رشيد التامك: من الخطأ أن نرهن التنمية في إقليم أسا الزاك لاعتبارات ذاتية وهذا موقفنا من التحفيظ والاستثمار

رشيد التامك: من الخطأ أن نرهن التنمية في إقليم أسا الزاك لاعتبارات ذاتية وهذا موقفنا من التحفيظ والاستثمار رشيد التامك، رئيس المجلس الإقليمي لأسا الزاك
في هذا الحوار مع رشيد التامك، رئيس المجلس الإقليمي لآسا الزاك، يتحدث عن موقفه بخصوص الوقفات الاحتجاجية التي يعرفها الإقليم الحدودي مع الجزائر لما يعرف بتحفيظ الأراضي، مؤكدا أن إقليم أسا الزاك قطع مع الأعراف التي كان يحتكم الناس إليها في منتصف القرن الماضي، فاليوم هناك دولة قائمة على المؤسسات وتحتكم لقوانين مدنية..
 

يشهد إقليم أسا الزاك منذ أسابيع، وقفات احتجاجية رفضا لما يعتبره المحتجون، عن رفض قبائل أيتوسى تحفيظ أراضيها، ما حقيقة الأوضاع، وأنت رئيس المجلس الإقليمي؟
دعني أولا أعطي نبذة لقراء جريدة "أنفاس بريس" عن أسا الزاك، هذا الإقليم الحدودي مع مخيمات تندوف في الأراضي الجزائرية، لقد أحدث الإقليم بمناسبة الزيارة الميمونة والتاريخية للملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله، لآسا بتاريخ 19 ماي 1991، وهو يمتد على مساحة 27 ألف كيلومتر، ويوجد، كما قلت، على الحدود المتاخمة للجزائر شرقا، وإقليم السمارة جنوبا، وهو إقليم بمميزات طبيعية ومناخية، تشكل، في تقاطعها فُرصا، وفي نفس الوقت ترفع تحديات استراتيجية أمام التنمية وجلب الاستثمار في ظل الاستقرار.
بالعودة لسؤالك، حول ما يجري على الأرض، وما تتناقله بعض منصات التواصل الاجتماعي، ومن يسمع هذه النقاشات الدائرة، من خارج الإقليم، بخصوص مسطرة تنظيم العقار وتصفية الوعاء العقاري الموجه لجلب الاستثمار، قد يتصور أن الأمور خارج السيطرة، وهذا ناتج عن عدم الفهم في البدء، مما يترك التباسا ما للمتتبع بشكل عام، غير أن الأمر في حقيقته، يتعلق بتقاليد ومُعتقدات مُسيطرة، تعارف عليها الناس في الماضي، لتدبير بعض شؤونهم، لا سيما ما يتعلق بالحدود بين القبائل، وتقسيم الأراضي، للاستغلال الزراعي أو الرعي والانتجاع..

هذه الاحتجاجات أخذت طابعا قبليا في التعبئة، وكيف أن أيتوسى، حسب الواقفين وراء هذا الاحتجاجات، ضحت بدمائها، دفاعا عن الوحدة الترابية، وهي تقف اليوم رافضة تحفيظ أراضيها..
صحيح أن غالبية سكان الإقليم هم من قبائل أيتوسى، لكن هُناك مكونات قبلية أخرى تجمعنا بها علاقات دموية وتاريخية عميقة تسكن الإقليم، يسري عليها ما يسري على غيرها من الحقوق والواجبات. أما التعامل مع الرأي بقبول أو رفض تحفيظ الأراضي، والرأي الآخر الذي يدعو إلى احترام التقسيم الإداري والقبلي الذي نصت عليه الوثائق التي يعود بعضها إلى عام 1936 ميلادية، فهذه مسطرة لها مسارها، لا يملك أحد التدخل فيه.

أنت رئيس مجلس إقليمي وتمثل الساكنة، هل تعارضون كمنتخبين إرادة من يقفون اليوم أمام مسار تحفيظ الأراضي لغرض الاستثمار؟
نحنُ لسنا في منتصف القرن الماضي، حين كان يحتكم الناس إلى الأعراف في (أيت أربعين) وغيرها، وهي بالمناسبة جزء من تاريخنا الذي نفتخر به. ولكن نحنُ اليوم أمام دولة قائمة على المؤسسات وتحتكم لقوانين مدنية، تعرف مصلحتها ومصلحة مواطنيها.
ثم إننا نسمع أن هُناك من اختار اللجوء إلى مسطرة للطعن في تحفيظ الأراضي، بمبررات لا يحق لي مناقشتها، مادام الأمر مطروحا على القضاء باعتباره سلطة دستورية مستقلة.
إلا أنني سأكون واضحا معك في الدفاع عن المصلحة العامة، لأنني كواحد من المنتخبين، ملتزمون بإبلاغ صوت ساكنة إقليم آسا الزاك، إلى كل من يهمه الأمر، لجعلهم أمام مسؤولياتهم لمساعدتنا على تحقيق التنمية وجلب الاستثمار، وخلق فرص العمل لمجموعات العاطلين من أبناء وبنات الإقليم، من حملة الشهادات وغيرهم من الفئات الإجتماعية من المتقاعدين، وأعني منهم تحديدا المعيلين للأسر وأبناء الشهداء والأرامل والمطلقات والأشخاص في وضعية إعاقة..

