جمال أغماني: الترشيح المغربي حظي بتقدير كبير من جل مكونات منظمة العمل العربية

جمال أغماني: الترشيح المغربي حظي بتقدير كبير من جل مكونات منظمة العمل العربية

في حوار خاص مع يكشف جمال أغماني، مرشح المغرب لمنصب المدير العام لمنظمة العمل العربية، الأسباب الحقيقية التي كانت وراء تأخير وضع المغرب ترشيحه لدى المنظمة، وجامعة الدول العربية. ويبرز الخطوات والمبادرات التي قطعها المغرب حكومة، مركزيات نقابية، وأرباب عمل، لدى العرب، من أجل كسب مزيد من أصوات التأييد لاستحقاقات منتصف أبريل المقبل بالقاهرة. ويتحدث، كوزير سابق للتشغيل والتكوين المهني، عن أزمة الحوار الاجتماعي الذي أدخله بنكيران قاعة الانتظار الكبرى. ويضع كقيادي في حزب القوات الشعبية، القلم على الورق، عن حالة الاحتقان والتشرذم داخل بيت الاتحاد...

 

حاوره: عبد الواحد الحطابي

 

+ كان المغرب آخر دولة تتقدم بمرشحها ممثلا فيك لمنصب المدير العام لمنظمة العمل العربية، بماذا تفسر هذا الموقف؟ وإلى ماذا ترجع هذا القرار؟ ألا يعكس هذا حالة الارتباك السياسي التي تعيش على إيقاعها الحكومة؟

- لا أعتقد ذلك. ما حصل هو أن المغرب يمتاز بمسطرة معينة للترشيح لمثل هذه المسؤوليات الدولية، تقتضي إجراء مشاورات مع الطاقات الموجودة في المغرب التي تتوفر فيها الشروط للترشح إلى هذا المنصب. هذا ما جعل ترشيح المغرب يعرف نوعا من التأخير، لأن مسطرة الترشيح تتطلب العديد من الإجراءات والتدابير الخاصة. المهم هو أن المغرب قام بإيداع ترشيحه في الآجال القانونية المحددة لدى جامعة الدول العربية، أي قبل 31 يناير 2014.

+ ألم تكن هناك وراء عملية تأخير الترشيح خلفيات أو حسابات سياسية ما؟

- (مقاطعا) لا.. لا.. لا، أبداً، أبداً، تقريبا جل ترشيحات الدول العربية قدمت خلال شهر يناير 2014، يعني في الفترة الأخيرة من الآجال القانونية لإيداع الترشيحات. بالنسبة للمغرب كانت هناك مشاورات أجراها وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية عبد السلام الصديقي للبحث عن المرشح المغربي الذي تتوفر فيه المواصفات المطلوبة، والذي يمكن للمغرب بكل قواه، من نقابات العمال وأرباب العمل إضافة للحكومة، أن يخوض معه ما يمكن تسميته «حملة انتخابية» لإقناع مكونات المنظمة للتصويت عليه. بعد ذلك، وكما سبق أن قلت، كانت هناك مسطرة المصادقة المعمول بها في مثل هذه الترشيحات للمنظمات الدولية.

