لماذا تطالب النقابات بحذف الفصل 228 من القانون الجنائي؟

لماذا تطالب النقابات بحذف الفصل 228 من القانون الجنائي؟

هل يعتبر تطبيق الفصل 288 من القانون الجنائي، ومتابعة الأجراء قضائيا تحت مقتضياته، «شططا» قانونيا يتعارض وروح الدستور، ومضامين المدونة، والمواثيق الدولية؟ لماذا تطالب النقابات بحذفه والتشطيب عليه نهائيا في العلاقة الشغلية بين مختلف فرقاء الإنتاج...

 

إعداد: عبد الواحد الحطابي

 

هل يمكن القول إن هذا الفصل (288) يعيش الفترات الأخيرة من عمره بعد أن دخل مفكرة تنسيقية الثلاثية: الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل، وطرحته كمطلب أساسي على حكومة بنكيران في إطار المذكرة المشتركة التي رفعتها إلى رئاسة الحكومة يوم 11 فبراير 2014، وحملته كشعار قوي مسيرة الأحد 6 أبريل 2014 الاحتجاجية التي نظمتها النقابات نفسها؟ أم أنه سيصمد كما صمد أمام الدساتير الوطنية التي لم تنل منه منذ دستور1962، أمام هذه الهجمة العدائية والعدوانية غير المسبوقة التي تستهدفه من قبل «خصومه» التاريخيين، ويرى من جانبه (الفصل) أنه قادر على البقاء طالما أن عبدالإله بنكيران يتفهم من خلال علاقته الجديدة مع مريم بنصالح رئيسة أرباب العمل، وكذا حزام الصمت الذي يحيطه به وزيره في العدل والحريات والحقوقي السابق، ضرورة وأهمية «وجوده» في الساحة «الاجتماعية»؟ التصريحات التي أدلى بها مؤخرا لـ «الوطن الآن» الميلودي المخارق الكاتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل، وعبدالقادر الزاير نائب الكاتب العام لـ «ك.د.ش»، وعبد الرحمان العزوزي الكاتب العام لـ «ف.د.ش»، تفيد جميعها أن إعمال مقتضيات الفصل 288 الذي يتفقون على توصيفه بـ «الفصل المشؤوم»، يحمل لما هو مترتب عن إجراءاته القضائية من متابعات، واعتقال وحبس وغرامات مالية، وفصل من العمل في حق النقابيين ومناديب العمال والمنضويين تحت لواء النقابات، تهديدا مباشرا لممارسة النقابة لدورها الدستوري، كفاعل اجتماعي تنظيمي يروم تحصين وحماية حقوقهم الاجتماعية بشقيها المادي والأدبي التي تتعرض -حسب قولهم- للانتهاك والتجاوز والترامي كما تكشف عن ذلك، واقع حركة الشغل، سواء من قبل تقارير وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، أو النقابية، والمنظمات الحقوقية والجمعوية. الأسباب التي تدفع النقابات إلى المطالبة بـ «إلغاء» الفصل، لأنه تحديدا، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين، وبغرامة من 2000 إلى 5000 درهم، أو إحدى هاتين العقوبتين فقط، من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه، أو حاول ذلك مستعملا الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضها، أو الإضرار بحرية الصناعة والعمل. وإذا كان العنف أو الإيذاء أو التهديد أو التدليس قد ارتكب بناء على خطة متواطئ عليها، جاز الحكم على مرتكب الجريمة بالمنع من الإقامة من سنتين إلى خمس سنوات. النقابات، تقرأ مقتضيات الفصل 288 بـمحاولة تجريدها من قبل المشرع (= الدولة) والباطرونا، من أكبر أسلحتها الدفاعية والهجومية في مواجهة خصومها، لأنه يضرب في تقديرها ثلاثة ثوابت يتأسس عليها الوجود النقابي، تتمثل في: احترام الحريات النقابية؛ حق الانتماء النقابي؛ الحق في الاضراب. في حين ترى أن مقتضيات مدونة الشغل، التي قادت إلى تعاقد جديد لكافة أطراف العلاقية الشغلية سنة 2004، تؤسس باحترام وتنفيذ مقتضيات مضامينها من قبل المشغل، أحد المفاتيح الرئيسية لإرساء نوع من السلم الاجتماعي الذي يشكل لدى الجميع (نقابات، أرباب عمل، وحكومة) مسعى ومطمحا حقيقيا لتحديث وتطوير وضمان تنافسية حقيقية للمقاولة، وتلعب بالموازاة مع ذلك، دورها كرافعة في التنمية المحلية والوطنية على درجة سواء. مرجعية النقابات في الدعوة إلى «حذف» الفصل (288) ويتم التأسيس لها انطلاقا من قراءة عامة في مواقف النقابات في بعده السياسي والاجتماعي الذي دخلت في سياقه بلادنا. وهو موقف، غير معزول بالطبع، عن المتغير الجيو سياسي الإقليمي والدولي. ويمكن طرح المرجعية كالتالي:

