إدريس الأندلسي: "بزاف" عليهم المسؤولية السياسية.. بزاف عليكم !!!!

إدريس الأندلسي: "بزاف" عليهم المسؤولية السياسية.. بزاف عليكم !!!! إدريس الأندلسي
هم قوم تسلطوا على شعب واستولوا على وطن وجيشوا أتباعا و وزعوا متاعا. كانوا نكرات لم يتمم بعضهم دراسة ثانوية ورسب رطل منهم في امتحان التخرج من مدارس المعلمين ومدارس التقنيين  الفلاحيين والممرضين قبل سنوات من الزمن واعتلوا رغم ذلك قمة جبل. هجر بعضهم فصول الإعدادية كمدرس ليصبح بقدرة قادر زعيما أو رئيس فريق برلماني أو فاعلا مؤسساتيا بصفة رئيس لجنة للتشريع. وجدوا التزكية حيثما ارتحلوا  وحيثما حملوا معهم رأس مال المكيدة الانتخابية. استقبلوا كزعماء في القيادات الحزبية و"غفر" لهم ما تقدم من زلات وسلوكات انتهازية وما سيتأخر منها قبل نهاية الولاية التشريعية الحالية والآتية إلى أن يأتي نور من السماء لينظف مدينتنا  وقريتنا. من بينهم من أصبح خبيرا جهبيذا في تدبير الصفقات العمومية  وقادرا على تدويخ القاعدة القانونية ولو كانت واضحة،  ولو كان يسكنها الذكاء الصناعي. 

أتذكر أحد أيام نونبر في مدينة كبرى من مدن الجنوب التي إنتقلت إليها لتنشيط برنامج اذاعي في استوديو متنقل. طلبت من أحد الفاعلين الإعلاميين أن يساعدني لدعوة أحد مسؤولي المدينة المنتخبين. وفي اليوم الموالي حضر المسؤول  وبدأ الكلام عن أخلاق التدبير العمومي وشروط  تحسين خدمة المواطن. كان الاستوديو في شارع عام بمناسبة مهرجان. ولاحظت أن بعض المتابعين للبرنامج من بعيد يستنكرون حضور ذلك المسؤول ولم أكن على علم إلا بوظيفة الضيف كمسؤول جماعي. وأستمر النقاش داخل واستمرت معه علامات التعبير عن الاستهجان للحضور الكبير لمتابعي البرنامج خارج الاستديو. وبعد استكملنا الوقت المخصص حاصرتنا، أي فريق البرنامج،  مجموعة من المتابعين لتمككنا من معلومات عن ذلك الضيف الذي تبين لي فيما بعد أنه لا يستحق أن تتاح له فرصة الكلام عن مدينة كانت عاصمة لامبراطورين مغربيتين مرابطية  وموحدية. ومرت سنوات وافتضحت أمور  وفتحت ملفات أمام القضاء وصدرت أحكام ابتدائية واستئنافية ولا زالت القاعدة القانونية تبحث عن منفذ لتنصف المواطن. 

أكاد استسلم لمقولة "إذا كنت في بلاد المغرب فلا تستغرب". لا أعرف من قالها في لحظة نفور من واقع ردىء المعالم  والنتائج،  ولكن أتفهم المضمون  ووقعه العميق في المغرب العميق. ذلك الضيف الثقيل تنكر لحزبه الأول  ورحل إلى حضن الحزب الأول حاليا. وللترحال السياسي في بلدي مناصرون من يمين الطيف إلى يساره ومن طنجة إلى الكويرة . ومن هؤلاء من صفق، بدون وعي، لوزير ينعث أحد  النواب بخدمة مصالح خارجية. وقد كان من  اللازم إيقاف أشغال الجلسة الدستورية لأن الأمر تعلق  بكلام عن " الخيانة".  لكن  الأمر مر مرور السهو في زمن كثر فيه السهو.

"بزاف" عليهم المسؤولية السياسية لأنهم ليسوا أهلا لها. ولكن "بزاف" علينا، نحن مجموعة المداويخ والحالمين بالوطن الجميل  والكبير والحاضن للأبناء من كل الأجيال، أن نقف سدا منيعا أمام تجار السياسة والدين والمخدرات  وخبراء الصفقات والمحتالين على قوانين الملكية العقارية والمنكرين للحق في متابعة المرتشين  ومهنيي الإثراء غير المشروع . نعم "بزاف" علينا لأن دور الحالمين، ولنسميهم مناضلين، لا يمكن أن يتجاوز دور المؤسسات.
 
إن نجاح المؤسسات في بلدي هو الضمان الأوحد في ضمان الغد الممجد للعيش المشترك  والمحقق لآمال من لا زالو يؤمنون بمبادىء الإنصاف والمصالحة. نعرف أن هناك أمل كبير لكي نخلق الثروة للجميع وأنه بالإمكان أن نجعل من بلدنا ورشا كبيرا  ونكسر كل الحواجز لكي نجعل الناتج الداخلي الخام يصل إلى أكثر من 4 آلاف أو خمسة آلاف مليار دولار. ولقد حلل تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد كل المعيقات بصراحة. نحتاج إلى هزة وارتجاجات متتالية في مجالات التربية  والصحة والقضاء والإدارة العمومية وفي فضاء الأحزاب والنقابات والجمعيات. هذه الهزة ضرورة إستراتيجية لكن نستفيق جميعا من سبات عميق. 

تكلمنا في البدء عن هجوم كائنات على التدبير العام بمستويات ضحلة من التكوين. أصبحت هذه الكائنات تسكن القصور  وتعيش في مستويات فاقت مستويات كبار أغنياء أسواق المال العالمية، بما في ذلك ملياديرات الإقتصاد المرتبط بتكنولوجيا المعلومات. وللعلم فمستوى العيش، والمقصود المظاهر الخارجية للثراء  وليس حجم الاستثمار، يرتبط هنا  بالبذخ في كافة مظاهره. ولكل هذا يجد كثير من المواطنين صعوبة في عدم ربط الحكومة لكل هذه المظاهر بمستوى المساهمة الضريبية.  

كل المؤسسات السياسية  تغنت و كادت أن تتغزل بالتوجهات التي أتى بها تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد. كلها عبرت عن النية في الانخراط في أهدافه  و كلها لا زالت وفية للمقولة المنسوبة إلى فترة الجاهلية " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما". الأخ يظل محتاجا إلى النصرة ولو كان مرتحلا من حزب آخر، ولو كان متابعا، ولو أصبح ثريا بين ليلة وضحاها ولو... ولو ... ولو تطلب الأمر تهديد جمعيات مدنية تناضل من أجل الشفافية  ومحاربة الرشوة. 

أقول هذا مع كثير من الإستغفار وقليلا من الأمل على ضوء معطيات اليوم. أعتبر قبل مرور الآجال القانونية التي حددها الدستور والقانون التنظيمي للمالية، أن قانون المالية لسنة  2023 قد تمت المصادقة علية بأغلبية مريحة جدا جدا. و لكن ستردد الحكومة نفس الخطاب بعد شهور لتبرر الفشل في مواجهة الأزمة الإجتماعية. هذا ممكن في غياب تغيير حقيقي لتدبير الشأن العام بالعلم  والمهنية العالية  وتصعيد محترفي اللعبة السياساوية الدنيئة.  ولذلك أختتم بالقول "بزاف" عليهم السياسة. ومع الأسف " بزاف علينا نقدرو نواجههوهم"  في الوقت الراهن. أما من سيواجههم غدا،  فالله أعلم بضعفنا و قوته. وهم أقوى مني بكثير  والله يرحم ضعفي أمام هؤلاء.