عبد الإله بنكيران يجهض أحلام الطبقة الوسطى في الحصول على سكن

عبد الإله بنكيران يجهض أحلام الطبقة الوسطى في الحصول على سكن

حكم آخر ثم إجهاضه من طرف عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة الملتحية، ويتمثل في عدم وفائه بإنجاز سكن لفائدة الطبقة المتوسطة. ذلك أن برنامجه وتصريحاته كانت تسير في اتجاه إغراق السوق بهذا المنتوج لتلبية الحاجيات الملحة للطبقة المتوسطة، إلا أن قوانين المالية التي صدرت في عهد بنكيران (2011، 2012، 2013) لم تتضمن أي إغراءات للمنعشين.

 

إعداد: مصطفى لبكر

 

ها هو قانون مالية 2014 جاء بمقتضيات محتشمة جدا لم تجلب سوى حفنة من المنعشين الذين التزموا بإنجاز بضع شقق خلال 5 سنوات. «تسنى الجن تايطيب اللحم» ارتفاع الطلب على السكن في الحقبة الأخيرة جعل أثمنة العقار ترتفع وتصل إلى مستويات قياسية وخاصة في المدن الكبرى كالدار البيضاء، مراكش، فاس، طنجة، وأكادير، وهي المدن التي تعرف كثافة سكانية وتوسعا عمرانيا، وتوفر فرص الشغل بصفة أكثر من غيرها.

لكن إذا كانت الفئات الميسورة تدبر بنفسها السكن الذي يلائمها بكل حرية ويسر، فإن الدولة تمد يدها للفئات المهمشة والمعوزة وذات الدخل المحدود عبر برامج احتواء السكن غير اللائق وتكثيف السكن الاجتماعي من صنف 14 مليون سنتيم و25 مليون سنتيم. لكن شريحة أخرى من المجتمع كالطبقة الوسطى تظل في منزلة بين المنزلتين، فلا هي تملك من الوسائل ما يمكنها من اقتناء سكن تختاره حسب رغبتها، ولا هي تتوفر على الشروط التي يعتمدها المعيار المحدد للاستفادة من السكن الاجتماعي. وبالتالي فهي تجد نفسها في كلتا الحالتين مقصية وضحية معايير وقوالب جاهزة بيروقراطية لا تأخذ في تقديراتها الأبعاد الجغرافية من حيث موقع وندرة العقار وقيمته كمحددات أساسية للأثمنة، كما لا تأخذ أيضا بعين الاعتبار نمط العيش في المدن الكبرى وما يستزفه من ضغط في الإنفاق يضعف من القدرة الشرائية ويقلص من هامش الادخار وتصنيف الفئات حسب الرواتب والأجور. والدليل هو أن الفئات التي يفترض فيها الاستجابة لمعيار السكن الاقتصادي تفر مضطرة إلى البحث عن السكن في المدن المجاورة يلائم قدراتها على الأداء، كمدن برشيد والدروة وحد السوالم بالنسبة لسكان الدار البيضاء وهو ما يفضح العطب المزمن للسياسة السكنية الممارسة منذ عقود، حيث ظلت المقاربة المتبعة للمسألة السكنية حبيسة النظرة الكلاسيكية التي تجعل من القضاء على أحياء الصفيح ومحاربة الهجرة القروية بمثابة حصان طروادة، دون معالجة حقيقية للقطاع والمشاكل التي يعرفها من تعدد المتدخلين وتمركز مفرط للقرارات وتعقيدات في المساطر وسوء توزيع للأدوار وضعف التواصل ونقص في التمويل. ووفق هذا السياق، تبدأ كل حكومة من الصفر دون تقييم لحصيلة أو تقويم لتراكم سابقاتها، وهذا ما يمكن استخلاصه من مخططات التنمية، منذ المخطط الأول 1960 - 1964 إلى مخطط المسار 1988 - 1992. واستمرت الأسطوانة المشروخة في الدوران إلى أن نبه الملك محمد السادس في خطاب العرش 30 يوليوز 2008 إلى ضرورة جعل الفئات الوسطى ركيزة المجتمع المتوازن، وكان ذلك بمثابة إزالة «الجلالة عن العيون»، ليلتفت الجميع إلى واقع الطبقة الوسطى. فسارعت حكومة عباس الفاسي آنذاك إلى إحداث لجنة خاصة يعهد لها بوضع سياسة تهدف إلى النهوض بأوضاع هذه الطبقة المنسية، واصطدمت هذه اللجنة منذ البداية بصعوبة تحديد مفهوم هذه الطبقة من حيث مستويات الدخل والانتماء الاجتماعي والمهني ونمط وظروف العيش، وهو ما دفع المندوبية السامية للتخطيط إلى التعجيل بإصدار دراسة علمية يوم 6 ماي 2009 تجيب عن الأسئلة المقلقة حول هذه الطبقة من حيث التعريف والمواصفات، وكانت تخريجة أحمد توفيق حجيرة وزير السكنى السابق بالإعلان عن الفيلات الاقتصادية. لكن عوض أن تعطي حكومة بنكيران الاهتمام اللازم والمتواصل لهذا التوجه الجديد بقي التعامل مع هذه الطبقة محتشما، حيث استمر التركيز على تكثيف برامج السكن الاجتماعي، وصدرت عدة دوريات عن وزارة الإسكان والتعمير: 4725 سنة 2011 حول نموذج اتفاقية امتيازات الممنوحة للمنعشين العقاريين في إطار السكن الاجتماعي. ودورية 4539 سنة 2011 التي تم إلغاؤها بالدورية 79750 في 05 يونيو 2012 حول تسويق وحدات السكن الاجتماعي. مع اختلاق معارك هامشية مع فيدرالية المنعشين العقاريين حول شروط الإنجاز والحوافز ومفهوم السكن الاقتصادي، وكأن الحكومة تطالب أحمد الحليمي بأن يكمل حسناته كي يضيف إلى دراسته بابا حول الفئات المستهدفة من السكن الاقتصادي تماما كما وقع لقوم موسى عندما تشابه عليهم البقر.

