محمد الطيار: المغرب أضحى مدرسة قائمة الذات في مجتمع الاستخبارات وشريكا ذو مصداقية كبيرة

محمد الطيار: المغرب أضحى مدرسة قائمة الذات في مجتمع الاستخبارات وشريكا ذو مصداقية كبيرة محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية
تحول المغرب في المدة الأخيرة إلى قبلة للقادة الكبار للأجهزة الأمنية والاستخباراتية لمختلف الدول، الذين يحلون تباعا للاجتماع مع عبد اللطيف الحموشي، المدير العام لجهازي "الديستي" و"الأمن الوطني". تناسل هذا الزيارات يشي بأن ترتيبات عالمية على المستوى الجيو استراتيجي تتم. وبفضل مهنية الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية، أضحى المغرب رقما مهما في المعادلة الأمنية دوليا.
ولتسليط الضوء على هذا الملف استضافت
"أنفاس بريس" محمد الطيار، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية.
 

 
أصبحت الرباط قبلة ومحجا للعديد من المسؤولين الأمنيين من مختلف الدول، كيف تأتى ذلك ومالذي يثير اهتمام مسؤولي الاستخبارات من وراء هذه اللقاءات داخل المغرب وخارجه؟
بالفعل لقد أصبحت الرباط قبلة ومحجا للعديد من المسؤولين الأمنيين من مختلف الدول الكبرى، والتي لها باع طويل في مجال الأمن الاستخباراتي، هدفهم جميعا هو إبرام اتفاقات أمنية متنوعة والاستفادة من التجربة الأمنية المغربية، التي فرضت نفسها على المستوى العالمي في السنوات الأخيرة كتجربة رائدة في التصدي للبؤر والمظاهر السالبة للأمن، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن أن نذكر في هذا الباب ما شهدته الأشهر الأخيرة الماضية، كزيارة محافظ الشرطة الهولندية، وكذا المدير العام للشرطة الاتحادية الألمانية، والمدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية "فرانسيسكو باردو بيكيراس"، الذي حل بالرباط على رأس وفد أمني رفيع المستوى. كما شكلت زيارة "أفريل هاينز" مديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية، حدثا مهما يجسد حرص الولايات المتحدة الكبير على دعم وتطوير آليات التعاون الثنائي المشترك بين أجهزتها الأمنية والاستخباراتية والأجهزة الأمنية المغربية، وتطوير مختلف سبل السعي المشترك لإرساء الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
في نفس الإطار شكلت زيارات عبد اللطيف حموشي في الآونة الأخيرة للعديد من البلدان أهمية قصوى واستثنائية، كزيارته لدولة قطر التي طلبت الاستفادة من التجربة المغربية لتأمين مونديال 2022، والذي يعد حدثا دوليا كبيرا يفرض على قطر أن تتخذ العديد من الاجراءات الأمنية، وقد وقفت كغيرها من الدول على نجاح الأجهزة الأمنية المغربية الكبير، في تأمين العديد من الملتقيات الأممية والرياضية والسياسية والأمنية والاقتصادية المنظمة بالمغرب،كما شكلت زيارة عبد اللطيف حموشي على رأس وفد أمني رفيع، شمل مديري المصالح المركزية للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وأطر، منها الولايات المتحدة الأمريكية يومي 13 و14 يونيو 2022، حدثا بارزا استأثر باهتمام كبير لأهميتها في تقوية وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين. وقد تميزت هذه الزيارة بإجراء جلسات عمل ومباحثات مع كل من "أفريل هاينز"، مديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية، و"ويليام بيرنز"، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، و"كريستوفر راي"، مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي . (FBI)
وبعد زيارة العمل الناجحة لواشنطن، توجه عبد اللطيف حموشي مباشرة نحو مدريد، في إطار زياراته الدولية التي تهدف إلى دعم مختلف أوجه التعاون الثنائي والمتعدد بين المصالح الأمنية المغربية ونظيراتها الأجنبية، وهو ما يعكس المكانة الكبيرة التي تحتلها المؤسسات الأمنية المغربية على المستوى الدولي، والثقة والمصداقية التي تحظى بها في الاستراتجية الدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