1) الخطاب الملكي الشهير لـ 9 مارس، لأنه يعتبر مرجعا ثابتا في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وإرساء قواعد الديمقراطية، والمفهوم الجديد للسلطة؛

2) دستور 2011 الذي يشكل خطوة متقدمة مقارنة مع الدساتير السابقة في إرساء دولة الحق والقانون؛

3) انخراط المغرب القوي في العائلة الحقوقية الدولية؛

4) توقيع عدد من المركزيات مع الباطرونا لميثاق اجتماعي.

 

القاضية رشيدة أحفوض

متى كان للأجراء قصد جنائي؟

كان يجب، في رأيي، حذف العقوبة الحبسية والمنع من الإقامة خصوصا وأننا كمواطنين مواجهين بقاعدة «لا يعذر أحد بجهله القانون». في غالب الأحيان يكون النقابيون عرضة للمتابعة بمقتضيات الفصل 288 من القانون الجنائي، والحال أن العمال لم يكن لديهم القصد الجنائي، وإنما القصد كان دائما هو الحفاظ على عملهم وقوتهم اليومي ومركز عملهم. بالنسبة للقضاء الاجتماعي الذي أشتغل في مجاله لأزيد من عقدين، أقول إن ملفات منازعات الشغل المحالين على المحاكم بسبب ارتكاب الأجير لخطأ جسيم والمتمثل في عرقلة حرية العمل، ليست كثيرة، بل إنها قليلة العدد. وعلى المشغل، الذي يتابع العمال بعرقلة حرية العمل، إثبات هذا الخطأ الجسيم المنصوص عليه في المادة 39 من مدونة الشغل، بكافة وسائل الإثبات، من شهادة الشهود ومحاضر معاينة أحكام جنحية قاضية بإدانة العمال من أجل عرقلة حرية العمل ومحاضر للضابطة القضائية، إلخ... ويبدو أن المشرع في إطار مدونة الشغل أعطى نوعا من الحماية للأجراء، إذ لا يمكن فصلهم عن العمل بمجرد ارتكابهم لما يعرف بالأخطاء الجسيمة، وإنما على المشغل في هذه الحالة احترام مسطرة الفصل المنصوص عليها في المواد 62، 63، 64، و65 من مدونة الشغل. كقاضي اجتماعي، وكمحكمة اجتماعية حتى ولو كان الأجراء أو العمال مرتكبين لجريمة عرقلة حرية العمل، وأدينوا من أجل ذلك، بحبس أو غرامة أو هما معا، ولم يحترم المشغل هذه المسطرة المنصوص عليها في مدونة الشغل، نكون أمام طرد تعسفي للأجراء من عملهم. وهذا ما سارت عليه اجتهادات جميع المحاكم وعلى رأسها محكمة النقض.

 

عبد الله رحمون، عضو المكتب التنفيذي (ك.د.ش)، كاتب الاتحاد المحلي بأكادير

قضاء أكادير شرد أسر عديدة بالفصل المشؤوم

حكايتنا، كنقابيين مع الفصل 288 من القانون الجنائي، تعود في بدايتها إلى 2001، حيث وجهت لي، بعد طبخ شركة «أكادير محيط لتصدير السمك» ملف متابعة، استدعاء من قبل الضابطة القضائية باعتباري محرضا على عرقلة حرية العمل. وفي سنة 2009، وجهت نفس التهمة لإخواننا العاملين في شركة «سوبروفيل شتوكا آيت بَها» الفلاحية، وأصدرت المحكمة حكما ظالما وقاسيا في حق 5 إخوان لنا، بالسجن النافذ لمدد تراوحت بين شهر وشهرين، وتم فصلهم من العمل. وفي دجنبر من السنة الماضية، وأوائل يناير من هذه السنة (2014) وجهت لنا من قبل النيابة العامة، استنادا إلى تقارير مخدومة من قبل «شركة أفيرو المغرب» و«سوديماك» لتصدير السمك، وقضت المحكمة بالسجن في حق إحدى أخواتنا العاملات بالحبس شهرا نافذا، وشهرين نافذين في حق اثنين من إخواننا ضحايا الفصل 288، في حين حكمت على 6 آخرين بـ 6 أشهر موقوفة التنفيذ.

