من حيث المبدأ لا يمكن للمحامين أن لا يؤدوا الضرائب، وهم لا يطالبون بتمييز أو تخفيض أو إعفاء، لكنهم يلحون على المشرع في أن يحسم في أمر مهنتهم، ما إذا كانت فعلا كما يعرفها ذلك المشرع من أنها مهنة نبيلة ذات أبعاد إنسانية واجتماعية متربطة بالحق في الإنصاف والمحاكمة العادلة، تترفع على منطق الربح والخسارة، وتسمو فوق المكاسب والمغانم المالية والمادية.
يعكس اللجوء الى فرض"مكوس" على المحامين بؤسا سياسيا لدى الفاعل الحكومي، فالسياسي المهاري والبارع هو ذلك الذي يبدع في خلق الثروة، وابتكار أسبابها، عن طريق إنعاش الاقتصاد بأساليب غير عادية وغير تقليدية تعكس فطنة وذكاء، وأما إنهاك المنهك بمزيد من الضرائب فهو من شيم السياسيين ذوي الفكر المحدود والطموح المنعدم، ثم إن الركون للتضريب هو عامل مهدد للاستقرار والأمن العام، وقد عصف بأنظمة ودول كثيرة، فمحاصرة مهنة تعاني ارتخاء وعياء وإلزامها بضريبة ثقيلة هو كمن يسعف المختنق بمزيد من الدخان، وهو اعتداء صارخ وسافر على حق المواطن في خدمات دفاع في ظروف آمنة وسليمة.
ولا يعيب المحامون على تضريبهم وضعهم كلهم في سلة واحدة دون استحضار تلك الفوارق الطبقية التي تعيشها المحاماة والتي لم تعشها حتى أوروبا في العهد الفيودالي، ولا في سند اعتماد تلك الرسوم المفروضة كمراجع ومعايير، بل إن العيب هو لجوء الحكومة إلى إلزام المحامين بضرائب مسبقة دون سابق استشارة، ولا إشراك للهيآت المهنية، ودون دراسة ميدانية تشخص الواقع المهني وتحسب خطوات النفع والإخفاق ، مما يجعل منها ضريبة قهرية قريبة إلى "الجزية" التي يدفعها "الضعيف" ل"القوي".
فللمحاماة خصوصية تلزم الحكومة على تخصيصها بضريبة خاصة، ضريبة لا تعاملها معاملة الشركة ولا الحرفة، لأن المحامي يقدم خدمات ليست كالخدمات، خدمات مرتبطة بحقوق الإنسان في معناها الشامل والكوني، وما يتلقاه المحامي كأتعاب وليس كراتب يصعب فيه فرز الربح عن الرأسمال لأن قاموس المحاماة لا يؤمن بالربح والرأسمال.
في المحصلة فإن إخضاع المحامين لضريبة مسبقة ومجحفة يرسل رسائل غير مطمئنة من الحكومة، تفيد أنها تسعى إلى سد ثغرات كسلها السياسي بإثقال كاهل المحامين، وتفيد أن الحكومة لا تحفل بجناح من جناحي العدالة، وأنها حررت الجناح الأول وجعلته سلطة مستقلة على الأقل على المستوى الشكلي، في حين استفردت بالجناح الثاني لتجتاحه وتكتسحه وتنتف ريشه نتفا، وتواجهه بسلاح القوانين المالية ومسودات مشؤومة، تماما كما يشهر قطاع الطرق سكاكينهم في وجوه ضحاياهم.