فالتعاون الدولي يعد أمرا أساسيا في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، سواء عن طريق المنظمات الدولية، أو في إطار التعاون الثنائي أو الإقليمي، وقد قام المغرب في السنوات الأخيرة بتقوية وسائل التعاون الدولي، حيث ساهم في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، سواء في أوروبا أو في إفريقيا، وأفشل بالمعلومات الإستباقية التي تقدمها الأجهزة الإستخباراتية المغربية، العديد من الأعمال التخريبية والدموية، خاصة في دول كإسبانيا، فرنسا، بلجيكا، وهولاندا، مما جعله شريكا رئيسيا ومرجعا في هذا المجال.
مكانة المغرب في التصدي للإرهاب ومساهمته في تحقيق الإستقرار والأمن على الصعيد العالمي، والإعتراف بنجاح إستراتيجيته الشمولية والمتعددة الأبعاد، ترجمها كذلك إجماع أعضاء "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب" على المغرب، للرئاسة المشتركة لهاته الهيئة لولاية ثالثة، خلال الاجتماع ال15 للجنة التنسيق التابعة للمنتدى، الذي انعقد خلال شهر مارس من سنة 2019 بمدينة مالقة الاسبانية. ويشترك المغرب في رئاسة المنتدى مع كندا للفترة 2020-2022، بعد ولايتين متتاليتين تولى خلالهما الرئاسة المشتركة مع هولندا منذ سنة 2016.
كما ساهم المغرب في إطلاق العديد من المبادرات تحت إشراف المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، منها مثلا المبادرة المغربية-الأمريكية حول الإرهاب الداخلي، الخاصة بالممارسات الجيدة للرباط - واشنطن، حول الوقاية والكشف والتدخل، والتصدي للإرهاب الداخلي، التي تم إطلاقها في 25 يونيو 2018، وتقودها المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية، بتعاون مع المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون.
والمغرب أيضا، عضو في" الشراكة من أجل مكافحة الإرهاب عبر الصحراء(TSCTP)"، وهو برنامج إقليمي أمريكي مشترك بين الوكالات، يهدف إلى بناء قدرات حكومات الدول المغاربية ومنطقة الساحل الإفريقي لمواجهة التهديدات الإرهابية، ويشارك المغرب أيضا في كل من"الشراكة من أجل مكافحة الإرهاب عبر الصحراء"، وفي مبادرة الدفاع "5 +5" التي تضم خمسة دول أوروبية وخمسة دول شمال إفريقية، وأيضا هو عضو في "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب"، ومشارك في المشاريع المتعلقة بمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة في "منظمة التعاون الإسلامي"، و"جامعة الدول العربية"، وأيضا في "الاتحاد الإفريقي"، وفي" المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون"، وفي المشاريع المتصلة بمكافحة الإرهاب التي ينفذها مكتب الأمم المتحدة المعني بمنع المخدرات وجريمة والإرهاب، وعضو في "مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF)"، وهي فرقة عمل مالي ذات طابع إقليمي"، ومنخرط في البرامج والمشاريع الدولية التي تهدف الى محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والإتجار في البشر.
وما يفسر كذلك تحول الرباط إلى قبلة ومحجا للعديد من المسؤولين الأمنيين، هو كون الربط بين الهجرة من جهة والأمن والجريمة من جهة أخرى في سياسات الهجرة للدول المضيفة، يعد أحد أبرز المظاهر الجديدة للهجرة الدولية، وقد أصبح هذا المظهر أكثر وضوحاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الارهابية بالولايات المتحدة الامريكية، حيث أصبح يُنظر إلى الهجرة باعتبارها تهديداً محتملا للأمن القومي لكل دولة، وتُدرج في خانة القضايا الأمنية إلى جانب التهديدات الإرهابية وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة، وأصبحت المراقبة الرقمية للهجرة غير النظامية جزءاً أساسياً من جدول أعمال كل الدول المتقدمة من أجل توظيف تكنولوجيا ما يعرف بـ "الحدود الذكية"، لمضاعفة فعالية الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.
والمغرب بحكم موقعه الجغرافي، يستقطب أعدادا هائلة من المهاجرين الباحثين عن أقرب نقط للعبور إلى القارة الأوروبية، أما عبر المدينتين المغربيتين المستعمرتين سبتة ومليلية أو عبر مضيق جبل طارق، الذي لا يبعد إلا بأقل من 14 كيلومترا عن المغرب، أو عبر الجزر الخالدات انطلاقا من الجنوب المغربي.
 