+ ماذا سيربح المغرب من ترشيحك لرئاسة منظمة العمل العربية؟

- الربح الأول والأخير هو المساهمة في تعزيز وتطوير هذا الصرح العربي المشترك، وهي قناعة راسخة للمغرب الذي كان من بين الدول 13 المؤسسة للمنظمة. وأظن أن الترشيح المغربي يدخل في سياق نوعي خاص، فهو أولا يأتي في إطار سياق عربي.. فكما تعلم المغرب سبق له أن ترأس المنظمة على عهد المرحوم الهاشمي بناني خلال السنوات الأولى لتأسيسها في الستينيات. المغرب له تجربة نوعية في هذا المجال وتحظى بتقدير في الوسط العربي والدولي اليوم. وأعتقد أن التجربة المغربية مفيدة لتقاسم بعض من جوانبها، وذلك حسب المحيط الذي تشتغل أو تمر منه تلك الدول وخصوصياتها، وتماشيا أيضا مع التحديات والإكراهات التي تواجه دولنا العربية في هذا المجال. ويمكن القول إن الترشيح له عدة أبعاد، وهي أن المغرب يتقدم بمرشح سبق له أن خبر نوعا ما العلاقات ما بين أرباب العمل والنقابات، وخبر كذلك تقاليد وأعراف عمل منظمة العمل العربية. مؤخرا كان هناك منتدى في العاصمة الرياض حول التنمية والتشغيل، ومن بين ما تم التركيز عليه مسألة التدريب أو التكوين المهني.. هذه القضايا أصبحت تطرح اليوم على مجتمعاتنا العربية بإلحاح. فهناك زيادة في عدد الشباب العاطلين بفعل التحولات الديمغرافية التي يعرفها الهرم السكاني في الوطن العربي، وقد بات الوضع معها يقتضي تنسيق الجهود بين كافة الدول العربية، خاصة إذا علمنا أن العديد من القمم العربية خرجت بالعديد من القرارات والتوصيات التي تهم تشجيع التجارة البينية بين الدول العربية والاستثمار وتشجيع انتقال العمالة العربية والاستفادة من تجارب الدول العربية في مجال التدريب أو التكوين المهني، من بينها بطبيعة الحال، التجربة أو النموذج المغربي الذي يمكن اعتباره في هذا الإطار نموذجا على درجة كبيرة من الأهمية. ويمكن أن يشكل لا محالة قيمة مضافة في ما يخص هذا المجال لدى أكثر من دولة عربية.

+ كيف تقرأ فرص حظوظ المغرب في مواجهة حظوظ ثلاثة وزراء من مصر، العراق، وفلسطين، ورئيس اتحاد العمال الكويتي، ورئيس غرفة الصناعة بالأردن، وممثل لبنان؟

- منذ انتهاء فترة إيداع الترشيحات لمنصب المدير العام للمنظمة في 31 يناير2014، عرفت العديد من البلدان العربية مجموعة من التطورات، وكذلك التنافس على منصب المدير العام. هذه التطورات لمستها شخصيا، ولمسها الوفد المغربي الثلاثي التركيب الذي شارك مؤخرا في المنتدى العربي الثاني حول التشغيل والتنمية الذي استضافت أشغاله، كما سبق أن قلت، العاصمة الرياض بالمملكة السعودية، والذي عرف على هامش دورته إجراء بعض المشاورات واللقاءات الثنائية التي جمعت الوفد المغربي برئاسة وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية الأستاذ الصديقي مع العديد من نظرائه العرب، ونفس الشيء بالنسبة للفرقاء الاجتماعيين من نقابات ورجال الأعمال. ويمكن القول إن ما لمسناه ولمسه الوفد المغربي هو أن الترشيح المغربي حظيَ بترحيب وتقدير كبيرين من لدن جل مكونات منظمة العمل العربية، خاصة وزراء العمل العرب الذين سبق لي أن جمعتني بالعديد منهم العديد من اللقاءات داخل منظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية، وكذلك المنظمات النقابية وممثلي قطاع الأعمال. اليوم الترشيح المغربي أصبح مدعوما من طرف العديد من الدول العربية التي ترى فيه أنه يتوفر على جل المواصفات المطلوبة.. ولا نستبعد حدوث تطورات في ظل المشاورات الجارية اليوم بين المجموعة العربية في اتجاه التوافق على المواصفات المطلوبة توفرها في المدير العام المقبل للمنظمة، وهو ما قد يدفع بعض الدول العربية خلال الأيام القادمة إلى مراجعة ترشيحاتها. وهو ما سيقوي من حظوظ المغرب لتحمل مسؤولية إدارة شؤون المنظمة خلال الفترة الممتدة ما بين 2014 و2018.

+ الحوار الاجتماعي أدخلته حكومة بنكيران قاعة الانتظار الكبرى، وأدخل معه البلاد في حالة احتقان اجتماعي ينذر في تقدير عدد من الرأي النقابي بتفجير الوضع، خاصة بعد تحالف ثلاث مركزيات نقابية، أنت كوزير سابق لقطاع التشغيل أي قرار تتخذه في مثل هذه الحالة، وماذا تقترح؟

