لقد كانت ولا تزال الروح الوطنية وما تحمله من دلالات عميقة ضاربة في جذور التاريخ المغربي منذ الفتح الأول للمغرب، وهي الآن تذكرنا كذلك بالعديد من المحطات المهمّة في مسيرة المملكة المغربية على مرّ التاريخ. خصوصا ما تعلق بحقبة الاستعمار وما شابها من تقطيع لمفاصل التراب الوطني المغربي ظلما وعدوانا. إذ لم ييأس المغاربة من التصدي للمحتل، ولم يمهلوه فترة لأخذ أنفاسه متصدين بأرواحهم لجميع مؤامراته.
وقد رُويت أراضي المملكة المغربية وسُقي ترابها ورمالها وجبالها وهضابها وسهولها بدماء الشهداء الزكية، لتتشكل معالم الشخصية الوطنية المناضلة في جميع تراب المملكة وتلاحم الشعب والعرش، في أبهى صور الكفاح السياسي والمسلح، حتى استسلم المستعمر بعد تلقيه لضربات قويّة وموجعة، واضطرّ صاغرا إلى التخلّي عن المغرب العزيز لينال استقلاله عزيزا مكرّما.
إلا أنه ظلت قطع من ترابه العزيزة تئنّ تحت نيل الاحتلال، فكانت فكرة المسيرة الخضراء الإبداعية مكملة لمشوار النضال، فاسترجعت المملكة المغربية وضمت أراضيها المقتطعة منه جزئيا سنة 1975.
لذا فقد كانت المسيرة الخضراء المظفرة في نظري محطة مفصليّة وقيمة مضافة في تاريخ بناء الهويّة المغربية التي أسهمت بلا أدنى شك في تأصيل الروح الوطنية المتجذرة في عروق المغاربة أبا عن جد.
فالمسيرة الخضراء إذن ليست مجرّد نظرية وفكرة إبداعية قد غرست في ذاكرة الزمن فحسب. بل هي أكثر من ذلك. فقد أسّست نموذج عمل استثنائي في مجال الكفاح والنضال الوطني. وعليه فحريّ بنا وباللاحقين من أبنائنا وأحفادنا، أن يتوقّفوا عند ذكرى تلك الفكرة الإبداعية، ليشبعوها دراسة ويفيضوا التدبّر فيها لتصبح أداة حقيقية وممارسة فعلية وسلوكا واقعيا على مضمار المطالبة بالحقوق ونشود الشهادة في سبيل وطن؛ علّمنا أجدادنا فيه كيف نكون أعزّاء وكيف نستمرّ بالمطالبة بالحقوق حتّى نقتلعها من مغتصبها، فنشهد بذلك عزّة بلد لن تكون عزّتنا إلّا به، ونؤسّس لحبّ وانسجام لن يتوفّرا إلّا بحبّه!. ولتظل الصحراء في مغربها، والمغرب في صحرائه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أحب من أحب، وكره من كره.