بوبكر حمداني: التخفيض الجزئي لإنتاج النفط قرار اقتصادي سيادي لأوبك بلس..

بوبكر حمداني: التخفيض الجزئي لإنتاج النفط قرار اقتصادي سيادي لأوبك بلس.. د/بوبكر حمداني
توالت المواقف الرسمية الداعمة ان على مستوى الدول عربيا ودوليا لبيان وزارة الخارجية السعودية بخصوص موقفها من القرار الصادر عن أعضاء «أوبك بلس» في ختام اجتماعهم في الخامس من أكتوبر 2022، بشأن مراجعة أوضاع الأسواق النفطية وخفض الإنتاج الكلي بمليوني برميل يوميا من مستويات الإنتاج المطلوب ابتداء من شهر نوفمبر 2022، وتمديد "إعلان التعاون" حتى نهاية 2023، وعقد الاجتماعات الوزارية كل ستة أشهر، ولجنة المراقبة الوزارية لـلمنظمة كل شهرين لمتابعة مستجدات السوق، مع رفض المملكة البات في ذات البيان لتسيس هذا القرار أو اعتباره بمثابة انحياز منها في صراعات دولية.
وهكذا استدعى هذا الوضع من دول البحرين والجزائر والكويت والعراق وعمان الإمارات والمغرب مصر وماليزيا ونيجيريا والسودان وباكستان، كما عبر وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بالمملكة المغربية، ناصر بوريطة، أثناء تقديمه رسالتين موجهتين من الملك محمد السادس الى الملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، عن تضامن المغرب في كل ما تتخذه المملكة العربية السعودية من قرارات في سياستها الخارجية، واصفاً إياها بأنها تسير بالطريق الصحيح، ومضيفا بأن سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية في المجال الدبلوماسي أو مجال الطاقة تسير على أساس رؤية بعيدة المدى، وعلى أساس عقلاني، ولا تخضع للمزايدات ولا للضغوط، وذلك لأنها مملكة متجذرة وسياستها حكيمة، كما عبرت منظمات إقليمية كجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، التعبير عن تضامنها المطلق مع المملكة السعودية في كلما تتخذه من قرارات، والتأكيد على أن القرار الصادر عن أوبك بلس قد اتخذ بشكل جماعي بناء على تصويت كل الأعضاء في المنظمة، وذلك في رد منها على المواقف التي صدرت عن كل من الإدارة الامريكية، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، الرافضة لقرار أوبك باعتباره يرقى إلى الانحياز لطرف دون آخر في الصراع القائم في أوكرانيا.
وجدير بالذكر أن منظمة أوبك بلس باتت منذ أكثر من سنتين تواجه تحديات صعبة، وتتعامل مع متغيرات متسارعة وتحولات إقليمية ودولية، كان لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي، وعلى استقرار السوق البترولية.
ولعله من أبرز هذه التحديات مواجهتها لتعدد روافد التضخم غير المسبوق المتصلة بالطلب والعرض، فبعد تقلص الطلب نتيجة فترات الإغلاق الطويلة التي اتخذتها العديد من الدول في إطار التدابير الوقائية الرامية إلى احتواء جائحة “كوفيد-19”، والسرعة في تعافي الطلب بعد الحزم التحفيزية التي وضعتها الدول لدعم القدرة الشرائية، قابله تباطؤ كبير في تعافي العرض نتيجة العديد من العوامل الفنية واللوجيستية والتمويلية واضطراب سلاسل الإمداد، نتيجة الحرب الأوكرانية – الروسية قبل مرور عام واحد على عودة الأنشطة الاقتصادية لمعدلاتها ما قبل الجائحة.
كل هذه العوامل مجتمعة تسببت في حدوث فجوة كبيرة بين العرض والطلب نتج عنها ارتفاع المستوى العام للأسعار خاصة أسعار منتجات الطاقة، حيث واصل سعر النفط ارتفاعه منذ بداية سنة 2021 ليدخل في مرحلة من التقلبات أكثر حدة بسبب الحرب القائمة في أوكرانيا.