هذا الاحتشام سنلاحظه عند تخطيط السكن في قوانين مالية 2013 و2014، فقد أعلن نبيل بن عبد الله في قانون 2013 عن أن الوحدات السكنية المخصصة للطبقة الوسطى تتراوح بين 600 ألف درهم و800 ألف درهم على مساحة بين 100 و150 متر مربع، وكان ذلك متناقضا مع ما أعلن عنه نفس القانون في الرفع من أثمنة الصلب والإسمنت، وهو ما يقود إلى الارتفاع في أسعار العقار ويهدد القدرة الشرائية. كما أن المشروع الجديد يفتقر إلى حوافز ضريبية على غرار البرنامج الاجتماعي وجاء قانون 2014، ليكرس هذا التوجه المتناقض وذلك لتنصيصه على دفاتر تحملات تلزم المنعش العقاري باحترام عدة شروط بالنسبة للسكن الاقتصادي بأن تتراوح مساحة الوحدة السكنية بين 80 و120 متر مربع، والسعر بين 480 ألف و720 ألف درهم، كما حدد أيضا بالنسبة للمنعش المتعاقد مع الدولة يحدد الغرف ومساحاتها ونوعية المواد المستعملة في الإنجاز. وفي الوقت الذي أعلنت وزارة الإسكان عن إنجاز 200 ألف وحدة سكنية في أفق 2016 وعبأت من أجل هذا المشروع وعاء عقاريا من 3853 هكتارا وضع رهن تصرف مؤسسة العمران من أجل تهيئة وتجزئته والإعلان عن طلبات عروض مفتوحة لشركات عقارية وطنية ودولية، وفي الوقت الذي كان من اللازم أيضا على الدولة أن تواكب هذا الشروع السكنى المخصص للطبقة الوسطى بقاعدة النظام البنكي لاستفادة هذه الشريحة الاجتماعية من قروض السكن وبمعدلات فائدة منخفضة، وراهنت الدولة على انطلاقة المشروع على مؤسسات العمران التابعة لوزارة الإسكان والشركة العامة العقارية التابعة لصندوق الإيداع والتدبير عبر خلق إحداث أقطاب حضرية ومدن جديدة مثيرة للجدل، كتامسنا والخيايطة، أبدى المنعشون العقاريون الخواص تحفظاتهم تجاه الشروط والمعايير المعتمدة في السكن الاقتصادي، كما عبر رئيس جمعية حماية المستهلك عبد الرحمن الحموني عن تحفظاته هو الآخر، مشيرا إلى أن الأسعار تبقى مرتفعة، كما أن التخوف قائم في عدم احترام المنعشين العقاريين لدفتر التحملات، وهو ما يفضي إلى تقديم منتوج سيكون المستهلك فيه هو أكبر المتضررين. كما أن المنعشين عوض ما يطمئنهم ويعدهم به نبيل بن عبد الله من أرباح يلوحون بإشكالية الضرائب العقارية التي تلتهم بشكل كبير أرباحهم. والنتيجة إذن هي حصيلة ضعف فيها الطالب والمطلوب، فالاستثمار كبير فعلا ولكن في الكلام الذي يسوق الوهم.

