تراث فن الملحون "ديوان المغاربة" بين الراهن والمأمول

تراث فن الملحون "ديوان  المغاربة" بين الراهن والمأمول محمد الكزولي رفقة سيخ الملحون الحاج أحمد سهوم رحمه الله

كانت فرصة لقاء جريدتا "الوطن الآن" و "أنفاس بريس" بشيخ الملحون الشاعر محمد الكزولي سانحة لاقتناص لحظات تبادل مجموعة من المعطيات والأفكار حول الموروث الثقافي الشعبي بصفة عامة، وكيفية إبداع طرق الاشتغال على التراث المغربي بكل روافده وخصوصياته، وخصوصا على مستوى تراث فن الملحون الذي يعشقه الرجل حد الثمالة، كيف لا وهو الشاعر الذي جالس كبار المتخصصين في "فن القول"، وهو الذي خصه المرحوم الشيخ الحاج أحمد سهوم بشهادة اعتبرها شخصيا وسام تقليد لاستمرارية ضيف الجريدة في الترافع عن فن الملحون والمضي قدما في البحث والكتابة والتدوين والطبع والنشر.

 

تعرفت شخصيا على الشيخ محمد الكوزلي في ميدان محارك فن التبوريدة كفارس ممارس وباحث مهووس بالتوثيق والمحافظة على كل طقوس وعادات وتقاليد الفروسية التقليدية، وأدركت أن الرجل مهووس بفن الرماية وركوب الخيل، والصيد بالسلوقي فضلا عن إتقانه ميازين فن عبيدات الرما وحفظ العديد من متونه إلى جانب فن العيطة المغربية.

 

في هذا السياق نقدم للقراء ورقة ترافع من خلالها شيخ الملحون محمد الكوزلي عن تراث فن الملحون وعززها برسائل قوية من خطابات الملك محمد السادس، باعتباره "ديوان المغاربة" من خلال سبعة مفاتيح يراها ضرورية لتحصين الساحة الفنية والرقي بنمط من فنون المغاربة الذي يعتبر في نظر ضيفنا أنه (فن الملحون) يجمع بين التأريخ والثقافة والفن، ويحقق قيمة معنوية مضافة للذاكرة الشعبية الحية، كما تتحقق فيه مجموعة من المقومات الأساسية التي تجعله مؤهلا للإدراج ضمن لائحة التراث الإنساني العالمي شأنه في ذلك شأن مجموعة من أشكال التراث المغربي الغني والمتنوع كتراث كًناوة وجامع الفنا بمراكش ومهرجان طانطان وغيرها من المحطات والتظاهرات التراثية والفنون ذات الصلة بالموروث الثقافي اللامادي.

 

 "فقد كانت القيمة الإجمالية للدول تقاس سابقا، حسب مواردها الطبيعية، ثم على أساس المعطيات المتعلقة بالناتج الداخلي الخام، الذي يعكس بدوره مستوى عيش المواطن. وبعد ذلك، تم اعتماد مؤشرات التنمية البشرية، لمعرفة مستوى الرخاء لدى الشعوب، ومدى استفادتها من ثروات بلدانها. وخلال تسعينات القرن الماضي، بدأ العمل باحتساب الرأسمال غير المادي كمكون أساسي، منذ سنة 2005، من طرف البنك الدولي. ويرتكز هذا المعيار على احتساب المؤهلات، التي لا يتم أخذها بعين الاعتبار من طرف المقاربات المالية التقليدية. ويتعلق الأمر هنا بقياس الرصيد التاريخي والثقافي لأي بلد، إضافة إلى ما يتميز به من رأسمال بشري واجتماعي، والثقة والاستقرار، وجودة المؤسسات، والابتكار والبحث العلمي، والإبداع الثقافي والفني، وجودة الحياة والبيئة وغيرها."

 

(مقتطف من خطاب العرش الذي وجهه صاحب الجلالة نصره الله وأيده يوم 2 شوّال 1435هـ الموافق لـ 30 يوليو 2014).

