في أفق الدور التنموي للجبايات المحلية

في أفق الدور التنموي للجبايات المحلية

 

تشكل الموارد المالية حجر الزاوية في نظام اللامركزية، وتعد الأداة الجبائية من الموارد الرئيسية لتغذية الميزانية العامة، و ميزانيات الجماعات الترابية. واستعمل دستور 2011 لأول مرة كلمة الضريبة (النظام الضريبي، ووعاء الضرائب، ومقدارها وطرق تحصيلها).

 

أحمد حضراني

 

نص الفصل العاشر من الدستور الجديد لتونس على أن أداء الضرائب هو واجب وفق نظام عادل ومنصف، وتضع الدولة الآليات لمحاربة التهرب والغش الجبائيين. وإذا كانت هناك كراهية للضريبة، ففي المقابل فهي تدليل على المواطنة الحقة، وبرهان عن الحس المدني، والمحك الحقيقي لتحمل المسؤولية.

- أولا: الكائن الجبائي: محاولة في التشخيص تؤطر الجبايات المحلية بموجب القانون رقم 06-47، الذي حذف ثمانية رسوم كان منصوصا عليها ضمن قانون رقم 89-30، واحتفظ ب 17 رسما معدلا، وترك 13 رسما مطبقا بصورة انتقالية ضمن القانون رقم 07-39. وهاته الجبائية تكرس الفوارق الجبائية بين الجماعات المحلية (الترابية)، وتفاوت درجات الاستفادة منها، في ظل إعفاءات واسعة وسخية، كعدم خضوع عقارات جامعة الأخوين والعصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب والشرايين، ومؤسسة الشيخ زايد بن سلطان للرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية التي حبلت ب 22 إعفاء (المادة 41)، أو الرسم على عمليات البناء (22 إعفاء) (المادة 52)، إضافة إلى إعفاء المنعشين العقاريين في مادة السكن الاجتماعي من كل الرسوم المحلية والضرائب الدولتية. وفي ذلك محاباة لهذه الفئة، وبالتالي ترحيل العبء الجبائي إلى فئات اجتماعية أخرى. وهذا يشكل في حد ذاته مسا بمبدأ الإنصاف والعدالة الجبائية، كما يخالف منطق الأشياء. إذ أن التشريعات العادلة هي الأكثر مردودية وإنتاجية، وهي التي تدفع الملزمين للإقدام على واجباتهم الجبائية. وتبقى الجهة الخاسر الأكبر في هذا التوزيع اللامتوازن. فضعف مساهمة الموارد الجبائية الذاتية في تغذية الميزانية، يعود إلى كونها مرتبطة بخدمات وأنشطة ثانوية لا تساعد على تحقيق مردودية كبيرة، ومن تبعيتها إزاء الضرائب التركيبية وتوقعات ظرفيتها السنوية، ويفاقم من ذلك هزالة البناء الجبائي، ومركزة ضرائبه حول نفس العائلة الجبائية (المقالع، الخدمات الجماعية، التأمين...). ويضاف إلى ذلك غياب جباية بيئية تدخلية للحد من الصناعات الملوثة، وغياب جباية عقارية تدخلية للقضاء على المضاربة العقارية، ناهيك عن ضعف التحصيل الجبائي، وظاهرة الباقي استخلاصه.

- ثانيا: الممكن الجبائي والمواءمة مع الدستور تجب الإشارة بداية إلى ضرورة مواءمة النظام الجبائي مع الدستور الجديد من خلال إصدار القانون التنظيمي تبعا لمقتضيات الفصل 146، يشمل الجوانب المالية: النظام المالي ومصدر الموارد المالية للجهات والجماعات الترابية الأخرى، وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات، إضافة لعناصر أخرى. والملاحظ أن مقتضيات الفصل 146 تؤسس لمدونة للجماعات الترابية، والتي جوفها القانون التنظيمي رقم 11 ـ 59، المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، وكذا إدراج مشروع قانون يقضي بمراجعة الجبايات المحلية ضمن المخطط التشريعي كتشريع عادي، في حين أنها من مشمولات القانون التنظيمي السالف الذكر، والمطالب بإعادة النظر في النظام الجبائي المحلي في اتجاه ضمان أكبر سبل الفعالية والمردودية والنجاعة والإنصاف، وليتلائم مع ميزانية الغد (الإستراتيجية) من خلال الربط بينها وبين المخطط والبرمجة المتعددة السنوات، مع فرض ضريبة على المساكن الفارغة، وتضريب القطاع غير المهيكل، وإقرار رسوم مخصصة للمجال الأخضر والبيئة... كما يمكن فرض رسوم جديدة على المطارات والمحطات السككية، والأقطاب المالية والتجارية الكبرى، والرفع من حصص الضرائب الدولتية لفائدة الجماعات الترابية... هذا على مستوى الجباية كبناء، أما كعلاقة فينبغي تحسين آليات التحصيل الجبائي ووضع آليات للتعاقد الجبائي، والقيام بحملات تحسيسية والتوعية بأهمية الضريبة ودورها في التعاضد الاجتماعي، وتلقينها للنشء، وخلق حوار جبائي مع إقرار ميثاق للملزم يحدد حقوقه وواجباته، دون إغفال تخليق الإدارة الجبائية ووضع آليات تشاركية للحوار والتشاور تفعيلا لأحكام الفصل 139من الدستور، مع إيلاء العناية الكاملة للمصالح الجبائية، بتمكينها بالوسائل الضرورية واللوجيستيكية الكافية، وتحفيزها وإقرار مخطط للتكوين بذلك. وفي المجمل فإن المشكل لا ينحصر في عدم كفاءة النص القانوني، بل يتعداه إلى ما هو سوسيولوجي وسيكولوجي يرتبط أساسا بالوعي الجماعي وبالإرادة السياسية وتوفير الموارد البشرية والمادية لإضفاء الروح على النص التشريعي. 

 

(أستاذ جامعي)