سعيد توبير: أثر حدث المسيرة الخضراء في إذكاء روح الوطنية الجديدة

سعيد توبير: أثر حدث المسيرة الخضراء في إذكاء روح الوطنية الجديدة سعيد توبير
يحتفل الشعب المغربي اليوم  بالذكرى السابعة و الأربعين بحدث "المسيرة الخضراء" التاريخي، الذي برهن من خلاله الشعب المغربي والملك العلوي" الحسن الثاني" رحمه الله على تضامنه ووحدته الروحية والسياسية أمام كل من تسول له نفسه العبث بوحدة المغرب الترابية واستقلال ترابه التاريخي والسياسي. وفي هذا السياق يواصل العاهل المغربي سياسة الدفاع عن الصحراء المغربية من منظور جديد بحيث يقول في هذا الشأن: (ومن هنا، فإن توجهنا في الدفاع عن مغربية الصحراء، يرتكز على منظور متكامل، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة).

الواقع هو أن هذه المناسبة اليوم تستدعي من الجميع مزيدا من الحيطة والحذر في تتبع تداعيات ملف قضية "الصحراء المغربية" على مستوى قرارات الأمم المتحدة، التي يمكن أن تميل الى ترجيح كفة الانفصاليين في زمن عالم العولمة المتوحشة، المسكونة بالغموض والفوضى العارمة، التي اكتوت بلهيبها مجموعة من دول الوطن العربي لتصبح مجرد كيانات سياسية أقل ما يقال عنها أن مستقبلها هو العرق، القبيلة، المذهب أو الفيدراليات الهشة كما عبر عن ذلك د.عبد الله العروي.

في هذا السياق نقول لأبناء الشعب المغربي المتشبثين بملكيتهم الدستورية تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم من أجل بلورة فكرة مشروع تعبئة مستقبلية جديدة حول " الوطنية الجديدة "لضخ دماء جديدة في مؤسسات المجتمع المدني المغربي، والأحزاب السياسية بناء على تصور العاهل المغربي للقضية الوطنية بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء: ( إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، لذا، ننتظر من بعض الدول -من شركاء المغرب التقليديين والجدد- التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل) .

وما دامت القضية الترابية قضية تاريخية فلا نجد خيرا من أحد الوثائق التاريخية الدالة" الجزائر والصحراء المغربية" والتي كتبت في سياق حدث" المسيرة الخضراء" 1975  من طرف المؤرخ و المثقف المغربي العتيد " الدكتور عبد الله العروي". والذي  عبر منذ ذلك الوقت بحكم علاقاته مع نخب الجبهة الوطنية لتحرير الجزائر، إنها كانت مخطئة عندما عاكست المغرب في وحدته الترابية و وأن من الضروري أن تدافع المملكة بكل قوة عن وحدتها الترابية.

 ولذلك يوضح من خلال الوثيقة المشار إليها أن "حدث المسيرة الخضراء" كان بمثابة واقعة سيكولوجية عامة : ساهمت في عودة الوعي التاريخي المغربي الى ذاته، بعدما هضمت الذاكرة الجماعية المغربية سر استمراريتها و تفاعلها مع  روح الوحدة المركزية من خلال الكفاح، الجهاد، والتحرير في مغرب غربه محيطيا، و شرقه متوسطيا،  ضد كل أنواع الأطماع الاستعمارية التي رافقت تطور المغرب من الانحطاط إلى الإصلاح. لاننفى غزو الرومان قديما ومحاولات الإيبريين في العصر الوسيط الهيمنة على الشواطئ الاطلسية، أو تربصات المد العثماني في العصور الحديثة شرقا ومقاومة التنافسات الأوروبية الشرسة الحديثة جدا والتي أفضت على فرض الحماية. قل إنها : "روح المغاربة الجماعية". وعليه فإن د عبد الله العروي يعتبر أن عودة المغرب إلى المطالبة بالصحراء المغربية لتصفية الإستعمار الإسباني هو ما  أفضى الى ملحمة شعبية و سلمية وطنية" المسيرة الخضراء".

لقد نوه العروي بكل شجاعة أدبية بالقيادة و الفكرة والأسلوب، مثمنا جرأة الملك الحسن الثاني رحمه السياسية والديبلوماسية ودقته في التخطيط الإداري، الذي اتخذه في تنظيم ملحمة تاريخية ووطنية اسمها " المسيرة الخضراء". والتي أصبحت نبراسا للرأي الدولي و الشعب المغربي في فلسفة  السلمية و استرجاع الحقوق بالطرق المشروعة : (تحريك 350.000 من المواطنين  بتوفير كل من النقل و التغذية و الصحة في جغرافية قاحلة امام أنظار العدو) و بطريقة غاية في الذكاء على مستوى التخطيط والتنفيذ. لقد تفادت المسيرة التاريخية النموذجية كل مظاهر الإنحراف أو العنف، إنه الحدث الروحي التاريخي الذي يؤكد أهمية الثنائية السرمدية "ثورة الملك و الشعب" في استرجاع السيادة الوطنية الترابية والاستمرارية.

