقط، وهذه مشيئة الله في خلقه، لكن أسمحوا لي أن أتقاسم معكم رثاء صديقي وزميلي الأستاذ عبد العالي بلقايد.

شجرة أنساب فن العيطة تودع "الشّْرِيفْ" سي أحمد المرضي

شجرة الأنساب لفن العيطة تفقد واحدا من مكوناتها الذي قدم الشيء الكثير للفن والتراث العبدي صوتا وإيقاعا، يتعلق الأمر بالمسمى قيد حياته، مولاي أحمد المرضي الملقب بـ "الشّْرِيفْ" الرحمة والمغفرة على روحه الطاهرة.

تسقط ورقة من شجرة الأنساب للموسيقى التقليدية ومنها العيطة، ولكنها تبقى وارفة الظلال، متجهة إلى السماء في عناد وشموخ. يموت شَيْخَ؟ تموت شِيخَةْ؟ لكن الوجود الموسيقي لا ينمحي لأن جدوره، والتاريخ سيان فالواحد يكتب الآخر.

إن تاريخ أمتنا، هو كل التاريخ الشفوي الذي قيل بالموسيقى، واللباس، والعمارة، وبفروسية الفرسان وأفراس القبيلة والمحلات السلطانية...قد تبدد الأموال الكثيرة في برامج تلفزيونية التي تدعي الإهتمام بالفن والتراث، لكن لا ترقى إلى مستوى "حَلْقَةْ" من "حْلَاقِي" الأسواق الأسبوعية، ونفس الأمر على الكثير من المهرجانات.

يبقى الكثير من الفنانين على هامش اهتمام الوزارة الوصية، أو البرامج الممولة من أموال الشعب...آملين أن يستأثر باهتمام المؤسسات ذات الصلة.

فهذه الشجرة عندما ينتزع الموت واحدا من فروعها، يسقط غضا طريا لاشتمال الأنساغ المشكلة لوجوده الإجتماعي والفيزيقي على أصل من أصول الكينونة الحياتية، يتعلق الأمر بالموسيقى التي شكلت الأداة التي واجه بها الإنسان الأول وحشة الطبيعة وغضبها وبها تعايش وتساكن مع العالم وهزم خوفه .

هكذا كان كذلك الإنسان المغربي يوظف الموسيقى وإيقاعاتها في استدرار المطر عند الجدب، وفي الأفراح، وفي مواسم الصلحاء، وفي حركات السلاطين، وفي الإعلان عن المواعيد والأزمنة الدينية. وبذلك كانت موسيقانا التقليدية أُسٌّ من أسس تشكيل الهوية المغربية .

إن الميزان الخماسي الذي على أساسه تقوم الموسيقى التقليدية، ومنها العيطة، يمتد في الزمن مئات السنين، كما الحساسية الفنية السُّوسِيَةْ والَـﯕْنَاوِيَةْ تتماهى مع تشكيل الكينونة الفنية المغربية التي لها امتدادات إفريقية وأسيوية. كل هذه الحساسية الفنية تطرب المغربي لأن مزاجه الثقافي مضبوط على كذا إيقاعات.

لا نملك عند موت أي فنان شعبي، إلا الترحم على روحه الطاهرة. فكم من فنان قضى نحبه في صمت كما حصل للمرحوم "كَبُّورْ الرَّحْمَانِي" وغيره من الفنانين في حين تُصْرَف الملايين من الدراهم على برامج تلفزيونية، لا تقدم أي إضافة لتوثيق تراثنا والمساهمة في تطويره. وهو الأمر الحاصل بالنسبة لمهرجانات تسوق الوهم والفراغ الثقافي.

متى تعيد الاعتبار، وزارة الثقافة والمؤسسات ذات الصلة، لهذه الشريحة التي تعتبر من الحرّاس الأمناء على معبد الموسيقى التقليدية .

الرحمة والمغفرة على كل فنان تقليدي ودعنا إلى دار البقاء.