المغرب يبدأ في جني ثمار تعيين للاجمالة سفيرة بلندن

المغرب يبدأ في جني ثمار تعيين للاجمالة سفيرة بلندن

رغم أن بريطانيا هي مركز العالم، بالنظر لكون 75 في المائة من الاستثمارات الأوربية مصدرها بريطانيا، وبأن ثاني مستثمر عالمي بالخارج، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، هوبريطانيا، فإن المسؤولين المغاربة ظلوا لسنوات يديرون ظهرهم لهذه الدولة العظمى، ورهنوا ماضي المغرب ومستقبله بيد فرنسا بالدرجة الأولى ثم من بعد بيد إسبانيا في درجة ثانية. مع ما يترتب عن ذلك من حرمان المغرب من أن يكون في الرادار العالمي، على اعتبار أن كل دولار يروج بالعالم مصدره شركة ذات أسهم بريطانية أو يكون مصدره بنك مستقر بلندن. لأن الأسواق الملتهبة بالعالم تبقى في كف عفريت في انتظار أن يقرر سادة المال بالسوق المالي بلندن la city القرار الملائم

ولم «يكتشف» المغرب الرسمي دولة اسمها بريطانيا العظمى، حتى وقعت أحداث 16 ماي الإرهابية عام 2003 بالبيضاء. وكشفت التحريات الأمنية والاستخباراتية أن جزءا من التخطيط وتمويل التنظيمات الإرهابية مصدره شبكات وأشخاص موجودون في لندن، ويتخذون من بريطانيا ملجأهم الآمن نظرا لتساهل وتسامح القانون البريطاني مع الحريات، ونظرا لتعقد مساطر تسليم الإرهابيين والمجرمين من بريطانيا لدولة أخرى لأن الذي يقرر فيها بقوة هو القضاء. وهذا الأخير معروف عنه أنه جد متشدد في بريطانيا كلما تعلق الأمر بتسليم مجرم أو إرهابي، خاصة إذا كان المعني يحمل جنسية بريطانية ثانية.

في هذه الأثناء انتبه المغرب إلى أن معرفته ببريطانيا تافهة ولا تفوق معرفة تلميذ في الثانوي(!) واكتشف المغرب الرسمي أنه لا يتوفر على خبراء ودارسين للسوق وللمجتمع البريطانيين. فبدأت الهرولة لسد الخصاص وتدارك الجهل بما تمنحه بريطانيا من فرص هائلة مقارنة مع فرنسا الاستعلائية ومع إسبانيا الاستعمارية الفرانكاوية.

ولإحداث قطيعة مع الجهل وإعلان «التوبة الديبلوماسية» كان لابد من البحث عن بروفيل جديد لمن سيحظى بشرف تمثيل المغرب في أقوى عاصمة بالعالم. فكان ذاك القرار القاضي باختيار الأميرة الشريفة للاجمالة لتكون سفيرة المغاربة بلندن، ليس لأنها تجيد اللغة الانجليزية وتملك مفاتيح المجتمع البريطاني فقط، بل لكونها تحمل جينات ملكية في دمها بالأساس. فالتاج البريطاني حساس جدا تجاه الدلالات، خاصة إذا كانت الدولة المعنية هي أيضا ملكية. إذ كلما اختارت دولة سفيرا لها بلندن من أصول ملكية كلما ازدادت أسهم تلك الدولة في بورصة قصر بيرمينغهام (مقر الملكة إليزابيت). وهو ما ردت عليه بريطانيا آنذاك  بالمثل بتعيين سفير بريطاني بالرباط (موريس تيموثي،السفير السابق) اشتغل من قبل في أنظمة ملكية وإمبراطورية (آخر منصب له كان باليابان) ويعرف قراءة الذبذبات الديبلوماسية بين الملوك (يا للمصادفة كل من سفيرة المغرب وسفير بريطانيا درسا معا في لندن). كما ردت عليه بحذف الرسوم المطارية على سفر البريطانيين نحو المغرب (وهي الدولة الوحيدة خارج أوربا التي استفادت من هذا الإجراء) مما سمح بتدفق الإنجليز على المغرب، لدرجة أنهم أصبحوا ثالث جالية سياحية تزور المغرب في ظرف سنتين، والمستقبل يبشر بالآفاق الواعدة، خاصة بعد أن ذاع صيت طنجة وفاس في صفوف البريطانيين.

