نبيلة منيب: المغرب في حاجة إلى "تسونامي يساري" لتحقيق التغيير الديمقراطي

نبيلة منيب: المغرب في حاجة إلى "تسونامي يساري" لتحقيق التغيير الديمقراطي

أرجعت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، تخلف حركة 20 فبراير عن غليانها الذي عرفت به في بداية انطلاقتها إلى خذلانها من قبل قوى اليسار التي وجدها الحراك وهي في شبه غيبوبة، مشتتة، مبلقنة والجانب الكبير منها منحاز إلى الحكم المخزني، مضيفة أن هناك أيضا مركزيات نقابية خيبت آمال الحركة إلى جانب أحزاب تحسب على الصف الديمقراطي. وأكدت منيب أن الحكم المخزني كان له دوره في هذا التراجع بمحاصرته لكل محاولات التقدم الديمقراطي، الأمر الذي يجعل الحاجة ماسة إلى تسونامي يساري قوي ومبني على أسس جديدة باستطاعتها تشكيل قوة فاعلة وضاغطة داخل المجتمع بنخب غير تلك الموجودة حاليا، والتي إما غارقة في الانتظارية أو تعيش أطوار الانتهازية

 

حاورها: المهدي غزال

 

+ كيف تُقيِّمين هذا المسار الذي امتد لثلاث سنوات على ميلاد حركة 20 فبراير والتي كنتم من المدافعين بل أشد المؤمنين بشعاراتها؟

- أرى بأنه من الضروري التذكير أولا بالسياق العام الذي خلقت فيه حركة 20 فبراير، والذي تحكم فيه ما يعرفه العالم من أزمة سوسيواقتصادية من خلال النظام النيوليبرالي أو ما يعرف بالعولمة المتوحشة وما أدت إليه من تدهور في الأوضاع الاجتماعية لدى العديد من البلدان. إذ سجل تراجع على مستوى الحريات في إطار ما يدعى بمحاربة الإرهاب، وتخوف من ضياع الحقوق المكتسبة، فضلا عن تفشي ظواهر العنف والعنصرية. الأمر الذي ظهرت معه الحركة كنتاج هذه الأزمة المركبة على غرار باقي الثورات والانتفاضات المعادية للاستبداد والفساد وغياب العدالة الاجتماعية.

+ لكن لماذا عجزت هذه الثورات عن بلوغ ما جاءت لأجله؟

- لأنه وفي الوقت الذي حل هذا الربيع الديمقراطي ليشكل نهضة للشعوب المنتفضة أو الثائرة، ووجه بمشروع آخر مناقض بهدف تفكيك المنطقة ككل وإبقائها في حالة التخلف. وذلك، بمساندة الأنظمة المستبدة لتلك البلدان، وكذا الامبريالية الصهيونية التي تدخلت من باب الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والتي سعت بكل ما أوتيت به من قوة ودهاء إلى إفشال هذه الثورات داخل بلدانها.

+ لنرجع إلى المغرب وموقعه من هذا الذي وصف بالربيع العربي..

- في المغرب حاولنا من خلال حركة 20 فبراير أن نجسد دفعة احتجاجية سلمية بمطالب سياسية واجتماعية محددة، همت الكثير من الجوانب في خضم نضال ديمقراطي على منوال ما حمله بالأمس القريب اليسار على عاتقه كقوة فاعلة ومعارضة فعلية في المجتمع. هذا الأخير الذي كان بالمناسبة مجتمعا مدنيا متقدما، يملك من الثقافة الديمقراطية وثقافة الاحتجاج ما يؤهله لأن يخرج البلد فائزا من معركة الحراك الاجتماعي هاته.

+ هذا ما حدث بالأمس القريب كما أسلفت، إنما ما يهم الآن هو الواقع الحالي لهذا اليسار والحالة التي وجده عليها الحراك..

- مع كل أسف، لما أتى هذا الحراك المجتمعي وجد يسارا مشتتا، يسارا مبلقنا، يسارا اختار جانب كبير منه الانحياز إلى نظام الحكم المخزني من أجل ضرب صعود التيارات الإسلامية. وهذا ما يدفعنا للاستفسار حول ما إذا كان هناك حقا مد إسلامي في المغرب أم هي أجندة ممنهجة تحرك من الداخل والخارج لاستغلال الدين في أفق محاربة أي محاولة لنهضة الشعب وبنائه الديمقراطي.

+ أيمكن الانتهاء إذن إلى أن اليسارخيَّب آمال حركة 20 فبراير أو بعبارة أوضح خذلها؟

