عبد الجليل أبوالمجد: الأمراض النفسية في المغرب.. الواقع المؤلم

عبد الجليل أبوالمجد: الأمراض النفسية في المغرب.. الواقع المؤلم عبد الجليل أبوالمجد

في ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وغياب الآفاق وسيطرة الإحباط على المناخ العام في البلاد، تفاقمت مشاكل واضطرابات الصحة النفسية للعديد من المغاربة.

فالناظر لأحوال المغاربة اليوم يرى أن "المرض النفسي" بات واقع مؤلم يعيشه تقريبا نصف المجتمع، ويمس مختلف الشرائح والأعمار ولا يقتصر على جنس دون غيره. وهذا ما نبهت إليه منذ مدة مختلف الدراسات المتعلقة بالصحة النفسية في المغرب، منها الدراسة الأخيرة التي أعدها مؤخرا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمناسبة اليوم العالمي للصحة العقلية (10 أكتوبر) حول موضوع "الصحة العقلية على المستوى الوطني"، حيث كشفت نتائج هذه الدراسة أن نسبة 48,9% من المغاربة تعاني من اضطرابات نفسية متفاوتة كالاكتئاب والقلق والانفصام والسادية والانعزال.

وللإشارة فإن التشخيص المنجز من قبل المؤسسة الدستورية كان معروفا لدى المصالح المعنية بناء عن الأبحاث والدراسات التي أنجزتها وزارة الصحة منذ العقد الأول لهذا القرن.

ومن المعروف أن  أسباب الأمراض النفسية في المغرب متعددة، وأساسها المفهوم الخاطئ لمسألة قصد المريض للطبيب النفسي، والذي ما يزال منتشرا بين الناس، نتيجة لثقافة  قديمة ومعتقدات خاطئة مازالت تسيطر في المجتمع المغربي. وهذا مايسهل في النهاية المتاجرة على حساب صحة المريض، فأغلب المغاربة ما يزالون يعتقدون أن الأمراض النفسية تصدر عن الجن أو السحر أو الشيطان، وهذه كلها معتقدات تجعل المغرب يحتل أدنى الدرجات من حيث التصنيف العالمي بالنسبة إلى الوعي الصحي.

ورغم أن نسبة 48,9% مقلقة، فإن العرض الطبي في المغرب لا يتلاءم مع حجم انتشار الأمراض النفسية والعقلية، إذ تعتبر الصحة النفسية في المغرب من الأمور الثانوية ولم تحصل على الاهتمام المطلوب من الحكومات المتعاقبة للبلاد، إذ هناك خصاصا كبيرا في عدد الموارد البشرية المقدرة حسب معطيات رسمية ب 454 طبيبا نفسانيا في المغرب، وكذا الأسرة الاستشفائية التي لا يتجاوز عددها 2431 سريرا، وهذا يدل عن ضعف استثمار الدولة في منظومة الصحة العامة بشكل عام.

وهكذا، فالميزانية العامة لوزارة الصحة لازالت تتراوح بين 6% و7% من الميزانية العامة عوض 12% الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية أو مقارنة مع دول أخرى (10.7% في الجزائر، و12.4%بالأردن، و13.6 %بتونس)  كما أن مخصصات الصحة العقلية في الميزانيات الوطنية للصحة لا تتجاوز 2℅.

والجدير بالذكر أن المستشفيات المخصصة للأمراض النفسية والعقلية جد محدودة، ومن أهمها المستشفى المشهور برقم 36 بالدارجة "ترانت سيس"،  المتواجد في مدينة الدار البيضاء والذي بني في بداية القرن العشرين، إذ يمكن أن تسمعه في الشوارع والأزقة، حين يصف أحدهم شخصا ما بـ"الأحمق" أو "المريض النفسي". 

بالإضافة إلى المستشفى رقم 36 الذي يشكل جزءا من ذاكرة مدينة الدار البيضاء بشكل خاص، يوجد مستشفى  آخر اقترن اسمه بمدينة برشيد، وهو مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية في برشيد، الذي أقامته  الحماية الفرنسي سنة 1918، لكنه هذا المستشفى فقد بريقه اليوم،  إذ تعاني بنيته التحتية من وضع كارثي، بسبب الإهمال واللامبالاة.

وعموما يتسبب غياب أقسام  ومستشفيات طبية متخصصة في علاج الاضطرابات النفسية والعقلية في الأقاليم الداخلية في ضغط كبير على المستشفى الحكومي الوحيد المتخصص في البلاد.

كما يصطدم معظم المغاربة بارتفاع فاتورة العلاج النفسي في المستشفيات أو العيادات الخاصة ما يؤدي إلى زيادة الضغوط على الأقسام المتخصصة في المستشفيات الحكومية.

 وصفوة القول، إن التطلع إلى التنمية والتقدم الاجتماعي، لا يستقيم ونصف المجتمع مريض نفسيا. فالتنمية وحلم التقدم يحتاجان إلى مجتمع قوي نفسيا يتحلى بروح وطنية متحدية للعقبات.

وفي النهاية، هناك حاجة ملحة لزيادة الوعي بهذه المعضلة من خلال شرح أفضل لماهية الأمراض النفسية وكلفتها،و تثقيف الأفراد والأسر والمجتمع على النظر إليها بوصفها مشكلة لا تؤثر على أفراد معزولين فحسب، بل على المجتمعات أيضا. كذلك ينبغي دمج العناية بالصحة النفسية في النظام الصحي الأوسع عبر تجهيز عدد أكبر من أطباء الرعاية الأولية لمعالجة الاضطرابات النفسية لتقريب الخدمات للمصابين وأسرهم، وخلق حوافز للمختصين بالصحة النفسية ولممارسي الطب العام للعمل معا، والنسيق بين الفاعلين وبناء الشراكات بين العام والخاص، بهدف تحسين الخدمات الصحية وتسهيل حصول المرضى على العلاج المطلوب.