حركية جديدة قلبت صفحات التاريخ لعهد تأسس فيه مجلس الجالية المغربية بالخارج حيث غلب الاندفاع عن تحكيم العقل والرصانة المطلوبة في أكثر من موقف.
فكثير من أبناء الجالية، اقتحموا النقاش العمومي دون معرفة سابقة لظهير تأسيس المجلس، ودون مراجعة شاملة لخطاب الملك محمد السادس للمسيرة الخضراء سنة 2007، بل أكثر من ذلك أن البعض أصيب بنوبة التمرد والسعار لأنه لم يحظى بمنصب بهذا المجلس وحتى كثير ممن لا يخدمون الجالية رفعوا أصواتهم عاليا للاحتجاج والاستخفاف بمجلس جعله ملك البلاد مجلسا استشاريا كمرحلة أولى حددها جلالته في أربع سنوات ما دام الأمر يستعصي لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة .
مشكلة الكثيرين سماعون ويدبرون أمورهم عن طريق القول وناقل القول، ما يجعلهم في وضع الشفقة عليهم، والأولى لهم الصمت بدلا من الصوت.
حقيقة المجلس مرتبطة بظهير ومرتبطة بتعليمات ملكية، وإرادة واختيار لأن المبادرة تدخل في ورش ملكي له تصوره وأهدافه وليس القفز على أسوار مجلس أراده ملك البلاد أن يكون مجلسا إستشاريا بجانبه ليدلي برأيه في العديد من القضايا التي تخدم الجالية المغربية والهجرة، فما علاقة المجلس الاستشاري بمغاربة الخارج حتى تقوم عليه قيامة الاحتجاج؟ وعلى ماذا يحتج البعض وهو مجلس لا يمثل مغاربة الخارج؟
يقول ملك البلاد في خطاب المسيرة الخضراء:" لذلك، ارتأينا اعتماد اقتراح الرأي الاستشاري، لصيغة مرحلية لانتداب هذه المؤسسة في تشكيلتها الأولى التأسيسية، لمدة أربع سنوات. والتزاما بموقفنا المبدئي، فإننا ندعو هذه المؤسسة الجديدة إلى أن تجعل في صدارة أعمالها إنضاج التفكير ووضع الأسس الصلبة لبلوغ الهدف الأسمى للانتخاب الواعي والمسؤول، وتوفير شروط المشاركة الواسعة فيه بدل ركوب الحلول التبسيطية."
انطلاقا من هذه القولة السديدة كان على أصحاب الإدغام الكف عن تأجيج الرأي العام بخطابات لا علاقة لها بالواقع، فالأربع سنوات انتهت مع دستور جديد الذي جعل للمجلس موقعا وموطنا تجلى في المكسب الدستوري في فصله 163 لكن الحكومات المتعاقبة عوضا العمل على تنزيل القانون التنظيمي حتى يتسنى للمجلس أن يلعب دوره كما خوله الظهير الشريف، لكن مع الأسف الشديد ومع عدم اتخاذ الحكومات ما وجب أخذه ‘فطالت المدة الزمنية إلى 15 عاما.
فحسب القانون والمعطيات ودستور المملكة، فمجلس الجالية استمر بتشكيلته الأولى التي أرادها الملك وهي دوره الإستشاري وما دام لم يصدر أي تعويض فيبقى الحكم هو الفصل 179 من الدستور قائما على كل المؤسسات، ما يعني أن صلاحية مجلس الجالية قائمة وليست منتهية الصلاحية.
من جهة أخرى لماذا هذا الكم من التعليق والاحتجاج على مجلس الجالية فحين أن هناك مؤسسات مكلفة بقضايا مغاربة الخارج لم تقوم عليها هذه الإنتقاذات التي تجاوزت السب والقذف والتشهير؟ أليس من الواجب أن تحتج الجالية على مؤسسة الحسن الثاني وبنك العمل ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومؤسسة محمد السادس المكلفة بمغاربة الخارج واللجنة الوزارية أم أن الأمر مقصود ومختزل في مجلس الجالية؟
فبعد خطاب ثورة الملك والشعب، أراد ملك البلاد من خلال كلمته بخصوص مغاربة الخارج أن تستقيم الأوضاع وأن تخرج الحكومة من جمودها لتنزيل الفصول الدستورية التي تهم مغاربة الخارج وكذلك تنزيل الفصل الدستوري 163 حتى تتوفر الإمكانات التي وعد بها ملك البلاد في خطاب المسيرة لعام 2007 والتي تكمن فيما أتى به الخطاب السامي:" وقد قمنا بإمعان النظر في توصيته، المرفوعة لجلالتنا، من ثلاثة منطلقات:
أولها: اقتناعنا بأن التمثيلية الحقة، إنما تنبع من الانتخاب، الذي سيظل صوريا، ما لم يقم على المصداقية والأهلية والتنافس الشريف وتعبئة مواطنينا المهاجرين.
ويقوم المرتكز الثاني، على استبعاد التعيين المباشر، لأسباب مبدئية، لأن الأمر يتعلق بهيأة تمثيلية، وليس بوظيفة إدارية أو منصب سياسي، لذلك، نعتبر أن الانتخاب يظل هو المنطلق والمبتغى في إقامة هذه المؤسسة.
أما ثالث المرتكزات، فيستند إلى تجاوبنا الموصول مع الآراء الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان اعتبارا لوجاهتها ونزاهتها. وانطلاقا من الدراسات المعمقة والاستشارات الموسعة، فقد أخذنا بعين الاعتبار، استخلاص المجلس، أنه من المجازفة ارتجال انتخابات عشوائية مفتقرة للضمانات الأساسية، للشفافية والنزاهة والتمثيلية الحقة، اللازمة لبلوغ الغاية النبيلة من قيام هذه المؤسسة المتخصصة في شؤون جاليتنا العزيزة المقيمة بالخارج " .
انطلاقا مما ورد في الكلمة السامية فالقادم هو تكريس انتخابات نزيهة وشفافة من أجل مجلس ستكون له الصفة التمثيلية بأعضاء منتخبين .