ولو أن الظاهرة صارت متفشية على طول شهور السنة، إلا أن اقتراب حلول شهر رمضان يجعلها محط قراءة خاصة، ليس من منطلق التساهل الذي تبديه السلطات وبجرعة زائدة نوعا ما تجاه المعنيين خلال هذا الشهر، ولكن أيضا بناء على ملاحظة الارتفاع المهول لهؤلاء الباعة في شهر الصيام، والذين يتخذه الكثير من حديثي الانضمام مناسبة للاحتراف الذي يمتد التعايش معه إلى ما بعد عيد الفطر. "موقع أنفاس" وبعد أن استقى من الشارع ما يكفي من الآراء التي يجمع أصحابها على ما لهذا السلوك من تداعيات سلبية تقلق راحة السكان وتعرقل حركة السير والجولان، بعد أن نجح عنوة في تشويه النسيج الحضري. كانت له زيارة ميدانية إلى حيث يوجد مسجد "الفتح" بمنطقة عين الشق في الدار البيضاء، وهو المكان الذي ما إن تطل عليه حتى تواجهك يافطات الاحتجاج التي يعلقها الباعة بمحاذاة كراريسهم وفراشاتهم كتعبير عن عدم رضاهم على ما تلقوه من تعامل لا يتجاوب والوعود التي اطمأنوا لها في وقت من الأوقات بتخليصهم من حالتهم تلك. وذلك عبر تثبيتهم في سوق نموذجي. احتجاج حاول من خلاله هؤلاء، حسب أقوالهم، دفع أي اتهام قد يوجه لهم بذريعة رفضهم للبديل المناسب أو حبهم لما هو عشوائي فوضوي. وفي ذلك يقول عبد الحي، ممثل الباعة، بأن الجميع هناك ضاق ذرعا بحالة التجاهل التي يبديها المسؤولون صوب المطالب المرفوعة، والتي لا تتعدى الوفاء بالوعود التي استبشروا بها من خلال الحصول على محلات تجارية بالسوق النموذجي المشيد بالقرب من المسجد "دفعنا 70000 كما طُلب منا لشركة "إيترو". لكن ومنذ أن تم الانتهاء من عملية البناء سنة 2006 ما زلنا ننتظر". مضيفا بأن إهمال هذا السوق الذي به 324 دكان وقبله تهميش الباعة المعنيين به، أفضى إلى الكثير من النتائج الشاذة، والتي منها تحوله إلى مرتع للمتشردين وكل من يريد اقتراف أي رذيلة أخلاقية "إننا نطالب بفتح تحقيق قضائي يكشف عن كل صغيرة وكبيرة في هذا المشكل".
وللإشارة، فإن الوزير الأول السابق إدريس جطو كان قد قدمصيغة تتوخى تسريع وتيرة إنجاز هذه الأسواق بغلاف كلف 10 ملايير سنتيم، إنما كان الفشل مصيرها لتظل تلك الفضاءات عرضة للتآكل والتلف. وفي الوقت الذي أكد رجل سلطة بعمالة ابن مسيك، على أن مشكل الباعة المتجولين معقد للغاية بفعل تداخل العوامل المساهمة في تجذره، وبالتالي من الصعب تحديد وجهة واحدة لتحميلها المسؤولية، حمّل مروان جدير، وهو مسؤول سابق عن تسيير السوق النموذجي ياسمينة، الدولة في استفحال الوضع على مستوى مجموعة من المناطق، مرجحا بأن للمسؤولين كامل الحلول إن أرادوا فعلا إيجاد مخرج جذري للمشكل. وضرب مثالا جدير ببعض النقاط التي كانت تعرف بالسوداء باعتبارها أصبحت في خبر كان حين كان للجهات المعنية إرادة تجفيفها. وفي جوابه حول كون الإشكال لا ينحصر في منع الباعة من احتلال الشارع العام، وإنما يتعداه إلى اقتراح البديل القابل للتطبيق، شدد المتحدث على أنه حتى مسألة التعويض لن تكون بالأمر المعجز، غير أن ربما تتدخل هناك تفاصيل لايمكن معرفة كل خلفياتها، إنما لها أسباب بكل تأكيد. وفي هذا السياق، استبعد خالد.م، منتخب محلي، حاجة الدولة إلى من يفتي عليها الاقتراحات الواجب العمل بها، أو ما يمكن أن تدبره مثلا بخصوص فرض ضرائب أو إتاوات أو شيء من هذا القبيل، لكن "لها حساباتها الخاصة.
ومن الأكيد أننا سنتيه في الشد والجذب إذا ما وضعنا مقارنات بين ما نراه نحن حلا وما تحتفظ به السلطات من خلفيات ورؤى واعتبارات قد يتداخل فيها ما هو اجتماعي بما هو اقتصادي وسياسي". ومن المعلوم أن دراسة سابقة لوزارة الصناعة والتجارة، أنجزتها سنة 2011، أبانت بأن الدولة تخسر بسبب هذه النشاطات غير المنظمة في مداخيل جبائية وشبه جبائية حوالي 478 مليون درهم. وعدد هؤلاء الباعة قدرته الدراسة في ما يناهز 276 ألف بائع متجول، يروجون لحوالي 45 مليار درهم سنويا كرقم معاملات، ويؤمنون عبرها حاجيات ما لا يقل عن مليون 380 ألف شخص.