 

فن وتراث الملحون....ديوان المغاربة

إن الرسائل القوية التي يحملها الخطاب الملكي، وغيرها من الخطابات ذات الرؤية الرشيدة، وما ضمته بين أسطرها من تأكيد صريح على أهمية الثقافة والتاريخ في تحديد القيمة الحقيقية للمجتمعات، ودعوة نبيهة إلى إعتماد تصنيف مستوى الدول حسب إرثها ومخزونها الثقافي والتراثي الذي راكمته عبر العصور.

ولأن تراث الملحون المغربي يجمع بين التأريخ والثقافة والفن، ويحقق قيمة معنوية مضافة للذاكرة الشعبية الحية، كما تتحقق فيه مجموعة من المقومات الأساسية التي تجعله مؤهلا للإدراج ضمن لائحة التراث الإنساني العالمي شأنه في ذلك شأن مجموعة من أشكال التراث المغربي الغني والمتنوع كتراث كًناوة وجامع الفنا بمراكش ومهرجان طانطان وغيرها ...

ولعل فطنة اللجنة الثقافية لأكاديمية المملكة لأهمية الملحون ودوره التراثي، الثقافي والتاريخي، جعلتها تعمد إلى تسمية الملحون بديوان المغاربة، وهي التسمية أو اللقب الذي يعكس ما يختزله هذا التراث من قيم ثقافية وفنية متجذرة في العراقة والتاريخ الإنساني المغربي. وهي تسمية بعثت الروح في تراث الملحون، ومنحته القيمة والمكانة التي يرقى لها ويستحقها.

إن هذه البادرة القيمة والبعيدة المرامي مكنت منذ إطلاقها وإلى يومنا هذا من جمع وإصدار إحدى عشر ديوانا، ضمت بين دفتيها مئات القصائد، متنوعة البحور، والقياسات والمواضيع، لأحد عشرة شيخا من شيوخ النظم والسجية.

اهتمام المؤسسة الملكية بتراث فن الملحون

وقد لاقت هذه البادرة مباركة المؤسسة الملكية وإشادة وتنويه بفكرة تجميع وتخزين قصائد شعراء هذا التراث من خلال رسالة ملكية موجهة من الملك محمد السادس، نظرا لقيمة هذه الدواوين المادية والمعنوية، ولكون فن وتراث الملحون كان ولا يزال شكلا من أشكال التعبير السامية المرامي والأهداف.

إن الإهتمام الملكي ليس وليد اليوم، فقد كان تراث الملحون ولايزال ذا قيمة لدى مختلف فئات الشعب المغربي من سلاطين ومثقفين ورعية، فهو فسحة الشعراء، ومتعة الأمراء وبهجة المولوعين. وهو ما نلمسه في جملة من الرسائل والمخطوطات التاريخية المنوهة بشعر الملحون وشعراءه، لعل ابرزها الرسالة الملكية السامية للمغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله تراه، للعلامة محمد الفاسي رحمه الله عقب إصداره لمجموعة كتب تهتم بالملحون وشعرائه تحت عنوان معلمة الملحون. هو إهتمام يؤكد على تشبت المغاربة ملوكا ورعية بتراثهم واعتزازهم وفخرهم الدائم بهويتهم الثقافية والتاريخية العريقة.

لكن الملاحظ أنه رغم كل ما يتضمنه تراث الملحون من أبعاد فنية، ثقافية وتاريخية متجذرة في عمق العراقة والأصالة المغربية، ورغم المجهودات المبذولة من طرف بعض الجهات للنهوض به وصونه، لا يزال في حاجة إلى تظافر جهود كل المتدخلين من جهات وصية وفعاليات جمعوية وممارسين، للنهوض به وإنجاح مشروع إدراجه ضمن لائحة التراث العالمي، كتراث إنساني لا مادي يوازي بين الإرث الشعبي والإمتداد الثقافي، ويحقق التنمية والتطور الإقتصادي والإجتماعي.

"فتطور الدول لا ينبغي أن يخضع لأي تنقيط أو تصنيف؛ وإنما يجب التعامل معه كمسار تاريخي، يقوم على التراكمات الايجابية لكل بلد، ويحترم خصوصياته". (مقتطف الخطاب الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده إلى المجتمعين في الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة).