- أعتقد أن الموقع الحالي بالنسبة لي كمرشح للمغرب لمنصب المدير العام لمنظمة العمل العربية يجعلني -ولأقل- يفرض علي أن أنأى بمسافة عن إعطاء أو التعبير عن موقف ما. وكمسؤول حكومي سابق عن قطاع الشغل، أحترم مواقف كافة الفرقاء وأتفهمها. ولكن ما يمكن لي قوله في هذا الشأن هو أن المغرب عرف ترسيخ تقاليد الحوار الاجتماعي منذ سنوات، ولا أعتقد أن طرفا من الأطراف، سواء الحكومية أو النقابية أو أرباب العمل، يريد القطع مع الحوار الاجتماعي أو الإجهاز عليه أو تعليقه، لأن بلادنا وصلت إلى نوع من المأسسة في الحوار الاجتماعي غير مسبوقة، حيث تم إعمال آلياته على عهد أكثر من حكومة. اليوم في رصيدنا أربعة اتفاقات اجتماعية كبرى كان آخرها اتفاق 26 أبريل 2011، ومن الطبيعي أن يصبح لنا في المغرب وفي العلاقة الشغلية نوع من التقاليد والثقافة غير قابلة للتجاوز. لكن دعني أقول إن الظرفية اليوم جد صعبة على الجميع، وأظن أن المبادرة حسب الإشارات والمواقف المعبر عنها، سواء تعلق الأمر بمبادرة توحيد العمل النقابي بين ثلاث مركزيات نقابية (الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الفيدرالية الديمقراطية للشغل)، وهي مبادرة لا يمكن إلا تثمينها، والتي لقيت صدى إيجابيا لدى رئاسة الحكومة التي اعتبرت المبادرة مهمة، حسب التصريحات التي صدرت في هذا الشأن. وهذا ما يمكن استنتاجه من الرسالة الجوابية لرئاسة الحكومة عن المذكرة المطلبية للتحالف النقابي الثلاثي بدعوة هذه الأخيرة إلى جلسات للحوار خلال شهر مارس الجاري. ما يمكن قوله بهذا الخصوص هو أني أتمنى أن يصل الحوار الثلاثي إلى نتائج وتوافق حول القضايا المطروحة على طاولة الحوار الاجتماعي المقبل خاصة حول الملفات الكبرى.

+ لكن الحكومة منذ تنصيبها وكما تجمع قيادات المركزيات على ذلك أقفلت باب الحوار وأفرغته من محتواه كثقافة وآلية ومكتسب؟

- حسب ما تتبعته في وسائل الإعلام من تصريحات، كانت هناك جلسات ما بين رئاسة الحكومة والمركزيات النقابية، ربما لم تصل إلى نتائج، لكن ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد، هو أن فضاءات الحوار في المغرب متعددة، قد لا تأخذ مفهوم الحوار الاجتماعي الوطني ولكنها عموما تندرج في سياقه. وأضرب مثالا على ذلك: اجتماعات المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وكما هو معلوم مجلسه ثلاثي الأطراف، وهناك أيضا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجالس التي أقرتها مدونة الشغل... وفي تقديري أن جولة مارس للحوار الاجتماعي الوطني ستكون فرصة سانحة لتدارك أو معالجة الأعطاب في العلاقة بين مختلف الأطراف.

+ أنت كقيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي، كيف تنظر إلى وضع الحزب في ظل وصول الصراع بين تيار ادريس لشكر وتيار أحمد الزايدي إلى مستوى تجمع شريحة عريضة من الاتحاديين على وصفه بالخطير؟ ألا ترى أن الحزب، كما بات يتردد على أكثر من لسان، «مْشَى في حالتو»؟