لكن هناك سؤال يطرح نفسه بقوة على المستوى الوطني وكذا الدولي، يبتغي فهم الأسباب التي تقف وراء تمييز وقوة المنظومة الأمنية المغربية بشكل عام، وبشكل خاص المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني؟
يجب عند التطرق لهذا الأمر، التنويه أولا بكون المنظومة الأمنية في المغرب ككل، شهدت قفزة نوعية وتطورا ملحوظا بعد الإصلاحات العميقة التي عرفتها، وأصبحت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تحظى بحضور قوي على المستوى الدولي في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب نجاح استراتيجتها المعتمدة في التصدي لمختلف المخاطر والتهديدات، بل وأضحت تعد مدرسة قائمة بذاتها في مجتمع الاستخبارات، ومن بين أشهر التجارب الاستخبارتية الدولية، وشريكا موثوقا وذو مصداقية كبيرة، عزز مكانة المغرب كقطب دولي في مجال مكافحة الإرهاب الجريمة المنظمة.
ولكن لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نستحضر أولا أحداث الدار البيضاء الإرهابية في 16 ماي 2003، التي شكلت رجة أمنية خطيرة، رغم أن المغرب عرف أحداثا إرهابية قبل هذا التاريخ، منها محاولة إدخال الأسلحة عبر الحدود الشرقية مع الجزائر سنة 1985، وأحداث فندق أسني بمراكش في سنة 1994.
فأحداث سنة 2003 بالدار البيضاء، دفعت الدولة المغربية إلى إعادة النظر في سياستها الأمنية بشكل جذري، و في طريقة التنسيق بين الأجهزة المكلفة بهذه المهمة، كما قامت أيضا بإعادة النظر في ترسانتها القانونية وسياستها الدينية وفي جغرافية سياستها التنموية.
فقد اعتمد المغرب بعد أحداث الدار البيضاء العديد من الإجراءات الشاملة، وقد تنوعت هذه الإجراءات بين إصلاح الترسانة القانونية ومواكبتها للقانون الدولي، كما عمل على القيام بتدابير وقائية قبلية في أغلب القطاعات، عن طريق مخططات التنمية المحلية ومحاربة الهشاشة الاجتماعية، والعمل على إشراك الشباب في المبادرات المحلية، كما تم القيام بتدابير تهدف إلى تشجيع احترام الاختلاف والتعددية والحوار، ومحاربة كل أشكال الإقصاء والتهميش، ومحاربة كل أشكال اللا مساواة والتمييز، وتعزيز قيم التسامح وحقوق الإنسان، خاصة في دستور 2011، والعمل إنطلاقا من سنة 2016 على مراجعة مناهج التعليم الدينية المعتمدة في المدرسة المغربية لترسيخ هذه القيم.
ومنذ أحداث الدار البيضاء لسنة 2003، تم اعتماد عدة تدابير حمائية مكثفة من طرف مختلف المصالح الأمنية والاستخباراتية، وكذلك من طرف المصالح الأمنية العسكرية المكلفة بمراقبة الحدود البرية والبحرية، كما تتم كذلك مراقبة مراكز الاعتقال، وملاحقة الإرهابيين ورصدهم وتتبع مسارات الجريمة المنظمة لاقتران الإرهاب بها، وإعادة إدماج من كانت لهم صلة بالإرهاب ولم يدانوا بجرائم في الحياة الاجتماعية والسياسية، وتقليص هشاشة الأشخاص في مواجهة الإرهاب والمكافحة الفعالة للاستقطاب والتحريض على الإرهاب. بدون إغفال وجوب أن تكون تدابير مكافحة الإرهاب نفسها، لا تلحق الضرر ولا تؤجج المظالم.
فأحداث الدار البيضاء، شكلت بحق نقطة التحول المفصلية والرجة الكبيرة، التي جعلت المغرب يقوم بإصلاحات شاملة مست كل أسس المنظومة الأمنية، ويضع استراتجية أمنية محكمة، كان من تجليات نجاحها المكانة التي أصبحت تحتلها حاليا محتلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية.
 
