المصطفى الشامي: المسؤولون حولوا المدارس العليا إلى شباك بنكي لضخ الملايير

المصطفى الشامي: المسؤولون حولوا المدارس العليا إلى شباك بنكي لضخ الملايير

لم يخف المصطفى الشامي، عضو مجلس المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بسطات، ورئيس شعبة المالية والتدقيق والمحاسبة، اتهامه للمسؤولين المحليين باعتبارهم لا ينظرون إلى المؤسسات الوطنية العليا كاستوديوهات يلمعون فيها وجوها كالحة من خلال «فلكرة» المؤسسة وغوغائيتها. مضيفا بأنها أصبحت مع فتح أبواب التكوين المستمر المؤدى عنه قبلة مفضلة لقناصي الريع والشهرة الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. وأقر الشامي في هذا الحوار بأن مؤشرات التضارب في المهام والعشوائية والضبابية تظل سيدة الموقف، بعد أن تم إسناد تدبير الكثير من هذه المؤسسات إلى من لا يفقه في التدبير لا علما ولا عملا. كما اعترف بأنه ورغم المقاومة الشرسة لبعض الغيورين، فإنه يبقى من الصعب جدا الدفاع على قلعة نظيفة وسط محيط هادر بالفساد والإفساد..

 

حاوره: المهدي غزال

 

+ كيف ترى واقع المدارس العليا عموما بالمغرب. ثم تقييمك لمستوى التسيير بالمدارس الوطنية للتجارة والتدبير على وجه الخصوص باعتبارها مدارس تضم النخبة؟

- للإجابة عن هذا السؤال علينا أولا اجتناب التعميم. فالمدارس العليا في المغرب شعوب وقبائل، فهي تنتمي إلى وزارات وقطاعات مختلفة، كما أن سيرورتها ومسوغات إنشائها وأهدافها مختلفة، وهذا يحول دون رسم سياسة موحدة وأهداف استراتيجية واضحة المعالم بالنسبة لكل المدارس العليا في المغرب. فكل الوزارات تقريبا لها ذراع في التكوين ولا يقتصر الأمر فقط على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر. بناء على ما سبق، يصعب الحكم جملة على كل المعاهد العليا استنادا إلى معايير موحدة ومرجعيات مشتركة. أما في ما يخص المدارس العليا للتجارة والتسيير، ومنها المؤسسة التي أتشرف بالانتماء إليها منذ إنشائها سنة 1994، والتي كما أشرت في سؤالك، تستقطب كفاءات طلابية استثنائية، فتجدر الإشارة إلى أن إنشاءها جاء محاكاة للتجربة الفرنسية وبتعاون مع الفرنسيين في منتصف تسعينيات القرن الماضي وذلك من أجل كسر الجمود والشيخوخة في المبادرة والمسايرة والمواكبة التي كانت تطبع كليات العلوم القانونية واقتصادية والاجتماعية التي كانت آنذاك تكاد تحتكر التكوين في مجال التدبير والإقتصاد. لقد كانت تجربة إنشاء المدارس الوطنية للتجارة والتسيير، وبالأخص الثلاث الأولى: