قراءة في تثبيت بوتفليقة "مومياء" للجزائر

قراءة في تثبيت بوتفليقة "مومياء" للجزائر

لم يحدث أبدا أن صوت نصف شعب تقريبا على رجل مومياء (أو شبح) على أن يوليه أمر البلاد والعباد كما حدث يوم 17 أبريل 2014 في الجزائر، هذا إذا صدقنا أن نسبة المشاركة هناك قد بلغت بالفعل 51 في المائة. فقد اعتبرت تنسقيه الأحزاب والشخصيات، في اجتماعها المنعقد يوم السبت الماضي هذا الرقم مبالغ فيه، وأن الحقيقة تفيد بأن نسبة المشاركة هي 20 في المائة فقط.

 

أحمد لفضالي

 

بغضالنظر عن التباسات الأرقام ضمن ما يحدث في البلاد الجار، فالمؤكد أن ما جرى هناك يسائل الديمقراطيين في بلدان المغرب العربي والعالم العربي-الإسلامي على حد سواء. للانتخابات الرئاسية في الجزائر طعم خاص. إنها البلد الوحيد الذي استبق الربيع العربي إثر إقدام الرئيس الشادلي بنجديد على تنظيم الانتخابات التشريعية سنة 1991. وقد أفضت نتائج الاقتراع إلى فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية، التي بمجرد أن تسلمت دفة الحكم المحلي حتى أعلنت عن نواياها باتجاه قيام الدولة الإسلامية. الأمر الذي أزعج الجيش (القوة الكبرى في الجزائر) بتوافق مع قوى العالم. ما نتج عنه كبح جماع الإسلاميين، وإعادتهم إلى نقطة الصفر. وكان رد فعلهم أن حولوا الغضب إلى عشرية حمراء عانت منها الجزائر من سنة 1992 إلى 2002. هذا التدخل من طرف الجيش فسر آنذاك كنوع من التعبير عن الاستبداد العسكري للطغمة الحاكمة. ومع ذلك ظلت الجزائر، بلاد المليون شهيد، سائرة في نهجها السياسي المغلق. وحين حل ما يسمى بالربيع العربي استعاد المحللون نموذج جزائر التسعينيات، خاصة بعد أن تبين أن المستفيد الوحيد من رياح الثورة هم الإسلاميون، وإن بأشكال حضور متنوعة، تماما كما حدث بشكل واضح في مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا.. وربما لهذا السبب ظل الغضب الجزائري مكبوتا، وظل معه قمع العسكر مشروعا في نظر الدوائر الغربية. ولأن لاستحقاق الرئاسيات تاريخا معينا هو هذه السنة بالضبط 2014، فقد كان على الحكام الحقيقيين (العسكر تحديدا) أن يفكروا في الشخصية التي يمكن أن تضرب العصفورين بحجرة واحدة:

- ضمان الاستقرار خوفا من فوبيا "الربيع العربي" وعودة الإسلاميين، وتجاوبا مع حاجة الغرب إلى ذلك.

- ضمان مصالح العسكر، واستمرار استيلائهم على خيرات البلاد التي تعتبر أغنى الدول العربية، وأفقرها بالنظر إلى تضخم نسب البطالة، واكتساح ظاهرة اليأس لدى شرائح واسعة من المواطنين، خاصة في صفوف الشباب. فكر العسكر مليا في الأمر، وبدا له أن لا فرس رهان جاهز. وحده بوتفليقة الرقم الخاسر الرابح. الخاسر بالنظر إلى وضعه الصحي، وهذا ما يضمن تحكم العسكر بالصورة التي يفسر بها أن الرئيس سيظل محجوزا بدون إرادة فعلية داخل قصر المرادية. والرابح بالنظر إلى رصيده في جبهة التحرير الجزائرية، ورصيده في إقرار تجربة الوئام المدني ابتداء من سنة 2005. وعلى هذا الإيقاع تم اختياره المرشح "الكبير" لرئاسة الدولة. العسكر يريد بهذا الاختيار أن يخاطب العالم بكلمة واحدة: "إذا كانت تهمكم جزائر مستقرة ضمن محيط متوسطي وعربي إسلامي، فإن بوتفليقة هو الحل، وسواه الفوضى". وكذلك كان. تم ترشيح الرئيس المنتهية ولايته، إلى جانب خمسة مرشحين محدودي التأثير وبدون قواعد انتخابية، خاصة بعد انسحاب الإسلاميين من حلبة التنافس الرئاسي. وجرت الانتخابات يوم 17 أبريل، وفاز فيها الرئيس بوتفليقة كما كان متوقعا، حتى وإن تقدم نحو صندوق الاقتراع بكرسي صحي، وبدون أن يقوم بالحملة الانتخابية، وبدون أن يكلم كتلته الناخبة المفترضة. وبذلك ستعود البلاد إلى استقرارها المزعوم. وحدهم الإرهابيون قرروا في توقيت دقيق (يومان بعدا الانتخابات) تكذيب هذا الزعم حين أقدموا على الهجوم على دورية الجيش بمنطقة تيزي وزو ذهب ضحيتها 14 جنديا. وفي تصورنا، فهذا التحرك المتطرف لا يفزع حكام الجزائر الحقيقيين فقط. ولكن كل البلاد التي تحتفظ بذكريات رهيبة، خاصة استمرار تفاعلات الاحتجاجات داخل مدينة بجاية، والتصدع الطائفي والعرقي الذي تعرفه منطقة غرداية منذ شهر دجنبر الماضي. إن ما سيرعب حكام الجزائر حقيقة هي المعارضة الناشئة التي كان الفضل الكبير للشبح بوتفليقة في إظهار قوتها. نقصد حركة "بركات" التي عبرت من موقعها المدني عن رفضها للعهدة الرابعة للرئيس، ومن خلال ذلك رفضها لحكم الطغمة العسكرية، وعن طموحها في حياة ديموقراطية جديدة تقطع مع ممارسات الحكم السابق. ونقصد أيضا تكتل المعارضة المسماة تنسقية التي أبانت في اجتماعها الأخير، عن ضرورة استمرار العمل ضمن آفاق جديدة، منها اعتماد تسمية جديدة للهيئة، وتنظيم ندوة عن الانتقال الديموقراطي. ليس هناك من إيجابية واضحة لما حدث من مهزلة ديموقراطية في الجزائر سوى ما يمكن أن يسمح به الوضع العام من إمكانية نشوء معارضة ديمقراطية تعيد البلاد إلى صوابها، وتجعل المواطنين في الجزائر ينعمون بحق المواطنة، وبالثروات الحقيقية التي تكتنزها البلاد.