ما هي في نظركم المرتكزات التي تفسر قوة وتمييز المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، حتى تكون في مستوى الندية لأجهزة مماثلة لدول كبرى؟
الجهود التي تقوم بها مختلف الأجهزة الاستخباراتية المغربية لمواجهة التهديدات الإرهابية الداخلية، تسير جنبا إلى جنب مع المجهودات التي تقوم بها هذه الأجهزة خارجيا، حيث يساهم المغرب في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة على الصعيد الدولي، خاصة من خلال تقاسم المعلومات لإفشال المؤامرات الإرهابية ضد الدول الصديقة في إفريقيا وخارجها. أما النجاح الاستثنائي لمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، فيتجلى في ثلاثة مرتكزات، يمكن أن تفسر قوة وتمييز هذا الجهاز الاستخباراتي.
 
أولا: الأهمية التي يولها الملك محمد السادس للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني
يخص الملك محمد السادس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بعناية خاصة، حيث يحرص على تمكين هذه المؤسسة الأمنية من كل الوسائل المتطورة والحديثة، حيث قام مثلا بتشريفها بزيارة ملكية يومه الثلاثاء 24 أبريل 2018، تقديرا منه للجهود الكبيرة والتضحيات الجسيمة التي يقدمها عناصر هذه المؤسسة الأمنية، من أجل صيانة أمن وسلامة الوطن، وإفشال المؤامرات التي تستهدفه. وقد شكلت زيارته حدثاً بارزاً في تاريخ هذه المؤسسة منذ قيامها، وأظهرت للداخل والخارج الأهمية التي يولها الملك الملك محمد السادس لهذا الجهاز.
 
ثانيا: القيادة الاستراتيجية
 
لقد توفرت في شخصية عبد اللطيف حموشي صفات القائد الاستراتيجي، فقد استطاع أن ينقل هذا الجهاز الأمني إلى مرتبة استثنائية في سنوات قليلة، بعد أن قام بعدة إصلاحات هيكلية جعلته في مصاف أجهزة استخبارات الدول الوازنة والقوية، بما يملكه من إلهام موفق، وقوة الإرادة وشدة العزيمة، والاستثمار الجيد في الموارد البشرية. وقد شكلت طبيعة شخصيته أيضا سدا منيعا أمام كل المؤامرات التي تستهدف المغرب، وهو الأمر الذي دفع العديد من الجهات المعادية إلى التركيز عليه، و محاولة استهدافه عن طريق عدة أشكال من الحملات الإعلامية المغرضة، خاصة من طرف النظام العسكري الجزائري وبعض الدول الأوروبية التي تسعى وراء فرملة تقدم المغرب بشتى الوسائل.
 