سطات، أكادير وطنجة، رائدة. فقد خرجت أطرا من العيار الثقيل في مجال تخصصها بفضل الرعيل الأول من الأساتذة وبمساهمة جامعات أجنبية والفضل يعود كذلك إلى تفاني المسؤولين والإداريين الأوائل، وكذلك الطلبة الذين كان يتم انتقاؤهم من طينة عالية الجودة. لكن نجاح المدارس الثلاث الأولى دفع إلى عملية تفريخ لمثيلاتها في مدن أخرى إلى أن وصل عددها اليوم إلى تسع، تمنح نفس الشهادة لكن ليس نفس التكوين ولا تستقطب الطلاب من نفس المستوى لأن مساراتها وطرقها وإمكانياتها مختلفة تماما. النجاح الذي عرفته هذه المدارس أصبح في ما بعد، وبالأخص بعد فتح أبواب التكوين المستمر المؤدى عنه، يشكل خطرا حقيقيا محدقا بها رغم المقاومة الشرسة أحيانا من بعض الغيورين عليها. فقد بدأت تجتذب قناصي الريع والشهرة الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. والأكيد أنه يصعب الدفاع عن قلعة نظيفة وسط محيط هادر من الفساد والإفساد. وهكذا بدأ إسناد تدبير كثير من هذه المؤسسات إلى من لا يفقه في التدبير لا علما ولا عملا. الواقع أن جعل هذه المدارس تحت وصاية رئسة الجامعة جعلها تؤدي فاتورة التغطية على سوءات بعض المؤسسات الأخرى التابعة لنفس الجامعة. وبالمحصلة، بعض المؤسسات ومنها تلك التي أنتمي إليها، وعلى عكس النتائج المحصل عليها بيداغوجيا، تم تدبيرها إداريا وكذلك ماليا بشكل مخز خلال السنين الأخيرة. فالاعتقاد السائد هو أن المسؤولين عن المستوى المحلي لا ينظرون إليها إلا كشباك بنكي أتوماتيكي أو كأستوديوهات يلمعون فيها وجوها كالحة من خلال «فلكرة» المؤسسة وغوغائيتها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ميزانية المدرسة التي أنتمي إليها جد ضخمة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مداخيل التكوين المستمر، لكنها لم تعرض على أنظار أعضاء مجلس المؤسسة منذ سنة 2008، ولا أحد يدري كيف ولا فيم صرفت. أما على مستوى رئاسة الجامعة فلا ندري فيم صرفت الملايير التي تضخ في ميزانيتها منذ 2003، بل إن الرئاسة أراحت نفسها من لجنة تتبع الميزانية بتجميدها. ولو نظرت إلى تجهيزات المؤسسات لوليت فرارا وملئت رعبا. التضارب في المهام والعشوائية والضبابية هي سيدة الموقف. والمرعب في الأمر أن الانحراف الإداري والمالي بدأ يتشابك ويتصاهر ويتوالد إلى أن أصبح كالبنيان المرصوص يؤازر بعضه بعضا، ويتوارث من خلال العمل على تنصيب أشخاص يطمئنون إلى استمرارهم في رفع «المشعل». أليس أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض؟