 

د. عبد العزيز لعتيقي، أستاذ جامعي خبير في قانون الشغل

حالة نشاز

إن الفصل 288 من القانون الجنائي يشكل، حقيقة، نشازا في منظومة حقوق الإنسان. كان من المنتظر أن يتم إلغاؤه بمجرد إقرار حق الإضراب في دستور 1962، لأن وجوده شكل طعنا وخرقا صريحا لممارسة حق الإضراب. ذلك أنه يتضمن تشديد العقوبة في حالة ارتكاب العنف بسبب ممارسة حق الإضراب، ليس لسببٍ إلا أن من مارسه أحد الأجراء. وبالتالي، فحتى إن قارناه مع الفصول القانونية الأخرى في القانون الجنائي، فإننا سنجد أن العقوبات التي ينص عليها الفصل 288 أشد من العقوبات التي ينص عليها الفصل 400 وما يليه فيما يخص ممارسة العنف بشكل عادي. بمعنى، أن عرقلة حرية العمل، كما يقول الفصل 288 من القانون الجنائي، إذا مارسها الأجير، والفرضية هنا أنه بسبب ممارسته حق الإضراب، فإن العقوبة التي تقع عليه تطاله أشد من العقوبات التي تمس الأشخاص العاديين. هذا دون أن نتحدث عن كيفية إثبات عرقلة حرية العمل بممارسة العنف كما يتحدث عن ذلك الفصل 288. أكثر من ذلك، فإن مدونة الشغل الحالية تنص على أن عرقلة حرية العمل يجب أن يتم إثباتها عن طريق محضر يحرره مفتش الشغل، وهذا هو وجه التناقض الحالي الذي يستوجب بناء عليه، إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي.

 

عمر أبوهو، عضو المجلس الوطني لـ «كدش» كاتب الاتحاد المحلي بورزازات

هذا الفصل جريمة كبرى في حق العمال

نعتبر كمسؤولين نقابيين أن متابعتنا بموجب الفصل 288 من القانون الجنائي جريمة كبرى ترتكب في حق الطبقة العاملة. وأعطيك هنا ثلاثة أمثلة تجري تفاصيل بعضها عندنا في ورزازات اليوم. المثال الأول، ويخص عمال منجم بوارزازات حيث يتابع ثمانية عمال بعد استئناف النيابة العامة على حكم ابتدائي قضى ببراءتهم من المنسوب إليهم، وهم اليوم عرضة للحبس والغرامة والفصل عن العمل، هذا بعد أن أقدمت الإدارة، من جانب آخر، على طرد عدد من العمال بسبب تنفيذهم ضمن حوالي 400 عاملا إضرابا واحتجاجا جماعيا. المثال الثاني، ومسرح أحداثه دار الضيف (فندق) حيث يتابع قضائيا 11 عاملا تحت طائلة الفصل 288، مع اتهامهم بإلحاق خسائر بملك الغير، والضرب والجرح، من بينهم عضوان بالاتحاد المحلي لـ «ك.د.ش»، وسيتم النطق في ملف قضيتهم في جلسة 10 أبريل 2014. المثال الثالث، هو متابعة 6 عمال بمؤسسة «وركاز» التابعة لشركة «طوطال» بتهم عرقلة حرية العمل، والتحريض والتخريب وكل ما يدخل أو لا يدخل في جرائم الفصل 288. وكانت الإدارة قد طردتهم من العمل. والمحكمة أصدرت في حقهم كحكم ابتدائي 4 أشهر نافذة، وغرامة تتراوح بين 10 آلاف و40 ألف درهم. ومن جانبنا استأنفنا الحكم، وقد يكون الحكم قد صدر في جلسة الاثنين 7 أبريل 2014 وذلك في حال عدم تأجيل الجلسة.