- «مْشَى» بهذه الصورة القطعية لا أبدا.. تاريخ الاتحاد كما تعلم، عرف عدة محطات ربما كانت في إحدى مراحلها مصيرية لمستقبل الحزب، إلا أن قوة الاتحاد يستمدها حقيقة من غنى نقاشاته والاجتهادات التنظيمية والسياسية والفكرية التي عرفها الاتحاد. وهنا أحيلك على مقولات مأثورة للشهيد عمر بنجلون، وهي أن الاتحاد دائما هو ذلك الحزب الحي الذي يعرف حوارات ونقاشات وجدلا قويا تعلق الأمر في محطة المؤتمر الاستثنائي سنة 1975، أو المحطات التنظيمية التي عرفها بعد ذلك. أكيد وقعت تحولات مجتمعية عميقة وفي الحياة الديمقراطية خاصة آليات التعبير عن الرأي مع وسائط التواصل الاجتماعي، وكذا تحولات عديدة في البنية التنظيمية للحزب.. تحول ناجم، ما في ذلك شك، عن انتقال الحزب من موقع معارضة تاريخية إلى موقع تدبير الشأن العام سواء على عهد الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي أطال الله في عمره، أو ادريس جطو، أو الأستاذ عباس الفاسي، حيث تحمل فيها الحزب مسؤوليته السياسية التي خلفت نقاشات عميقة وسط البيت الاتحادي. اليوم، الاتحاد اختار موقع المعارضة.. ولتدبير المسألة التنظيمية للحزب تجد «الاتحاد» ينتقل من مرحلة يمكن أن أسميها هنا بالمرحلة الـ «كاريزماتية» أو الكاتب الأول «الكاريزماتي» الذي ينتخب بالإجماع كما كان الشأن في شخص الفقيد عبدالرحيم بوعبيد، أو الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، أو محمد اليازغي، إلى الانتقال لمرحلة التنافس عن هذا الموقع التنظيمي. ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على محطة المؤتمر الثامن والتاسع للحزب، اللذين كرسا ثقافة التنافس المتعدد على منصب الكتابة الأولى. وهذا ما تجلى من خلال إقدام عدد من إخواننا على ترشيح أنفسهم، لكن وفق معطى جديد يتمثل في أن يتقدم كل مرشح ببرنامجه، وأن يقوم بحملته الانتخابية داخل صفوف الاتحاديات والاتحاديين، وصلت إلى حد تنظيم برنامج بالقناة الثانية بين المرشحين. ومن الطبيعي مع هذا التحول أن يتموقع الاتحاديون والاتحاديات مع برنامج هذا المرشح أو ذاك، مما طرح السؤال الكبير: كيف يمكن تدبير الخلاف بعد ذلك؟ هذا ما أنتج في الأخير بعد المؤتمر التاسع نقاشا قويا داخل «الاتحاد» حول أسلوب تدبير الخلاف، وفيما إذا كان يتم على أساس إحداث تيارات مهيكلة ومنظمة كما طرح في المؤتمر السادس للحزب، وهو ما طالب به الإخوان في تيار «الانفتاح والديمقراطية»، أو أن فترة تعدد التيارات تنتهي مع انتهاء المؤتمر كما يطرح المكتب السياسي، علما أن الجميع ظل يضع مسألة الانشقاق كـ «خط أحمر». لكنني أعتقد، رغم ما حصل من تطورات، أن حكامة ورزانة الاتحاديين والاتحاديات (وأعتقد أنه رأي جل أبناء الاتحاد) وحكمائهم على وجه الخصوص، خاصة ونحن في أفق استحقاقات 2015 و2016، ستغلب الحكمة والمصلحة العليا للحزب، وستتجه نحو احتواء الوضعية. وأظن أنه ليس لا من مصلحة البلاد، ولا العائلة الاتحادية، أن تتصارع وتيرة الأحداث الداخلية بهذه الدرجة التي وصلت إليها في الأيام الأخيرة.. لا أحد منا ولا تاريخنا يرضاها أو يقبلها. ولا يمكن فيها للاتحادي والاتحادية منا إلا أن يطالب بالاحتواء الفوري لها، لأنها تسيء لنا جميعا أمام الرأي العام. التحولات المجتمعية تفرض اليوم على الحزب السياسي كيفما كان، ضمان فضاءات حرية التفكير وإبداء الرأي وتدبير الخلافات، وقانون الأحزاب يؤكد على ذلك. لهذا تجدني أميل إلى أن الخلافات -وهذه قناعة لدي منذ سنوات- كيفما كانت، يتعين تدبيرها بالحوار والتقاليد الديمقراطية، ولأقل «الأخوّة» الاتحادية التي هي سر قوة «الاتحاد»، وليس بالإجراءات التأديبية، لأن هذه الأخيرة وإن كانت قانونية ومنصوص عليها في القوانين الداخلية، لا يمكنها وحدها حل المشاكل، بل من شأنها أن تزيد من تأجيج الوضع.. الحزب مطالب بالاجتهاد في تجديد تصوراته ومقترحاته وبدائله الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وهذا ما يريده وينتظره اليوم المغاربة من حزب في المعارضة.