وقال في حوار مطول مع "الوطن الآن" و "أنفاس بريس"، أن الجمهورية الصحراوية، أو بالأحرى جبهة البوليساريو كيان لا يتوفر على سمات الدولة ذات السيادة، بل عامل مزعزع لأمن المنطقة واستقرارها، ساهم الاعتراف الدولي به في توتر وجمود العلاقات الثنائية للمغرب مع بعض الدول والمنظمات الإفريقية.
ليخلص إلى أنه يجب على الاتحاد الافريقي ممارسة الضغط على الجمهورية الصحراوية للانسحاب وفق الاجراءات القانونية، أو تعديل القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي بهدف النص صراحة على طرد واستبعاد الدول الأعضاء كإجراء جزائي أو وقائي:
مع توالي الاعترافات بمغربية الصحراء خصوصا من داخل الاتحاد الإفريقي وسحب الاعتراف بالجبهة، هل يمكن القول أن الخناق التنظيمي بدأ يشتد على هذا الكيان من حيث مشروعية وجوده في هذا المنتظم القاري؟
توحي التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها القارة الإفريقية، إلى جانب اعتراف كل من إسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية بمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتباره الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع المفتعل، ببداية نهاية ما يعرف بالجمهورية الصحراوية، لتراجع عدد الدول الإفريقية المساندة للطرح الانفصالي، بإعلان بعضها مساندة الحكم الذاتي، بينما لا زالت أخرى تتردد، أو تعرف انقساما في الموقف، ونشير هنا إلى تنزانيا وتشاد وكينيا وغانا، وحتى نيجيريا التي تشهد صمتا بخصوص تجديد موقفها، يثير حفيظة الجزائر، لاقتراب أبوجا من تشكيل تحالف مع المغرب قائم على الاحترام المتبادل، وشراكات مربحة بين البلدين، مثل أنبوب الغاز. وتوالي المواقف الإفريقية المساندة المؤيدة لمبادرة الحكم الذاتي، يساعد المغرب في بلوغ النصاب القانوني لتعديل القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، تمهيدا لطرد «جمهورية البوليساريو» وينزع المشروعية عن وجودها داخل الاتحاد الإفريقي، تحت مسمى «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية». بالعودة إلى سياق انضمام الجبهة للاتحاد الإفريقي، سنة 1984 بنيروبي، هل يمكن القول أن الظروف اليوم تغيرت وأضحى من اللازم إعادة النظر في عضوية هذا الكيان؟
بعدما حصلت على اعتراف العديد من الدول الإفريقية بها كدولة، استطاعت "جمهورية البوليساريو" أن تنضم لمنظمة الوحدة الإفريقية (التي يعد المغرب من أبرز مؤسسيها)، في العام 1984، وقد تمت العملية في ظروف إيديولوجية تختلف جذريا عما تشهده إفريقيا في الوقت الراهن، كما استغلت الجزائر حينها دعمها لحركات التحرر الإفريقية المناضلة ضد الاحتلال الأوروبي، لتكسب ود بعض مثل أنغولا والموزمبيق لدعم البوليساريو، لكن تغيير الظروف في الوقت الراهن، حيث غيرت العديد من الدول مواقفها حيال القضية الصحراوية (بوروندي، مدغشقر، ساوتومي وبرينسيب، السيشل والرأس الأخضر)، نظرا للحضور القوي للمغرب بالقارة الإفريقية، وعلاقاته القوية التي تربطه بالعديد من الدول، نتيجة توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي والاستثمارات الضخمة، في ظل سياسة جنوب – جنوب، وكذلك تقديمه لمبادرة الحكم الذاتي، أصبح من الضروري إعادة النظر في عضوية جمهورية البوليساريو بالتكتل القاري، للحفاظ على هذه المكاسب، ولتصحيح خطأ تاريخي تم في ظل ظروف أيديولوجية، واستمر نتيجة لغياب المغرب عن منظمة الوحدة الإفريقية خلال عملية الاستخلاف التي تمت بينها وبين الاتحاد الأفريقي. كيف يمكن الحديث عن الطرد كجزاء أو إجراء وقائي توقعه المنظمة الدولية الحكومية ضد الدول الأعضاء بها لإنهاء صفتها القانونية نهائيا؟
