فؤاد زويريق: يقرأ فيلم ''البرقع'' الذي يشارك في مسابقة المهرجان الوطني للفيلم بطنجة

فؤاد زويريق: يقرأ فيلم ''البرقع'' الذي يشارك في مسابقة المهرجان الوطني للفيلم بطنجة فؤاد زويريق وملصق فيلم ''البرقع''
شاهدت لوحيد السانوجي كمخرج كل أعماله تقريبا بما فيها فيلمه الطويل ''الطريق إلى الجنة''، واليوم شاهدت له فيلمه الروائي القصير ''البرقع'' الذي يشارك في مسابقة المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وحيد السانوجي يقيم بهولندا ورؤيته في افلامه تتبنى الدفاع عن حقوق الأقليات وإظهار بعضا من العنصرية التي يعاني منها المهاجرون وخصوصا من المسلمين، هذا لا يعني أنني أتفق معه في هذا الطرح أم لا، فما يهمني في أعماله أكثر هو كيفية الاشتغال على الموضوع وكيفية معالجته، فكريا وتقنيا وفنيا، الفيلم القصير ''البرقع'' هو نموذج يحيلنا إلى القالب الفكري الذي تبناه المخرج منذ انطلاقته الاولى في ميدان الإخراج، الذاتية والحضور المكثف لمواضيع الهجرة.
حاول هذا الفيلم أن يعطينا في أقل من ثمان دقائق لمحة عن المجتمع الهولندي ككل من ناحية التعايش، لحظة وجيزة جدا في قاعة الانتظار الخاصة بعيادة طبيب الأسنان لخصت كل شيء، سيدة هولندية لم تتقبل وجود سيدة مسلمة ببرقع في نفس القاعة، فبعد دخول هذه الاخيرة مع ابنها الى غرفة الفحص، أفرغت السيدة الهولندية كل ما بداخلها من مشاعر سلبية اتجاه المهاجرين منتقدة إياهم بعنصرية حادة موجهة حديثها إلى رجل هولندي كان بدوره ينتظر على أساس أنه مثلها، هذا دون أن يصدر منه أي  رد فعل، لنتفجأ في الأخير بأنه زوج صاحبة البرقع وهذا ما صدم السيدة الهولندية، هذه هي العقدة في الفيلم وهناك تفاصيل أخرى فرعية دقيقة أحاطت بها حتى تعطيها واقعية ومصداقية أكثر. يمكنني القول في هذا السياق بان المخرج توفق في رسم ملامح شخصياته المتعددة والمختلفة في زمن وجيز معتمدا على التكثيف الذي يتطلبه مثل هذا الجنس السينمائي مستخدما فيه الاقتصاد في الحوار واللغة السينمائية. لن أقول ان هناك عمقا في الطرح بل بالعكس فالطرح بسيط والرؤية مباشرة وواضحة وموجهة، وهذا ماسيدفعني الى تصنيفه كفيلم اجتماعي توعوي أكثر منه فيلم إبداعي.
تقنيا الفيلم فيه احترافية متقنة، لكن فكريا ودينيا واجتماعيا فالبرقع أكثر من لباس هو رمز مثقل بالكثير من الأسئلة والمفاهيم والنقاشات... لا يمكن التطرق اليها ولو بعجالة في فيلم قصير، و البرقع لا يمكن استخدامه في عمل ابداعي دون هدف جدلي واضح الأبعاد،  المخرج اتخذ من البرقع عنوانا لفيلمه ولملصقه لكنه غاب بحمولاته المتشعبة، طبعا أنا لا أريد هنا أن أحمّل هذا العمل ببساطته وزمنه المحدود عبء فكرٍ وثقافة أعمق وأثقل مما يتصور البعض، فأنا على دراية أنه أراد استخدامه كرمز واضح للمهاجرات المسلمات، لكن في رأيي حتى هذا يمكن تفاديه بجعل السيدة مرتدية الحجاب فقط، فهذا أكثر إقناعا كونه الأكثر انتشارا فالبرقع يكاد يكون مختفيا في المجتمع الهولندي، وبالفعل تتعرض الكثير من المحجبات لمثل هذه المواقف، يعني إذا ما تغير البرقع بالحجاب فلن يتغير السياق العام في الفيلم بل لن يتغير أي شيء فيه، إلا إذا كان البرقع أداة استغلها المخرج لجلب اهتمام المتلقي وفضوله وإعطاء اختياره شيئا من التحدي والتمرد على السائد.   
 
كما لا ننسى أن في بعض الدول الاسلامية نفسها البرقع يشكل فيها هاجسا أمنيا، كما تتعرض النساء اللواتي ترتدينه لمثل هذه المواقف العنصرية أيضا، وقد حضرت شخصيا لموقف مثل هذا حصل أمامي قبل سنوات في مكتب من مكاتب اتصالات المغرب بمراكش، يعني أن هذه ''العنصرية'' اتجاه البرقع تحصل أيضا في الدول الاسلامية فهي ليست مقتصرة على المجتمع الهولندي فقط، لكن على العموم يبقى الفيلم مقبولا كفيلم توعوي رغم احترامه لكل قواعد وآليات الاشتغال في الأفلام الروائية القصيرة، ورغم المجهود الواضح والإحترافي الذي قام به مخرجه تقنيا وفنيا.