- تراجع حركة 20 فبراير ساهمت فيه عوامل متعددة، أولها عدم إيجاد هذه الحركة منذ انطلاقتها ليسار قوي والذي يمكن أن نسقط عليه مثل «يفعل الجهل بصاحبه ما لا يفعله العدو بعدوه» ونقول «اليسار يفعل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه». خاصة وأن جانب كبير منه اختار الارتماء في حضن الدولة العتيقة بدل الانخراط في مشروع التغيير الديمقراطي. وليس القوى اليسارية فقط من خذلت الحركة بل أيضا مركزيات نقابية قوية كان من الممكن أن تشكل دعما متينا لها، فضلا عن أحزاب تحسب على الصف الديمقراطي. وبالمقابل، لا يجب أن ننسى بأنه كان للحكم المخزني فعله حين حاصر هذه الحركة بكل ما أوتي من قوة ودهاء إلى الحد الذي دفعها إلى التخلف بعد أن سلك استراتيجية الادعاءات الفارغة من أي محتوى عبر شعارات تحسين المستوى المعيشي وتغيير الدستور.. في حين أنه وعلى الرغم من احتواء هذا الأخير لبعض الإيجابيات والتي لا يمكن نكرانها، فإنه حافظ على توابث الحكم المخزني دون فصل حقيقي للسلط أوالاقتراب من السيادة الشعبية التي تتيح لنا وضع الأرجل في الطريق الصحيح للبناء الديمقراطي والعدالة الاجتماعية التي كانت شعار حركة 20 فبراير. ومشكلتنا هي أن النظام في بلادنا ظل ولازال يحارب ولوج أي قوة مضادة، مع العلم أنه يستحيل الوصول إلى بناء ديمقراطي دون سلطة مواجهة قادرة على الضغط من الشارع والمؤسسات حتى تؤثر بالشكل المطلوب، وتدخل المغرب لمسار الإصلاحات العميقة، إن سياسية أو مؤسساتية أو دستورية كإصلاح القضاء والتعليم الذي يعد المدخل الأساس.

+ يقول المثل إن النقد سهل لكن الفن صعب، وعليه كيف يمكن تحويل الأهداف والنوايا إلى وقائع ملموسة؟

- لا خيار من أجل ذلك عن اتخاذ المبادرة. فعلى اليسار أن يكون مبادرا ويحمل كل ذي مسؤولية مسؤوليته، وعلى رأسهم النظام المخزني أو الدولة العتيقة. لأن هذه الدولة وفي الوقت الذي تدعي الليبرالية والحداثة نجدها تغذي كل تجليات الفساد عبر القمع والتطويع والتخويف والترويض. لذلك، على اليسار أن يتسلح بجرأة المبادرة ويندد بمسؤولية الدولة في تخلفنا عن ركب الحضارة والديمقراطية. والإعلان بشجاعة كوننا لا نتوفر في المغرب على تعددية حقيقية، وأن عدد كبير من أحزابنا فاسدة وليس لديها ما تقدمه، بل على العكس تؤخر البلاد. مع الدعوة إلى رجة أو بالأحرى تسونامي يساري لمصالحة الإنسان مع إنسانيته، وتقليده مسؤولية الانخراط طالما أن لا أحد بإمكانه تغيير وضعه دون انصهاره في معركة التغيير الديمقراطي. وإلى جانب كل هذا، يستوجب على اليسار طرح الأسئلة الأساسية داخل المجتمع من قبيل طبيعة العلاقة التي يجب أن تربط الدين بالدولة، وسؤال العلمانية، والدولة المدنية، والديمقراطية، والمساواة بين الرجل والمرأة. وبذلك ستحرك هذه الجماهير المتأزمة من الظلم الاجتماعي والإقصاء والتفقير غير المسبوق.

+ ومع ذلك، أين هي الخطوات الواقعية والتي يستشف العمل المرئي منها؟

- الخطوات موجودة، وبدأناها بمشروع الفيدرالية الذي هو مشروع سياسي تنظيمي، اشتغلنا فيه مع إخواننا في أحزاب الطليعة والمؤتمر الوطني الاتحادي لنقوم بجولات إقليمية وجهوية تتخللها لقاءات جماهيرية. كلمتها المفتاح هي الانفتاح على المجتمع المغربي بكل شرائحه وفئاته في أفق بناء يسار على أسس وتوابث جديدة قوية وحداثية تقدمنا إلى تكوين جبهة ديمقراطية باستطاعتها تغيير موازين القوى. ومن ثمة، نقل اليسار من أقصى الهامش إلى موقعه الأصلي في المركز كحامل للمشروع الديمقراطي. فهذا ما نعمل عليه في الوقت الراهن ولو بأدوات متواضعة لكن بعزيمة قوية.

+ يبقى السؤال المطروح الآن هو هل هناك أمل في عودة الروح إلى جسد حركة 20 فبراير أم أنه شيع إلى متواها الأخير؟

- أكيد مازال الأمل لنهضة هذه الحركة وربما في أشكال متجددة، بالنظر إلى موجة الاحتجاجات التي تعرفها البلاد من طرف فئة واسعة من المقهورين، ونظرا لهذا الظلم الاجتماعي المتفشي والتبخيس المفتعل للعمل السياسي. ناهيك عن عجز الحكومة الواضح وعدم قدرتها على إيجاد الحلول المستعجلة لقضايا تخنق معظم المواطنين. بل حتى الاقتراحات التي تقدمها الآن من أجل ما تسميه «تجاوز العجز المالي أو الاقتصادي» تبقى اقتراحات ترقيعية بعد أن اختبرت في دول أخرى من قبيل أمريكا اللاتينية وغيرها وثبت فشلها، لكونها لا تؤدي إلا إلى المديونية المفرطة وارتهان السيادة الوطنية للمؤسسات المالية. مما يفضي إلى إلى تعميق الفوارق وزيادة التهميش المهدد للسلم المجتمعي.