يتدخل التاريخ في نظره من جهة، أن حدث المسيرة هو بمثابة نفس الوضعية المشابهة لما شهده المغرب في كفاحه ضد الغزاة الايبريين في 1578، أي في معركة وادي المخازن التي ساهم فيها المغاربة من جميع الجهات لإنقاذه من الكارثة. ونفس الشيء وقع في 1859 عندما خرجت قوات إسبانية تريد أن تنتجع في شمال المغرب عبر استهداف مدينة تطوان، ليعلن الجهاد أي الكفاح والدفاع والتحرير حتى في الأطلس المتوسط، الذي لم يكن فيه المخزن يمارس سلطة مباشرة عليه في ذلك الوقت، ليهب المحاربون والمقاومون لرد الغزو الإسباني وإرجاعه الى أدراجه.

إذن قد يسعفنا التاريخ أو الذاكرة في استحضار "الوعي الوطني" كتحول في الوعي الجماعي المغربي، الذي تنمحي فيه كل الاختلافات العمرية والسياسية والتقنية. ولذلك يقول : " عندما تهضم الذاكرة الماضي يصبح النسيان خطأ ".
وأما فيما يخص الحجج التي يعتمد عليها في إثبات مرافعته حول "مغربية الصحراء" تاريخيا و ثقافيا فهي كالتالي:

فرضية "الصحراء المستقلة" غير صحيحة في نظره، من جهة أن المفهوم الجغرافي لا يمكن ان ينتج "أقلية سياسية". ذلك فإن  واقع الحال يثبت بما لا يدع الشك: أن هناك صحراء جزائرية، ليبية، تونسية، سودانية و صومالية، ولماذا فقط بناء دولة مستقلة في الصحراء الغربية المغربية مع أن هناك صحراء غربية مصرية؟.

إذا كانت إسبانيا تقر في تقاريرها أن عدد سكان الصحراء لا يتجاوز عددهم 50.000 أغلبهم من البدو الرحل. فما هي القاعدة التي ستبنى عليها دولة مستقلة و دائمة ؟ وأما تأخرها عن اتخاذ موقف الجلاء كان بسبب رغبتها في الحصول على التعويض المناسب.
لم تقدر اسبانيا على رد مطالبة المغرب من لجنة "تصفية الاستعمار" بالجمعية العامة للأمم المتحدة بفتوى قانونية من طرف محكمة العدل الدولية حول استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية. ولذلك يرى أن السبب الوجيه الأول هو المكانة المهشمة التي كانت تحتلها إسبانيا فرانكو في الرأي العام آنذاك في الأمم المتحدة بسبب الجرائم التي تم اقترافها فيما يخص حقوق الانسان في إسبانيا" الحرب الأهلية" 1934  بالباسك، ناهيك عن الجرائم المقترفة في حق أبناء المقاومة المغربية.

على العموم يورد العروي في كتابه البديع" ثقافتنا في ضوء التاريخ" في ص34، فكرة مفادها أن المغرب في التاريخ القديم قد قاوم الاحتلال الروماني والبرتغالي والاسباني إذ يقول: يطرح دافيد لوبز السؤال التالي: لماذا أخفق البرتغال عندما حاول الاستيلاء على المغرب الأقصى؟ يطرح فردناند بروديل نفس السؤال بالنسبة لإسبانيا ومحاولة استيلائها على المغرب الأوسط؟ يجيب الاثنان أن السبب هو أن كلا الدولتين واجهت اختيارا صعبا: أما احتلال البلاد بكاملها وهو ما لم تكن تستطيع تحمله نظرا للتكاليف المالية والبشرية الباهظة، وأما احتلال قسم فقط يصبح في الحين معرضا لهجمات متتالية مما دفع في النهاية الى الجلاء التام. وعليه فإن المسيرة الخضراء، أعادت للدولة التاريخية المغربية ثقتها بنفسها، بعدما عانى المغرب في نظره من تقسيم لا يرحم رغم الضمانات التي منحت له من لدن الدول العظمى و من بينها فرنسا و إسبانيا في مؤتمر مدريد 1880 و الجزيرة الخضراء في 1906.  ليخلص في النهاية أن الموضوع الحقيقي في لاهاي كان بالضبط هو موضوع "الدولة التاريخية المغربية".