تنتهي عضوية الدول في المنظمات الدولية إما عن طريق الانسحاب بإرادتها المنفردة كما هو وراد في المادة 31 من القانوني التأسيسي للاتحاد الإفريقي، ويكون ذلك بإرادة الدولة المعنية، وسبق للمغرب أن مارس ذلك في العام 1984 بانسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية. وكذلك تجميد/ تعليق العضوية الذي تطالب به الدولة العضو أو توقعه عليها المنظمة الدولية، بصفة مؤقتة، ونشير هنا إلى أن الاتحاد الإفريقي علق عضوية العديد من الدول بسبب الانقلابات العسكرية، مثل السودان غينيا بيساو (2012) وجمهورية إفريقيا الوسطى ومصر (2013). بالإضافة إلى الطرد، وهو إجراء وقائي أو جزاء توقعه المنظمة على عضو ما، لتجنب التبعات المهددة لعملها، أو لقيام عضو ما بعمل مخالف لقواعد القانون الدولي الآمرة، خاصة الاتفاق المؤسس لها، كاحتلاله لإقليم دولة أخرى، أو استخدام القوة المسلحة ضد سلامة أراضي دولة أخرى.
وبالتالي فطرد جمهورية البوليساريو يعد إجراءا وقائيا يجنب الاتحاد الإفريقي صداما بين المغرب وحلفائه المساندين لسيادته على الصحراء، ومحور الجزائر نيجيريا جنوب إفريقيا، وباقي الدول المعترفة بجبهة البوليساريو من جهة ثانية، فالصدام من شأنه أن يشل المنظمة وتصبح أجهزتها بدون فعالية، لاسيما في ظل التقدم الملموس الذي حققه المغرب، ورد الجزائر باتباع سياسة في القارة الإفريقية، تهدف محاصرة المغرب إقليميا، وإقناع الدول الإفريقية بعدالة قضية جبهة البوليساريو وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، مستندة إلى دعم بريتوريا، للتأثير على عدد من دول الاتحاد لتصبح طرفا في النزاع، مثل الموزمبيق وزيمبابوي وبوتسوانا، ومحاولتها توجيه مجلس الأمن والسلم الإفريقي ضد المغرب لخدمة الطرح الانفصالي. هل يمكن الحديث عن أسباب طرد جبهة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي؟
للقيام بتصرف قانوني لابد من أسباب، والأسباب الموجبة لطرد الجمهورية الصحراوية أو بالأحرى جمهورية البوليساريو من الاتحاد الإفريقي عديدة، بعضها يرتبط بعدم توفر هذا الكيان على أركان الدولة من إقليم وسكان وسلطة واعتراف دولي، وأخرى تستند إلى التصرفات التي تقوم بها جبهة البوليساريو باعتبار الأمين العام للجبهة وكوادرها هم المسؤولون في الدولة الصحراوية المزعومة، حيث مارست منذ ثمانينيات الإرهاب ضد البحارة الإسبان، ونشاط أعضائها بارز في عمليات التهريب بمنطقة الساحل والصحراء ومع الجماعات المسلحة، إلى جانب تأثير وجودها على التكامل الإفريقي- الإفريقي الذي يكون المغرب أحد أطرافه، فهذه أسباب كلها تدفع المهتم إلى الحديث عن هل يجب طرد جمهورية البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، لخدمة مصالح إفريقيا والأفارقة، لأن تكلفة بقاء هذا الكيان بأروقة الاتحاد الإفريقي أكثر من طرده. ما هي الإمكانيات القانونية التي تسمح بطرد هذا الكيان؟
