وتستمر الإهانة: فرنسا "تمرمد" الوزير مزوار في مطار باريز!

وتستمر الإهانة: فرنسا "تمرمد" الوزير مزوار في مطار باريز!

حين كان وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار بلاهاي (24 و25 مارس 2014) يجري الأحاديث مع نظرائه في العالم ضمن مؤتمر القمة الثالثة للأمن النووي، لم يكن يعلم أنه أثناء الرجوع عبر باريس سيعيش على المستوى الشخصي والعمومي واحدا من مشاهد الإهانة المرة بعد إصرار أمن مطار شارل دوغول على إخضاعه لإجراء التفتيش، مع ما يرافق ذلك من نزع الحذاء والحزام والهواتف، في خرق سافر للأعراف والمواثيق التي تضبط تنقلات الدبلوماسيين (حسبما نقلته الزميلة «الصباح»).

 

أحمد لفضالي

 

الأمر الذي زاد من تأزيم العلاقة المغربية الفرنسية التي تعرف، منذ فبراير الماضي، توترا غير مسبوق بين البلدين. حدث ذلك يوم الأربعاء 26 مارس، أي بعد أربعة وعشرين ساعة فقط على إقدام السلطات المغربية على رفع دعوى قضائية ضد الأطراف التي كانت وراء تحريك مسطرة المتابعة في حق المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني «الديستي» عبد اللطيف الحموشي: المغربيان اللذان كانا محكومين في ملفات العنف والاتجار بالمخدرات، والجمعية الشبح (العمل المسيحي لمناهضة التعذيب) التي تبنت «زعم» خضوع هذين المغربيين للتعذيب خلال فترة الاعتقال. ومعلوم أن تحريك تلك المسطرة كانت وراء التفاعلات التي بلغت ذروتها مع قرار المغرب بتعليق اتفاقيات التعاون القضائي مع فرنسا.  

وفيما كان المتتبعون يعتقدون بأن اعتذار فرنسا في تلك القضية، والاتصال الذي جرى بين قائدي البلدين قد يهدئان من حدة التجاذبات لفائدة عودة العلاقات إلى طبيعتها، إذا بحادث مطار شارل دوغول يعيد الأمر إلى نقطة الصفر. وتماما كما حدث في القضية الأولى، فقد بادرت فرنسا إلى الاعتذار، يوم الجمعة 28 مارس، عن طريق الناطق باسم الخارجية الفرنسية الذي أشار إلى أن «لوران فابيوس اتصل بنظيره المغربي كي ينقل إليه اعتذار السلطات الفرنسية عن الإزعاج الذي تعرض له لدى عبوره مطار شارل دوغول». مضيفا أن «الوزير طلب في الحال من الأجهزة المعنية في وزارة الداخلية ومطارات باريس أن تتخذ كل الإجراءات اللازمة في المطارات الفرنسية حسب القواعد والأصول الدبلوماسية المطبقة على وزراء الخارجية، كما على رؤساء الدول والحكومات».

يعطي هذا السلوك الانطباع بأن ما جرى أمام بيت السفير المغربي في فبراير الماضي، وما جرى بخصوص حادثة المطار لم يكن بعلم السلطات الفرنسية العليا! وهذا ما يطرح السؤال حول جدية هذا السلوك، إذ لا يعقل أن تقترف دولة كبرى هذه «الزلات» دون أن يكون هناك أمر مدبر بمثل هذه الوقاحة. مثلما لا يعقل أن يكون المغرب وحده ضحية لهذه الزلات في مدة لا تزيد عن الشهرين، الأمر الذي يؤكد أن هناك خللا ما في العلاقة، قد يمكن توصيفه بوجود نزوع انتقامي، خاصة أن هناك من يذهب إلى اعتبار أن ردة الفعل الأولى للمغرب بخصوص موضوع اتهام مدير «الديستي» كانت قد أزعجت فرنسا التي لم تكن تتصور أن يكون لبلادنا كل هذا الموقف الحازم الذي بلغ أوجه مع قرار توقيف اتفاقيات التعاون القضائي. كما أن هناك من يعتبر أن السلوك الفرنسي الأخير تجاه المغرب يجد مفسراته في النجاح النسبي للدبلوماسية المغربية الخارجية، خاصة ما يتعلق بالجولة الملكية الأخيرة في بلدان الغرب الإفريقي التي مكنت المغرب من استعادة دوره في القارة، وتأكيد زاوية التعامل مع الشأن الإفريقي من موقع الشراكة والبناء والتنمية، لا من موقع الاعتبارات الزبونية والمصلحية الضيقة. مهما يكن، فالمؤكد أن الخلل قائم في مكان ما، مع تسجيل ملاحظة ثانية تفيد بأن المغرب لم يكن له هذه المرة موقف بنفس الحدة التي طبعت ردود فعله في الملف الأول.

فباستثناء قيامه باستدعاء السفير الفرنسي بالرباط، حافظ المغرب على «رباطة جأشه»، خاصة أن هناك من يطرح، من الناحية الموضوعية، احتمال أن يكون ما حدث يعود إلى تقصير بروتوكولي مغربي، مرتبط بإعداد ترتيبات وزير الخارجية المغربية، وبضرورة نهج مسطرة روتينية في إبلاغ السلطات المختصة في المطار في الوقت المطلوب. الأمر الذي نتج عنه خطأ قد يكون استغله موظفون في المطار عن سوء تقدير، أو تعبيرا منهم عن التزام صارم بتطبيق القانون! لكن مع افتراض وجود الخطأ، كانت اللياقة تفترض من الجانب الفرنسي أن يطوق المشكل في المطار، بما يحافظ على كرامة المغاربة، وعلى سيادتنا، وطبيعة علاقتنا الخاصة مع الفرنسيين تاريخا وثقافة ومصالح. أما اليوم فكل شيء معلق في انتظار نتائج التحقيق على الضفتين.