ثالثا: طبيعة عناصر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني
 
منذ تأسيس المدرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المعروفة اختصارا بالديستي ، ترسخت لدى عناصرها ثقافة التضحية والجاهزية وحب الوطن، والابتعاد عن الحسابات والصراعات السياسية، وانعدام التباهى، والعمل بصمت وبسرية تامة وحذر شديد، والتجربة الطويلة في تخطي أصعب الاختبارات من أجل خدمة قضايا الوطن والدفاع عن مقدساته، كما كان للإصلاحات الهيكلية التي شهدتها هذه الإدارة في السنوات الأخيرة، والتأهيل المتواصل لعناصرها والاستيعاب العميق للتحولات والتقنيات والاستراتيجيات اللازمة لجهاز استخباراتي حديث، الأثر الحميد على أدائها، وتحقيقها للعديد من الإنجازات في التصدي خاصة للخلايا الإرهابية والجريمة المنظمة، ومحاولات اختراق مؤسسات الدولة، وإفشال المخططات التي تستهدف زعزعة استقرار وأمن الأقاليم الجنوبية.
 
هل يمكن الحديث عن قوة الدولة اقتصاديا وسياسيا بالتوازي مع قوتها الاستخباراتية؟
طبعا، قوة الدولة الاقتصادية والسياسية وتقدمها، مرتبط بشكل كبير بدرجة جاهزية وقوة مختلف أجهزتها الأمنية والعسكرية، ولابد أن تتوفر عدة عناصر ذاتية وموضوعية لبناء هذه الجاهزية، فكل ارتباك يمس الأجهزة الأمنية ينعكس بسرعة على بناء الدولة ويهدد استقرارها واستمراريتها، وهذا المعطى بالتحديد يشكل نقطة مهمة في أي استراتيجية تروم عرقلة تقدم أي دولة وتفجيرها من الداخل وفق نهج الحروب الهجينة الحديثة، ولنا خير مثال في الحملة الإعلامية التي كانت وراءها الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية والجزائرية، والتي اتهمت المغرب باستعمال البرنامج الإسرائلي "بيكاسوس"، مستهدفة بذلك مركز ثقل الدولة المغربية، المتمثل بالأساس في علاقة الثقة التي تربط المؤسسة الملكية بالأجهزة الأمنية، حيث إدعت أن الملك محمد السلدس والمحيط الملكي ضمن المستهدفين بالتنصت والتجسس، وقد كانت تبتغى من حملتها تلك، بث الشك والريبة والخوف والارتباك في عمق مركز القرار المغربي، وزعزعة مركز الثقل لإضعاف نظم القيادة بشكل عام، غير أنها إنهزمت وفشلت في مسعاها وافتضحت أهدافها.
إن قوة الأجهزة الأمنية وانسجامها وقدرتها على التوفيق بين متطلبات الحفاظ على النظام العام وأولوية صيانة الأمن القومي للدولة من جهة، واحترام حقوق الانسان والحريات من جهة أخرى، يمكن الدولة من تحقيق العديد من المكتسبات في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وتجعل أفراد المجتمع ينخرطون بقوة وإيمان في التصدي لكل التهديدات والمخاطر، كما أن عدم استقرار المؤسسات الأمنية وتورطها في التجادبات السياسية وصراعات أجنحة السلطة، يعكس بجلاء ضعفها وارتباكها، ويعد مؤشرا واضحا على إنهيار الدولة الوشيك، كما هو حال في الجزائر، التي تعاقب على رئاسة أجهزتها الأمنية عدة رؤساء في فترة زمنية قياسية، فمثلا عرف جهاز الاستخبارات الخارجية خلال مدة سنة واحدة، تعاقب خمس جنرالات آخرهم تم تعيينه خلال شهر شتنبر الجاري، وهو التعيين الثاني في أقل من شهرين، ويقبع حاليا أغلب المدراء السابقين للأجهزة الأمنية الجزائرية في السجون، بل قد وصل الأمر مثلا بسبب الصراعات بين أجنحة العسكر، إلى عزل اللواء واسيني بوعزة المدير السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية سنة 2020، والزج به بالسجن بتهم ثقيلة وتنزيله من رتبة لواء إلى رتبة جندي.