 

خطاب الملك في ذكرى العرش 30 يوليوز 2008

(...الحرص على ضرورة أن يكون الهدف الاستراتيجي لكافة السياسيات العمومية هو توسيع الطبقة الوسطى لتشكل القاعدة العريضة وعماد الاستقرار والقوة المحركة للإنتاج والإبداع...)

 

في دراسة لمندوبية لحليمي

المشتل الخصب للطبقة المتوسطة

أنجز أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط في 05 ماي 2009 دراسة حول مواصفات الطبقة الوسطى في المغرب، حيث أوضحت أن الطبقة الوسطى تمثل 53 في المائة من مجموع السكان مقابل 34 في المائة للطبقات المتواضعة و13 في المائة بالنسبة إلى الطبقة الميسورة. إن الفئات السوسيومهنية ذات المستوى التكويني والتأهيلي المتوسط غدت مشتلا خصبا لتوسيع وعاء الطبقة الوسطى بالمغرب، بيد أن الفوارق التي تتسم بها مستويات دخلها وظروف معيشتها تساهم في عدم تجانس هذه الطبقة إذا ما تناولناها من ناحية مكوناتها السوسيو مهنية. وتشير الدراسة نفسها إلى أن هذه الطبقات تتوفر على 44 في المائة من دخل الأسر و39 في المائة من نفقات استهلاكها مثلما تتوفر كل أسرة في الشهر على دخل متوسط يعادل 4402 درهم في الوسط الحضري مقابل دخل متوسط يعادل 4219 درهما في الوسط القروي، فيما تصل مداخيل الطبقات الوسطى على مستوى الأجور إلى نسبة 44.5 في المائة في الوسط الحضري، و52.5 في المائة في الوسط القروي.

 

محمد إقبال الكتاني، المدير المنتدب الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين بالمغرب

هذه شروط نجاح السكن لفائدة الطبقة الوسطى

عبرت الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين دائما عن استعدادها لمواكبة وتفعيل سياسة الدولة في المجال السكني بصفة عامة. وقد أبدت رغبتها في الانخراط في البرنامج الجديد المتعلق بالسكن لفائدة الطبقة الوسطى، مع إبداء بعض الملاحظات في شأنه، معتبرين أن نجاحه مرتبط بتوفير بعض الشروط:

- فتح المجال للولوج إلى العقار العمومي الخام في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص معا.

- مراجعة المقتضيات التقنية التي جاء بها مشروع إنعاش السكن الاقتصادي، وذلك بالسماح باستغلال أكثر للعقار على مستوى البناء العمودي وزيادة في عدد الطوابق من أجل تقوية الكثافة والتخفيف من التحملات والأعباء العقارية التي لها تأثير كبير في الكلفة النهائية للمشاريع السكنية التي تدخل في هذا الإطار بالنظر لندرة العقار وغلائه، وخاصة بالمدن والحواضر الكبرى.