بما أن القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي لا ينص على طرد الدول الأعضاء، فطرد جمهورية البوليساريو من المنظمة يحتاج إلى ضرورة تعديل القانون التأسيسي، ونشير هنا إلى تعديل المادة 29 الخاصة بالعضوية، بحيث تصبح العضوية في الاتحاد تشترط أن تكون الدولة إفريقية، ولها استقلال فعلي على إقليمها الجغرافي، بحيث تكون لها القدرة على تحمل الالتزامات الموجبة عليها بمقتضى القانون التأسيسي، كما يمكن اشتراط العضوية في الاتحاد الإفريقي أن يكون طالب العضوية عضوا في الأمم المتحدة. وكذلك المادة 31 الخاصة بإنهاء العضوية، التي نصت على الانسحاب فقط، متجاهلة خيار الطرد، والأمر هنا لا يبدو مجرد صدفة، بل لتتجنب الدول الداعمة لجبهة البوليساريو طردها من الاتحاد الإفريقي. لذا على المغرب وحلفائه القيام بموجب المادة 32 العمل على تعديل القانون التأسيسي، وإضافة الطرد، لكن المسألة تحتاج لأغلبية الثلثين، وبما أن عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي هو 55 دولة، فتعديل القانون التأسيسي يحتاج موافقة أزيد من 36 دولة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدول الداعمة للمغرب سوف تدافع عن المقترح، فالمغرب حتى الآن يسانده حوالي 30 بلد، لكن الإشكالية التي تثار أن هذه الدول قد تغير مواقفها، بالإضافة إلى أن بعض الدول عضويتها مجمدة، وهذا يصب في صالح المغرب عندما تكون دول داعمة للطرح الانفصالي، والعكس، كما يمكن أن تؤيد بعض الدول من خارج الدول المساندة للمغرب مقترح تعديل القانون التأسيسي، ونشير هنا إلى الدول المحايدة مثل موريتانيا الكاميرون مالي تونس.
وللإشارة فالمغرب من شأنه أن يستغل إعادة إصلاح هياكل الاتحاد الإفريقي، لدعم جهوده في تعديل القانون التأسيسي لكنه يحتاج لدعم حلفائه لتضمين الطرد، وحتى يحصل على النصاب القانون لتعديل القانون التأسيسي ليتضمن الطرد، فالدبلوماسية المغربية مطالبة بالانفتاح على الدول المحايدة والمساندة للطرح الانفصالي، مثل أنغولا وأوغندا والموزمبيق، ومحاولة العمل على إقناعها لمساندة مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. إلى جانب السبل القانونية المنصوص عليها في القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي، هل يتعين على المغرب الدخول في حملة لإقناع الأعضاء لمسايرة هذا الطرح؟
فعلا، إلى جانب تعديل القانوني التأسيسي، يمكن للدول الإفريقية الرامية إلى طرد البوليساريو وليس المغرب فقط، القيام بحملة ضغط على الدول الداعمة لها، لطردها من الاتحاد الإفريقي، بوصفها كيانا يفتقر لمقومات الدولة، معلن من طرف واحد، وأن وجودها استثنائي في الساحة الدولية، فالكيانات المشابهة لها مثل جمهورية قبرص التركية (الشمالية) وجمهورية أرض الصومال وتايوان ليست عضوا بأي منظمة دولية حكومية، بالإضافة إلى تبعيتها للجزائر، وأن وجودها في الاتحاد الإفريقي أبعد المغرب البلد البارز في إفريقيا ومحيطه المتوسطي في العديد من المجالات لاسيما مكافحة الإرهاب عن التكتل القاري، وبالتالي فوت على دول القارة الاستفادة من خدماته، والحملة هذه أمر وراد كونها تعبر عن قناعة الدول الأعضاء لكن نجاحها تعترضه صعوبات، لكنها تجنب المغرب جهود تعديل القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي ثم تقديم مقترح طرد جمهورية البوليساريو لاحقا، فقد سبق في العام 2016 أن طلبت حوالي 28 دولة بطرد جمهورية البوليساريو. ما هي المجالات الجغرافية للدول الإفريقية، فرنكوفونية، أنجلوسكسونية.. التي يمكن أن تكون داعمة لطرد الجبهة؟