هو وضع إذن اثار قلقا عالميا استدعى من وكالة الطاقة الدولية في الثامن عشر من مارس 2022، نشر خطة طوارئ ترمي إلى سن عشر إجراءات لخفض الطلب العالمي على النفط بمقدار 2.7 مليون برميل يومياً، بهدف تقليل مخاطر حدوث نقص حاد في مشتقات النفط وبدائله وإمدادات الغاز الطبيعي على وجه الخصوص.
الامر نفسه الذي سبق أن حذر منه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال قمة “جدة للأمن والتنمية” التي جمعت قادة تسع دول عربية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في المحطة الأخيرة من جولته بالشرق الأوسط، حيث اعتبر أن الجهود الدولية المشتركة ضرورية لتعافي الاقتصاد العالمي وأن السياسات غير الواقعية بشأن الطاقة ستؤدي إلى تضخم غير مسبوق.
وفي هذا الصدد، ولكون مجموعة أوبك بلس منظمة دولية منشأة بموجب صك يحكمه القانون الدولي تتخذ قراراتها باستقلالية وفقاً لما هو متعارف عليه من ممارسات مستقلة للمنظمات الدولية، وتملك الشخصية القانونية الدولية لتكون مسؤولة عن افعالها متى كانت غير مشروعة دولياً سواء إذا كان التصرف الذي قامت به يتمثل في عمل أو امتناع عن عمل مُسنَد إليها بمقتضى القانون الدولي؛ أو خرقا منها لالتزام دولي واقع عليها. فقد ثبت بما لا يدع مجال الشك أن التخفيض الجزئي لإنتاج النفط الصادر عن أوبك هو قرار تم بالتوافق بين جميع الدول الأعضاء المشكلة للمنظمة، حيث فرضته عليها اعتبارات اقتصادية موضوعية مبدئية، وإدراك واعي من المنظمة بحركة السوق العالمي ومتطلبات العرض والطلب على البترول فيه، وهي تسعى بهذا القرار الى مراعاة التوازن والحد من التقلبات التي لا تخدم مصالح البلدان المنتجة والمستهلكة معا من جهة، وبما يكفل حماية الأمن الاقتصادي لهذه الدول ويحافظ على مصالحها الاستراتيجية والحيوية من جهة أخرى.
وفي ذات السياق، أكد الأمين العام لمنظمة أوبك، هيثم الغيص أن المنظمة لا تنحاز لطرف مقابل آخر، وبأنها ليست منظمة سياسية، بل هي تقوم بتحليل بيانات الاقتصاد العالمي وقراءة المؤشرات والتوقعات التي يكون لها تأثير مباشر على الطلب على النفط ومستقبل الطاقة، وغايتها من ذلك ضمان استمرار تدفقات النفط بشكل آمن وسلس، بما يصب في النهاية مصلحة النمو الاقتصادي العالمي.
ومما لا خلاف عليه أن المملكة العربية السعودية العضو الأبرز في مجموعة «أوبك بلس» تعتبر أن النفط يشكل سلعة مهمة ورقم صعبا في ملف الطاقة العالمية، الشيء الذي حتم عليها التعامل معه داخليا وخارجيا ضمن الثوابت والمصالح العليا للمملكة، وهي بالتالي وانطلاقا من مكانتها الدولية وضمن مسؤوليتها المشتركة لحماية الاقتصاد العالمي تعمل بشكل متواتر للحد من تقلبات أسعار الطاقة وضمان إمداداتها وفق سياسة حكيمة ومتوازنة.
وعليه، فإن المملكة تكون قد عبرت عن رفضها لتسييس النفط والقرارات المتعلقة به، واعتباره سلاحا ضد الولايات المتحدة أو أي كان، ونفت في الوقت نفسه أن يكون قرار تخفيض إنتاج النفط هو بغاية إلحاق الضرر بواشنطن التي تنظر لعلاقاتها معها من منظور إستراتيجي يخدم المصالح المشتركة والتاريخية بين البلدين.
ومجمل القول، فإن كل هذه المؤشرات تفضي إلى أن «أوبك بلس» قد اتخذت قرارا اقتصاديا سياديا نابع عن الإرادة الحرة للدول الأعضاء بالمجموعة في إطار جهودهم الرامية إلى دعم استقرار وأمن الطاقة، بما يحقق مصالح المنتجين والمستهلكين، ويعزز النمو الاقتصادي وجهود التنمية في العالم.
 
الدكتور بوبكر حمداني، متخصص في العلاقات الدولية