المهدي رحالي: الفن المعاصر.. سمو بالروح أم إشباع لتهور الغريزة

المهدي رحالي: الفن المعاصر.. سمو بالروح أم إشباع لتهور الغريزة

مفهوم الفن من أهم ما أختلف حوله الفلاسفة عبر التاريخ، حيث يعتبر ظاهرة يبلغ عمر تمثلاتها لأكثر 30 الف سنة معاصرة بذلك ومؤرخة لنهوض الإنسان من البدائية في التفاعل مع محيطه الجغرافي والسوسيو-إقتصادي، حيث بدأ بفضل الإستقرار النوعي الذي يحضى به أثناء تواجده كفرد داخل جماعة أو حتى إمبراطورية بدأ يتوفر للإنسان فرصة تكوين وعي روحي واستشعار للروح والبعد الروحاني لذاته وللغير وللأشياء، فوجد أن إطراب هذه الروح يتزامن بتواجده بأماكن وأزمنة ومع بعض أشخاص والكائنات وأيضا حين فعله لبعض السلوكيات والممارسات، وفي الأخير من أهم النتائج التي قاده إليه هذا التراكم هو إدراكه لحق يقابله واجب، الحق هو الفن الذي يمثل أحد حقوق الإنسان تجاه الوجود ونفسه والواجب هو وعيه لفكرة وجود شيء أسمه الإله وهو يمثل حق الوجود عليه.

لكن هذا أدى لمعضلة كارثية أثقلت ضمير الإنسان لألاف السنين، فكيف يمكن للإنسان يرتقي بروحه بتبنيه للسلام الداخلي والزهد في الحياه في ظل قانون الغاب الذي يحتكم إليه الوجود كله، هذا أدى لإدراك دور أخر للفن غير السمو بالروح الا وهو إشباع الغريزة الصاخبة والنرجسية والسادية لدى الإنسان، فنجد مثلا المنحوتات التي تمثل الالهة وقوة بالطبيعة وتشعرنا بالبعد الروحي خصوصا لدى المعتقدين بها تقابلها رؤوس الدواب وجلودها المعلقة وهي تمثل سيادتنا فوق الأرض وتكريسنا له، أي يمكن أن نقول أن الفن هو الظاهرة التي توصل روحنا وغريزتنا للرعشة أي قمة اللذة والرضى، ونجده أيضا يساعد الروح في فهم نفسها والغريزة في فهم رغباتها ويساعد بعضهما البعض على فهم بعضهما البعض أي نستنتج أن الفن لا يقيم بالأخلاق بل تقييمه كفن يعتمد على قدرته على إنشاء الغريزة والروح، وغالبا ما تكون الغرائز لدى الإنسان متقاربة لكن ما لا يختلف فيه إثناء أن لكل منا روحه الخاصة التي تميزه هو فقط بين الملايير وهذا يجعل لكل من تركيبة مختلفة من ناحية الذوق الفني.

 من خلال المؤشر الأول الذي يقول الفن هو حق الإنسان تجاه الوجود والثاني الذي يبين أدوار هذا الحق يمكننا الاستثمار فيه لإسقاطه على الواقع ومحاولة فهمه، فقد نجد أن هناك تلاث أدوار للفن وهم: إشباع الغريزة، إشباع الروح، إشباع الغريزة والروح معا. لكن هنا الغريزة هي ذلك الذئب الشرير داخل الإنسان والروح هي ذلك الذئب الخير داخل الإنسان وهما في الأصل عدوان لكنهما مجبران على التعايش وقد يصبحان في أحسن الأحوال صديقان لذودان يتقاسمان الصبر وموارد الإشباع كالفن والدين والجنس...، لكن لا يجب أيضا أن نقصي من المعادلة دور العقل رغم أنه يشبع بالعلم والتعلم والمعرفة لينتشي ويمكن تعريف التعلم أيضا أنه حق من حقوق الإنسان تجاه الوجود ويقابله وأجب التربية الذي يمثل وأجبه تجاه الوجود عموما وواجبه تجاه مجتمعه خصوصا، وأحيانا يسعد العقل بالفن الأدبي لأنه عند توفر بعض العناصر يعزز علاقاته بالروح والغريزة ويساعد بعضهم البعض على فهم بعضهم البعض أيضا، غير أن إفقار العقل بعدم تغذيته بالعلم اللازم قد يحد من صلاحياته لصالح الروح والغريزة بالتالي يكون في موقع الذئب الشاهد والمنفذ، فكونه ضعيفا بالتالي تابعا قد يكون من المصيبة تنفيذه للأوامر الواضحة للغريزة الشريرة و أيضا حتى عند إرضاءه للروح رغم أن الروح خيرة بطبعها إلا أن فهمها بشكل غبي قد يؤدي لكارثة.

 وكتجسيد واقعي لهذا الرأي والموقف حول الفن فإننا نحتاج بعض الإسقاط على الواقع، فعند محاولة الإحاطة بالفنون نجد تلاث نماذج أساسية وهي:

نموذج يشبع غريزة التمرد والثأر والصخب والتحكم ...

نموذج يشبع سمو الروح والرغبة للوصول نحو الزهد في الغريزة ...

نموذج يوازن بينهما بشكل يوجه إشباع الغريزة بطريقة لا تضرب في جوهر الروح وقد تستقوي بقوة العقل وتعطشه لفهم الواقع والوجود وأيضا ترجمته لجوهر الروح لمبادئ.

وفي الوقت الحالي تشكل الموسيقى أهم أنواع الفنون، ويلاحظ أيضا انسياقها نحو التعبير عن التمرد والصراع العاطفي والمادي على حساب الضوابط الأخلاقية والقانونية والمجتمعية وإعجاب قاعدة واسعة بها، بالتالي نفهم أن هذا لا يبشر بالخير لأنه إذعان وأضح للغريزة وهو ما أدى لعدة أمراض نفسية ومجتمعية تنهشنا الان نهش الكلاب، وخصوصا الموسيقى التي تنشي الغريزة نجد فعاليتها تزداد عندما يتم أذهاب العقل بالطرق المعروفة، أي أن الغريزة لا تهتم لجوهر الروح ولأنين العقل وتميل للتملص من مسؤولية الواقع التي أوصلتهم له بل تحاول بناء منظومة أخلاقية تناسبها وأيديولوجية تدافع عنها وسلوكيات تجعلها أسلوب حياة كأسلوب التفاهة الذي يضمر العقل، أي أن الفن للأسف لم يعد ذلك الملطف والمهدئ بتغذيته الروح بل أصبح ذلك المأجج للماسي والمشرعن لها، ويمثل أيضا مدى خسارة الروح والعقل للمعركة أمام الغريزة.