حظى المغرب بدعم من دول إفريقية تنتمي لمختلف المجالات الجغرافية الفرانكفونية والأنجلوسكسونية، كما هو الشأن بالنسبة للدول المساندة للطرح الانفصالي. ففي شمال القارة نجد مصر من أبرز الداعمين للمغرب، عكس الجزائر الحاضن الرئيسي للجبهة، إلى جانب بعض الدول المحايدة أو التي لم تعلن موقفها مثل ليبيا وموريتانيا، أما في الغرب الإفريقي فقد استطاع المغرب أن يحظى بدعم جميع دول المنطقة التي يغلب عليها طابع الفرنكفوني تتقدمها السينغال وساحل العاج وغينيا كوناكري وبوركينافاسو، مع حضور بارز للدول ذات التوجه الأنجلوسكسونية مثل ليبيريا وسيراليون، بينما تعد نيجيريا من أبرز خصوم الوحدة الترابية بالمنطقة، وغانا المترددة، وحياد دولة مالي. كما استطاع المغرب أن يحصل على دعم جميع دول وسط القارة التي يغلب عليها الطابع الفرنكفوني، مثل الغابون والكونغو الديمقراطية، باستثناء أنغولا الداعمة لجبهة البوليساريو وموقف الكاميرون المحايد. أما شرق القارة حيث يحظى المغرب بدعم العديد من الدول مثل جزر القمر وملاوي ومدغشقر وجنوب السودان، فيمكن القول إن الدبلوماسية المغربية تعمل على إقناع بعض دول المنطقة الداعمة لجبهة البوليساريو مثل إثيوبيا وتنزانيا والموزمبيق بدعم مبادرة الحكم الذاتي، على شاكلة ما حصل في كينيا، في حين تعد أوغندا ذات التوجه الأنجلوسكسوني من أبرز الداعمين للطرح الانفصالي. لكن جنوب القارة بقيادة جنوب إفريقيا، لا زال من أبرز المساندين للطرح الانفصالي، حتى الآن تعد كل من مملكتي ليسوتو وإسواتيني وزامبيا الدول الداعمة للمغرب، وبالتالي فالمصالح هي التي تحدد مواقف الدول وليس انتمائها الجغرافي والتوجه السياسي، ما يتيح للمغرب فرصة العمل على إقناع جميع الدول بغض النظر عن انتمائها، إلا أنه يضع عقبة أمامه بخصوص الدول التي ترى فيه مهدد لمصالحها الاقتصادية وينافسها، مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا. ما الذي يمكن أن يربحه المغرب من طرد هذا الكيان؟
طرد جبهة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي يمكن المغرب من إنهاء الصفة القانونية لجمهورية البوليساريو في التنظيم الإفريقي الرئيسي، وهي الخطوة التي تمنحه تقدما ملموسا في دعم وتقوية مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وإنهاء حلم الانفصال في الرأي العام الإفريقي، وكذلك المطالبة بتسوية القضية الصحراوية ضمن أجندة الاتحاد الإفريقي، كما يلزم الطرد دول الاتحاد العمل مع البوليساريو كحركة تحررية انفصالية وليس كدولة، الأمر الذي يساعد المغرب في الترافع على القضية الصحراوية بأمريكا اللاتينية التي بدأت في العودة كمعقل لدولة البوليساريو مع صعود اليسار إلى الحكم، كما يحرك الطرد وضع اللاجئين بمخيمات تندوف، ويساعد على تسهيل حركتهم، بعبارة أدق إنهاء عضوية الجمهورية الصحراوية المعلنة من طرف البوليساريو، يعني بداية نهاية الاعتراف الدولي بالطرح الانفصالي، على أن تكون الضربة القاضية بإنهاء تواجده في أمريكا اللاتينية.