 

ولعل من أبرز النقاط التي يجب العمل عليها :

1 ـ الدفع بعجلة تجميع دواوين شيوخ الملحون وطبعها اعتمادا على خزانات جميع المهتمين بتجميع القصائد وكذا الشيوخ الذين يحفظون القصائد عن طريق الحفظ؛ وفي هذه العملية، - أي جمع النصوص وتنقيحها وإصدارها- إغناء للخزانة التراثية الوطنية وكذا إعادة الاعتبار لشيوخ الملحون، منهم (الحفاظة) و (النساخة) الذين ساهموا بشكل جلي في صون هذا التراث وحفظه من التلف؛ كما ستكون بمثابة الحل الأنجع لقطع الطريق على كل من سولت له نفسه نهب وسرقة موروثنا العريق.

2 ـ خلق لجان متكاملة من باحثين وشيوخ متمرسين لهم من الخبرة ما يؤهلهم لجمع وتصحيح وتنقيح وتحقيق قصائد الملحون، على اعتبار أن هذه النصوص بالإضافة إلى قيمتها التراثية والفنية هي أيضا ذات حمولة تاريخية تحمل في ثناياها توثيقا وتأريخا لحقب مضت من التاريخ المغربي المجيد.

3 ـ تنظيم ندوات وطنية وجهوية تناقش وتحلل وتتدارس فن الملحون، ماضيه وحاضره و مستقبله.

4 ـ خلق إطار أو هيئة وطنية موحدة تضم كل المهتمين بالملحون من شعراء ومنشدين وباحثين...، تعمل على تأطيرهم وتوحيد صفوفهم، وخلق أرضية موحدة بينهم وبين الجهات الوصية للعمل معا على دعم والنهوض بهذا التراث المغربي العريق.

5 ـ تحفيز الشباب على الإبداع وتشجيع الشعراء المعاصرين من خلال طبع دواوينهم وتنظيم مسابقات وأمسيات تراثية خاصة بهم على غرار ما تشهده العديد من الدول لحفظ موروثها الثقافي الشعبي.

6 ـ رعاية المهرجانات ودعم الجمعيات التي تسعى إلى إعادة بعث هذا الموروث سواء من خلال تشجيع أنشطتها الموسمية أو تكريمها وطنيا لتحفيز باقي الجمعيات على حذو سبيلها.

7 ـ الاعتراف برجالات الملحون شعراء، موسيقيون، منشدون، باحثون...؛ ولو من خلال منحهم بطاقات مهنية شأنهم شأن باقي ممارسي الفنون الأخرى بمختلف الدول التي تهتم بفن وتراث شعوبها.

تبقى هذه بعض النقاط الأساسية التي لا يمكن بدونها الحديث عن صون وحفظ تراث الملحون وتأهيله ليبلغ المكانة التي يستحقها ويرقى لها كديوان للمغاربة يجسد تعلقهم بثقافتهم وإرثهم التاريخي العريق.

 

أبيات من قصيدة :"حقّْ الفَنّْ" من ديوان شيخ الملحون محمد الكزولي:

*يـا السَّايـلْ عـنْ حـالْ الْـفَـنّْ كِـي جـرى لــوُ؟*

*سـالْ عـنُّـو مْـنْ جَـعـلْ سـفَـاه فَـايْـقْ عـلَاه*

*حَـقّْ نَـاســو ســاســو سـاســو نْــهَـــدّْ كُــلُّــو*

*زَاد هَــدُّو مْـنْ جــابْ عــدُوه قَـالْ يْـرعــاه*

*وْ الّْـذِي سـالْ عـلِـيـه يْـشُـوفْ حـالْـت اهْـلُــو*

لَا مْـنْ يْـنُـوبْ عـلَـى مْـنْـكُـوب لِـــيــهْــمْ الله*

*هَــا جْــوَابِـي لَلــدَّاعـي بْــالْــبْــهُــوت "الْـعـلُـو"*

*لَا مْـــزِيَّــــة فْــالْــفَـــنّْ اِلَا تْـــهَـــانْ مُــــولَاه*

*لِـيـس مْـنْ دُونْ الْـوَاصِـي قَـادر يْـشْـفْـع لُـو*

*بْـالْـعـنَــايَـة يْـرفَـع شَــانُــو يْـعـود لْــبْــهــاه*


الشيخ محمد الكزولي، شاعر الزجل والملحون....باحث في التراث المغربي

 

الزميل أحمد فردوس والشاعر محمد الكزولي