طيب، ما المطلوب من مؤسسات الدولة التي لها ارتباط بملف الأراضي؟
الدولة قادرة على إبداع حلول أخرى تُكمل الإطار القانوني للاستثمار، بتفعيل مسطرة التحفيظ الجماعي أو الجماعاتي، موازاة مع مسطرة التحفيظ العادية، لخلق فئة فلاحية متوسطة، وتشجيع الشباب على الاستثمار في مختلف جماعات الاقليم. هذا هو ما يتعين أن نُدافع عنه جميعا.. أما أن نرهن التنمية في الإقليم لاعتبارات ذاتية أحيانا، فهذا سيكون من باب التقدير الخاطئ لتحديات ورهانات وإكراهات العيش اليومي لغالبية السكان الذين يواجهون ضروريات الحياة بصبر وتحمل.

ومع ذلك، أنت ممثل الساكنة، وما يؤاخذ عليك وسائر المنتخبين، وفق ما اطلعت عليه " أنفاس بريس"، هو انحيازكم لطرح المؤسسات المعنية بالتحفيظ، هل هناك حرج في الانضمام لمطالب المتضررين، ولماذا هذا التحفظ الشديد وكل هذا الحذر في التعامل مع هذا الملف؟
على العكس تماما نحن نقدر ثقتهم فينا، ولكن يجب أن نعي بعمق على أي ارضية نقف في هذه اللحظة السياسية، فالظروف والتطورات التي تمر منها قضية الوحدة الترابية، والسياق الذي نتحرك فيه وفي مقدمتها اجتماع مجلس الأمن الدولي في نهاية شهر أكتوبر 2022 لمناقشة قضية الصحراء المغربية وغيرها من المستجدات الأخرى، تفرض علينا كفاعلين ومجتمع مدني، على اختلاف مشاربنا أن نكون على درجة عالية من اليقظة، واستحضار كل المحاذير لأن أي منزلق أو تجاوز قد يكون بمثابة الشرارة التي تحرق المزرعة ككل كما يقال.
ولذلك كما يؤكد على ذلك دائما الملك محمد السادس، ضرورة تحصين الجبهة الداخلية والحفاظ على تماسكها من خلال اتباع أسلوب الحوار الهادئ والرصين لمعالجة القضايا الخلافية والمشاكل القائمة مهما كانت الصعوبات، في إطار رؤية مشتركة وعقلانية تخدم مصالح الإقليم وتؤسس لمستقبل الأجيال المقبلة.
 
بالموازاة مع الاحتجاجات الميدانية، وعشية تنظيم الموسم الديني لزاوية أسا (ملكى الصالحين)، هناك دعوات للبعض، كون الحرص على التنمية لا يستقيم مع ما يعتبرونه تبذير الأموال في هذا الموسم، بل ومن دون فائدة تُذكر، في تقديرهم، هل كان لزاما تنظيم هذا الموسم في ظل هذا التوثر الاجتماعي؟
هذا نقاش، يثار بين الفينة والأخرى في وسائل التواصل الاجتماعي لدى جزء من بعض الفاعلين في فروع الاحزاب المحلية، وهو شئ طبيعي لأنه مرتبط بالتدافع السياسي والانتخابي، ولكنه أحيانا كثيرة يتأثر بالحسابات الذاتية الضيقة مما يفقد هذا الرأي، التوازن والموضوعية.
في ملمح مختصر يُقام الموسم الديني لزاوية آسا في هذه الربوع منذ أزيد من 700 عام. ومن الطبيعي أن يتطور مع الزمن ليرتقي إلى مستوى يجعله رافعة للتنمية في الإقليم، وليس عالة عليها.
ملكَى الصَّالحين، تعبير مُتجدد من التعبيرات اللامادية المهمة، وقد بات، بفضل تظافر الجهود، يحتل موقعا مُعتبرا في سجل التراث اللامادي للإنسانية، على المستوى الوطني أولا، ثم على مستوى العالم الإسلامي، بعض تصنيف الإيسيسكو، ثانيا، ثم على المستوى العالمي، قريبا، بإذن الله.
فهذه المعلمة التاريخية والدينية والثقافية والاقتصادية والسياحية، بما راكمته وما حققته من إشعاع وطني وقاري ودولي واسع لم يعد واجهة لاقليم اسا الزاك فقط، ولكنه واجهة سياحية استراتيجية للمملكة المغربية في تقديم صورة مثالية للتنمية والتطور والديمقراطية الذي يعرفهم المغرب. ويعِدُ بمستقبل أفضل للإقليم بالنظر لموقعه الاستراتيجي والتاريخي، يحتاج لتظافر الجهود والارادات الصادقة ليكون منارة حضارية وسياحية عالمية وملتقى الثقافات والحضارات.
وبصفتي رئيسا للمجلس الإقليمي لآسا الزاك، أود أن أتوجه بالشكر والتقدير في الختام لكل الهيئات والمؤسسات الداعمة، التي تثق في المؤسسة التي تسهر على تنظيم الموسم الديني السنوي، مُتمنيا أن نبقى جميعا عند حسن ظن مولانا الملك محمد السادس، متعه الله بالصحة والعافية وطول العمر.