ولتتويج اهتمامها بالمغرب تخلت بريطانيا عن ذلك «الخم» الذي كان يأوي سفارتها بالرباط قرب صومعة حسان وهجرت تلك الشقة البئيسة التي كانت تضم مقر القنصلية بشارع أنفا بالبيضاء، وأنفقت 8 مليار سنتيم على بناء مقر فخم لإيواء مصالحها الديبلوماسية بالرباط، واقتنت فيلا فاخرة قرب باشكو بالبيضاء لترحيل قنصليتها.

لكن رغم هذه الصحوة ظل المغرب أسيرا للديبلوماسية الأمنية بدل أن يوسع المجال لبناء ديبلوماسية مالية وتجارية تفتح السوق البريطاني أمام شركات المغاربة ومنتوجاتهم واستغلال الإمكانيات الهائلة التي يمكن للمغرب أن يجنيها إذا تمكن من إغراء سادة الكون بالسوق المالي بلندن la city.

فقراءة خاطفة لسيرة المسؤولين البريطانيين الذين يزورون المغرب مؤخرا تكشف أن الهاجس هو أمني فقط. فالرباط لا تستقبل سوى وزير العدل البريطاني أو وزير الداخلية البريطاني أو مدير المخابرات البريطانية ولا تستقبل مدراء أبناك باركلي أو إليود أو رؤساء المصارف وكبريات مؤسسات التمويل التي بإمكان الانفتاح عليها أن يتم «رش» المغرب ببعض الجنيهات الإسترلينية التي هو في أمس الحاجة إليها لتحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتصريف المنتوج المغربي.

فهل نصدق ما قالته المرأة الثانية في وزارة التجارة البريطانية سوزان هيرد susan haird حينما استقبلت  كاتب هذه السطور، في مكتبها يوم 9 دجنبر 2010 بالقول: «لا تقلق فالمستقبل واعد بيننا وبين المغرب، والرأسمال جبان والأمنيون الذين تتحدث عنهم والذين يزورون المغرب فمهمتهم هي الاطمئنان على توفير مناخ آمن ومستقر لقدوم الرأسمال؟ أم ستضيع الفرصة، ويبرهن المغرب للعالم أجمع أنه فعلا «محمية فرنسية محفظة»!؟

الزيارة التي قامت بها "فيونا وولف" عمدة الحي المالي بلندن إلى المغرب ترجمة لتوقعات "سوزان هورد" وهي زيارة ذات حمولة جيواستراتيجية بالنظر لكونها كانت زيارة ذات عنوان واحد،ألا وهو دعم القرار المغربي بخلق قطب مالي بالدار البيضاء. بدليل أن استقبالها من طرف الملك محمد السادس هو عنوان لتفاهم مغربي بريطاني ليكون القطب المالي البيضاوي هو الرمح لتغلغل المصارف والأبناك وشركات التأمين العالمية في القارة الإفريقية.خاصة وأن القطب المالي بالدار البيضاء سيمكن من خلق 35 ألف منصب شغل في المهن المالية العالية مع ما يعنيه ذلك من إدخال سلالة جديدة إلى الدار البيضاء ذات مستوى معرفي ومادي جد عالي من جهة، وتمكين المغرب من أن تكون له بصمة في التجارة العالمية من جهة ثانية، على اعتبار أن ثلثي معاملات القطب المالي بالبيضاء ستكون مع الخارج.

قليلون من انتبه عام 2006 إلى حرص الملك محمد السادس على تحويل مطار أنفا من منصة لإرسال قوات الأمن لقمع المتظاهرين (كما كان الأمر في سنوات الرصاص) إلى مضخة للثروة وإرفاق ذلك بتعيين للاجمالة سفيرة للمغرب بلندن.اليوم بدأ الجميع يدرك المغزى وبدأت كشافات الضوء تسلط على السفيرة للاجمالة، التي بفضل ديناميكيتها أمكن للمغرب أن يجني الثمار في انتظار أن تنهض أساسات القطب المالي بالبيضاء من الأرض.