+ من الملاحظ أن هناك جدلا كبيرا يتفاعل بين المتتبعين من أولياء أمور الطلبة في ما يخص المعايير المعتمدة في مسـألة التعاون والتبادل (ليشونج) التي تعقدها المدرسة مع جامعات دولية ومدارس مماثلة. فهل تخضع في نظرك إلى محددات مضبوطة ونزيهة، أم لاعتبارات أخرى من قبيل «باك صاحبي» أو كما عبر عنه بعض أولياء الأمور بـ«جوكير الباراسكولير»؟

- في ما يخص المعايير المعتمدة لانتقاء الطلبة للاستفادة من الدراسة في المعاهد الأجنبية المماثلة في إطار التعاون الدولي، والتي أثارت بعض الاستياء بالأخص في شقها المتعلق بالنقطة الممنوحة للطالب عن مشاركته في الأنشطة الموازية بالمدرسة، تجدر الإشارة إلى أن معامل هذه النقطة ضعيف «عشرة في المائة». وبالتالي فهي غير محددة. فالنقطة الممنوحة للطالب تتكون من النتائج الأكاديمية المحصل عليها، معامل ستون في المائة، بالإضافة إلى نقطة مقابلة شفوية تتم مع لجنة من الأساتذة، معامل ثلاثون في المائة. إذن ما يسمى «جوكير البارا سكولير (le para-scolaire)» مبالغ فيه، وخاصة إذا علمنا كيفية منح هذه النقطة. ويبدو أن توجيه البوصلة نحو هذه النقطة جاء لصرف الأنظار عن خروقات خطيرة تقع على مستوى آخر وللأسف من طرف، ممن يفترض فيهم حماية تساوي الفرص والاستحقاق. فعلى سبيل المثال، في السنة ما قبل الماضية ترشح للاستفادة من الدراسة في الإطار المذكور طالب لا يحق له أن يستفيد من الدراسة بالخارج لكونه لم يكن قد نجح في كل الوحدات، لكن رئيس الجامعة تدخل لدى الفرنسيين وتم في النهاية، وراء ظهر المدرسة، بعثه إلى الخارج وعاد في السنة الموالية لاجتياز الامتحان في المادة المتبقية له ورسب مرة أخرى. وطبقا للقانون فهذا الطالب يجب أن يفصل من المدرسة، في حين أنه يتابع دراسته في الخارج مع المتفوقين. وكمثال آخر، في السنة الماضية لاحظت أنه تم النزول بالنقطة المعتمدة للانتقاء الأولي للمترشحين بشكل كبير، لكن ما لبث أن ظهر السبب الذي أبطل العجب، إذ في ذيل اللائحة يقبع «محروس» مقرب من الرئيس، لكنه لم ينجح ولم يتم انتقاؤه بمعايير المدرسة. بعد ذلك وعلى مستوى آخر أدخلت العملية في معمعة تجعلك تكره الانتماء إلى هذا المحيط. المهم، في المحصلة، انتهى الأمر بـ«المحروس» على رأس قائمة من تم بعثهم للدراسة بأحد أعرق المعاهد الأجنبية. إذن ما سمي بجوكير «الباراسكولير» قد لا يكون إلا ذرا للرماد في العيون لصرف النظر عن رأس الداء. أما عن عملية انتقال الطلبة من وإلى المدرسة فتلك حكاية قد تصيب بالدوار.

+ هل هناك ضوابط معقولة وشفافة في تعيين أساتذة وأطر المدرسة، أم يشوب الأمر تجاوزات وحسابات مدروسة في الكواليس؟

- في ما يخص ضوابط ومعايير انتقاء وتوظيف الأساتذة والإداريين بالمؤسسة، فتجدر الإشارة إلى أن المسطرة تطبق بشكل غاية في النزاهة ما لم يكن هناك «محروس» ما، وإلا فإن الماكينة تتحرك وتضع الأسباب والمسببات، وتشكل لجان على المقاص يوحى إليها تلميحا وأحيانا تصريحا. وكمثال جد بسيط عما يقع، فلقد تم فتح باب الترشيح لتوظيف أستاذين في الاقتصاد والتدبير خلال صيف السنة الماضية، وكان من بين المرشحين أحد «محروسي» سيادة الرئيس. هذا «المحروس» حصل على دبلوم الإجازة وذهب سنين إلى أمريكا قبل أن يعود ليسجل في الدكتوراه تحث إشراف مدير المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير آنذاك. ويقال إنه حاصل على دبلوم الماستر في حقل معرفي لا يمت للتدبير بصلة «L'Actuariat». المهم، تمت مناقشة الأطروحة على عجل في شهر رمضان المعظم وفي جنح الظلام، نهارا، بعضوية رئيس الجامعة السابق وتم منحه شهادة الدكتوراه. وتقدم لمباراة التوظيف، لكن يوم اللقاء مع لجنة المباراة تبين لأحد الأساتذة أعضاء اللجنة أن بحث السيد المعني بالأمر مقرصن بشكل مفضوح، إضافة إلى كونه يتطرق لمجال اقتصاد الصحة ولا يمت بصلة لعلوم التدبير، فتجرأ هذا الأستاذ المسكين على معارضة توظيف قريب السيد الرئيس، وأجمعت اللجنة في النهاية على تأجيل المباراة إلى حين، لكن تم بعد ذلك الإعلان عن عدم جدواها والإعلان عن إعادتها رغم توفر مرشحين ذوي كفاءة عالية. أما السيد «المحروس» فيقال إنه تم توظيفه في معهد عال بالبيضاء. وأما المرشحون الآخرون ومصالح المدرسة والأستاذ المتطاول والقانون وما يقولون من نبإ من سبإ فإلى سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تّذر....