 

نبيلة المريني، مديرة الإنعاش العقاري بوزارة السكنى وسياسة المدينة

السكن الموجه للطبقة المتوسطة عرف مؤخرا دينامية ملموسة

+ ما هي التدابير المتخذة من طرف الوزارة لفائدة الطبقة الوسطى؟

- طبقا لتوجيهات البرنامج الحكومي الهادفة إلى خفض العجز السكني إلى ما يقارب 50 % بحلول عام 2016، من خلال تكثيف وتنويع العرض السكني، تم التوقيع على اتفاقية إطار بشأن إنجاز 20.000 وحدة سكنية موجهة للطبقة المتوسطة، بين وزارة السكنى وسياسة المدينة والفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين يوم 9 أبريل 2014 بمقر الوزارة. وقد تم ذلك تحت رئاسة السيد وزير السكنى وسياسة المدينة، بحضور رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين. وعلاوة على ذلك، فقد تمت الإشارة خلال هذا اللقاء إلى أن برنامج السكن الموجه للطبقة المتوسطة قد عرف مؤخرا دينامية ملموسة من خلال انضمام 22 منعشا عقاريا من أجل إنجاز ما يقرب 10.000 وحدة سكنية، منها 3680 وحدة كشطر أول تم التوقيع عليها بين الوزارة ومجموعة التهيئة العمران في ديسمبر 2013. ويندرج هذا البرنامج الجديد في إطار تنويع العرض السكني لتلبية طلبات جميع الشرائح الاجتماعية وتمكين الطبقة الوسطى من سكن يلائم قدراتها الشرائية ويناسب أيضا وضعيتها السوسيواقتصادية.

+ هل يمكنك تقديم معطيات حول البرنامج الجديد المخصص للطبقة الوسطى؟

- من حيث المعطيات حول البرنامج المذكور يمكن الإشارة إلى: - ثمن البيع للمتر المربع المبني لا يتجاوز 6000 درهم متر مربع. - المساحة المبنية تتراوح بين 80 و150 متر مربع. - إلى منتوج السكن الاقتصادي يستهدف الفئات التي لا يتعدى دخلها الشهري الصافي 20 ألف درهم، كما أن المستفيذ من هذا البرنامج عليه أن يستعمل الشقة التي اقتناها كسكن رئيسي له لمدة 4 سنوات ويتمتع بإعفاء من رسوم التسجيل والتنبر وكذلك من رسوم التحفيظ العقاري. أما على مستوى المنعشين العقاريين فيذكر بأن كل منعش عقاري يلتزم بإنجاز برنامج بناء على الأقل 150 وحدة سكنية في فترة 5 سنوات، وذلك في إطار اتفاقية يبرمها مع الدولة ووفق دفتر تحملات.

 

منعش عقاري في السكن المتوسط والفاخر بسطات (طلب عدم الكشف عن اسمه)

لا ينبغي أن يتم التهافت على الربح على حساب الجودة والسلامة 

«أعتقد أنه من الضروري في بداية الأمر رفع اللبس عن مفهوم السكن الاقتصادي، فهذا النوع من السكن هو مخصص للفئات المتوسطة ولا يراد به السكن الذي يتم فيه الاقتصاد في البناء والنقص من جودته، سواء من حيث مواد البناء أو طريقة استعمالها (الإسمنت والحديد والخرسانة والرمل...إلخ).. لهذا وجب التأكيد على أن تتم مراقبة الإنجاز والبناء، خاصة على مستوى الأشغال الكبرى سواء من طرف المصالح التقنية المحلية المختصة أو من طرف مكاتب الدراسات والمختبرات للتأكد من صلاحية مواد البناء ومدى احترامها للمواصفات التقنية المطلوبة، لأن مثل هذه الممارسات تخلق منافسة غير شريفة بين المقاولين والمنعشين العقاريين على حد سواء، فلا ينبغي أن يتم التهافت على الربح على حساب الجودة والسلامة».