لماذا ترفض الحكومة تعميم الحق في تعليم الموسيقى في المدارس؟

لماذا ترفض الحكومة تعميم الحق في تعليم الموسيقى في المدارس؟

على الرغم من أن كل المهتمين بالشأن التربوي يجمعون على أهمية مادة التربية الموسيقية في سُلم المنظومة التعليمية، سواء على مستوى تحصيل معدلات أفضل أو في البناء المتوازن لشخصية التلاميذ، إلا أنها مازالت تعاني من بعض الحيف بالقياس مع باقي المواد. إذ تظل حبيسة الأفكار التي تعتبرها مجرد مادة مكملة وترفيهية بلا مزايا أخرى، بل من المعتقدات ما تحتفظ بأحكام جاهزة تذهب إلى حدود اعتبارها مشوشا على مسار المتمدرسين. ومن أجل تسليط الضوء أكثر على واقع تعليم هذه المادة ببعض المؤسسات العمومية واستجلاء أدوارها مقابل ما يعترضها من إكراهات، التقت «الوطن الآن» بمجموعة ممن لهم اتصال مباشر بالموضوع سواء على صعيد التنسيق والتفتيش أو التدريس من أساتذة وتلاميذ..

 

إعداد: المهدي غزال

 

هدى البريدي، تلميذة بالسنة الأولى ثانوي، الرباط

لكل منا مواهب ومن واجب المدرسة اكتشافها قبل صقلها

تبقى للفنون بصفة عامة وبصرف النظر عن صنفها مكانة هامة في تكوين شخصية الإنسان، باعتبار أن أي شخص يستهويه فن ما بشكل فطري. لذلك فإن تدرسيها في المؤسسات أمر ضروري لكي يمارس التلاميذ الفن الذي يميلون إليه. فمن لا توجد له رغبة في الموسيقى مثلا، سيكون لديه حب للمسرح. وإن لم ينجذب لأي منهما سيكون له اهتمام بالرسم أو الرقص أو النحت أو غيرهم. المهم هو أن يتم ذلك الاكتشاف والعمل على تنميته بالطرق العلمية. والأجمل إن كان صقل الموهبة بالموازاة مع تحصيل دراسي جيد. مع العلم أن ليس النجاح في الحياة معناه النجاح في الدراسة، وكم من النجوم والعباقرة تفوقوا في حياتهم بفضل فنهم، وعرفناهم من خلال إبداعاتهم في مجالات تخصصهم نتيجة اختيارهم الصحيح، وكم من الطاقات أيضا ظلت في الظل دون أن نعلم عنها شيئا لأنها لم تجد من يوجهها ويبرز تميزها. وعليه، فدور المدرسة كبير جدا في هذا الشأن. كما لا يجب إغفال دور الأمهات والآباء كذلك، لأنه ولو أنني لا أعاني أي مشكل مع والدي ولله الحمد، إنما أعرف الكثير من صديقاتي يصادفن صعوبات من طرف أولياء أمورهن وأقربائهن أحيانا. هي في حقيقة الأمر مسألة عقليات وأفكار نتمنى أن تتغير وتُزال معها الضغوطات، ويعرفون بأن أي مادة فنية لا تختلف عن باقي المواد بل تساهم في الحصول على معدلات دراسية عالية، والتي يرغبها كل الأمهات والآباء لجميع أبنائهم.

 

جمال همراس، أستاذ التربية الموسيقية، المحمدية

التربية الموسيقية تساهم في محاربة الهدر المدرسي

من خلال تجربتي يمكن أن أؤكد أن مادة التربية الموسيقية تبقى من أبرز المواد المحبوبة لدى التلاميذ، لأنها بمثابة ذلك المنفذ الذي يخففون به على أنفسهم من ضغط باقي المواد المعمقة. وهذا الترويح هو الذي يمنحهم طاقة جديدة للاجتهاد أكثر، بل حتى أنه ثبت مساهمة هذه المادة في محاربة الهدر المدرسي، وشخصيا لاحظت تحسنا كبيرا في سلوك الكثير من التلاميذ المشاغبين، والذين بعد أن أدمجتهم في حصص الأنشطة الموازية وفتحت أمامهم فرص زيارة مدارس أخرى ومهرجانات وطنية اكتسبوا ثقة ونضجا أكبر في توازن شخصياتهم أثر إيجابا حتى على تعاملاتهم خارج المؤسسة بشهادة أولياء أمورهم. وعلى ذكر الآباء والأمهات فإنه لا يمكن إنكار الفكرة المغلوطة التي كانت لدى بعضهم عن تدريس المادة، غير أنه وبمجرد أن لمسوا دورها في تطور مستوى أبنائهم والقدرة الذي أصبحت لديهم في الاندماج والتواصل واقتراح الآراء، وكذا رؤيتهم لفلذات أكبادهم أعضاء فعالة داخل المؤسسة اقتنعوا بتلك الأهمية. وعلى هذا الأساس، تزداد الرغبة يوما بعد يوم في تعميم المادة بجميع الثانويات التأهيلية والإعداديات حتى يستفيد جميع التلاميذ المغاربة من دروسها. والملاحظ أنه كانت بالفعل خطة في هذا الاتجاه مع الوزير عبد الله ساعف الذي أبدى اهتماما كبيرا بالتربية الموسيقية من خلال تخصيص 200 منصب للأساتذة، إلا أنه ومع توالي الحكومات توالى اختلاف التصورات والرؤى التي أعطت في مجملها الأهمية لمواد أخرى على حساب مادة التربية الموسيقية. أما في ما يخص باقي الحواجز المعترضة فيمكن ذكر عامل الآلات الذي يقف غالبا في وجه الأساتذة ومع ذلك يتم تحديه بتضافر جهود هؤلاء والمدير والنيابة. لهذا، لابد من اتخاذ المبادرة وعدم انتظار مِنح الحلول التي من الممكن أن تأتي أو لا تأتي.

 

صفاء عزاوي، مفتشة تربوية مكلفة بالتنسيق الجهوي لمادة التربية الموسيقية بجهة الدار البيضاء الكبرى

أملي أن تفتح الكليات إجازة للموسيقى

+ كيف هو حال تدريس مادة التربية الموسيقية في وسطنا التعليمي؟

- عموما، يمكن القول إنه بخير. ويكفي التذكير بأن تدريس مادة التربية الموسيقية أثبت نجاعته في تحقيق مجموعة من الأهداف، باعتبارها مادة فنية تسعى إلى الرقي بذوق المتعلم والسمو به إلى امتلاك الحس الذي يحصنه من ألا يسمع أي شيء، مع تنمية خبراته الموسيقية بانفتاحه على ثقافات وحضارات عالمية أخرى. هذا فضلا عن الاهتمام بالطاقات وصقل مواهبها، وكذا الاعتناء بالانتماء الوطني عبر تحميس التلاميذ وزرع روح المواطنة والهوية المغربية والحضارية بداخلهم. وكل هذا نتج حصيلة التطور الذي صاحب تدريسها، حيث صدر في سنة 2009 منهاج جديد أدخل تعديلات جوهرية على سابقه بإدراجه لأربعة مكونات. يتعلق الأول بمكون الغناء والإنشاد التربوي، والثاني بمكون الاستماع والتذوق الموسيقي، والثالث بالممارسة الإيقاعية والآلية، في ما يرتبط الرابع بمكون الإبداع والابتكار. هي إذن كلها مكونات جديدة يتم التعامل معها بكيفية محبوكة من طرف الأستاذ خلال الحصة، وأعطت إشعاعا كبيرا بدت بعض ملامحه في استدعاء الكثير من البرامج التلفزية لأساتذة ومفتشين للتربية الموسيقية مثل «شذى الألحان» أو روبورتاجات ولقاءات ومهرجانات. الأمر الذي ساهم في انفتاح المؤسسة على المجتمع ككل. ومن جهة أخرى، تتميز هذه المادة بانعقاد المهرجان الوطني للمجموعات الموسيقية الذي تأسس منذ أيام السيدة لطيفة العابدة، وتشارك فيه جميع جهات المملكة بعد الإقصائيات الإقليمية والجهوية، ليتم في الختام تتويج المؤسسات الفائزة وتحفيز تلامذتها. وهو في الوقت نفسه فرصة لالتقاء الأساتذة من كافة ربوع المملكة من أجل تبادل الأفكار والتجارب والتكاوين وتأطير الندوات.

+ ماذا عن الإكراهات التي تواجه هذه المادة؟

- الإكراهات التي تواجه مادة التربية الموسيقية ببلادنا يمكن أن أضع على رأس قائمتها مشكل قلة الموارد البشرية، وهو مشكل عمَّق من تأثيره توقف تكوين الأساتذة منذ السنة الماضية. إذ لم تعد هناك مصادر لتغذية هذه القاعدة. وهذا خطير، فبإهمالنا للتعليم الفني نهمل مكونا أساسيا من مكونات الشخصية المتوازنة المنصوص عليها في الدستور والميثاق الوطني للتربية والتكوين لسنة 1999.

+ ربما تنفرد مادة التربية الموسيقية عن باقي المواد بإدخالها من قبل البعض في خانة المحرمات. ألا يطرح هذا الاعتقاد تشويشا على أجواء تدريسها؟

- الموضوع مطروح، ولذلك يبرمج في أول حصة للأستاذ مع تلامذته. وهنا يوضح بأن المسألة مثل الكأس الذي من الممكن أن يملأ بمشروب حلال أو حرام. بمعنى يبقى مجال التوظيف هو المحدد، وكما يمكن أن يسخر في أمور غير سوية من الممكن أن تكون له رسائل نبيلة في التربية وحب الوطن والسلام والتآخي والتسامح. وفي كل الأحوال يبقى دور الأستاذ كبير في تنوير عقول التلاميذ ومن خلالهم عقول آبائهم وذويهم. ولنا ولله الحمد أساتذة بكفاءات عالية ويقومون بهذا العمل على أكمل وجه، ومثلوا البلد في لقاءات دولية أحسن تمثيل.

+ متى سنرى تعميم هذه المادة في المغرب؟

- أعود وأقول إن هذا الأمل رهين بالموارد البشرية وتكوين الأساتذة الذي تحدثت عنه في البداية. لأنه وكما يعلم الجميع لابد من الحصول على الإجازة للتدريس. في حين من المؤسف أننا نفتقر للتكوين على هذا المستوى بالجامعات على عكس بلدان أخرى كتونس ومصر التي تتوفر على كليات للتربية الموسيقية. وتجاوزا لهذا العائق نقوم بتحركات متواصلة بتقديم مراسلات للجهات المعنية حتى يصير لنا تكوين عال في التربية الموسيقية. ونتمنى أن تجد تلك النداءات آذانا صاغية.