مهرجان موازين ينصف رموز العيطة بآسفي.. الزرهوني وعابدين

مهرجان موازين ينصف رموز العيطة بآسفي.. الزرهوني وعابدين

ما هو جديد شيوخ العيطة بمجال الحصبة؟ كيف هو حال الفنانين عابدين وجمال الزرهوني ومجموعتهم الفنية، وما هو جديدهم الفني والإبداعي، الغنائي والعيطي؟ كيف يتعاملون مع سوق الإنتاج المغربي؟ ماهي الإكراهات التي يعيشها الفنان الشعبي الملتصق بهموم المجتمع؟ وما هو السبيل للخروج من أزمة الإنتاج والإبداع الفني في مجال الأغنية الشعبية الجميلة ذات الروافد الإنسانية المنبثقة من رحم المجتمع المغربي... هذه مجموعة من الأسئلة الحارقة حملتها أسبوعية «الوطن الآن» بعد أن حطت الرحال بمدينة أسفي ومجالها البدوي المتعدد الروافد التراثية في لقاء تواصلي مع شيوخ العيطة...

 

إعداد: أحمد فردوس ومحمد قمار

 

على وجبة غداء من خيرات بحر أسفي السمكية الذي يجود بعطائه وسخائه وكرمه الدائم، استقبلتنا عائلة الزرهوني ببيت الشيخ المبدع جمال الزرهوني رفقة الفنان مرهف الحس والخجول صاحب أغنية «أش داني الورد» و«مولات البيت» و«يا اللي علمتيني نسهر علمني كيفاش نام».. الجميل عابدين مطوع الوتر والنغم، وصاحب الصوت الرخيم، بحضور الأستاذ حبيبي المندوب الإقليمي لوزارة الثقافة.

بيت جمال الذي يعتبره كل الفنانين والمبدعين «زاوية» و«محراب» و«محج» للإبداع الفني، ومختبرا لتلاقح وتبادل التجارب الفنية والموسيقية والغنائية، ولا يلجه إلا الراسخون والعاشقون لفن العيطة عبر ربوع الوطن. بصوته الجميل، ونظراته المحتشمة، الزاخرة بالعشق والهيام، استقبل «الوطن الآن» مطلا برأسه المرصع بالشيب، مبتسما كتقاسيم الفرح حين تصدح بين أنامله على آلة الوتر. كان الحديث معه ذا شجون، لم تَكْفِنَا فيه سويعات جلستنا الممتعة. مرت الدقائق تلتهم بعضها البعض في زحمة دروب الإبداع والعطاء، وبين منعرجات هم «الحرفة» و«الصنعة» تنفلت هموم شعب يريد البعض أن تظل أوتار أعصابه متوترة، بين من يشتغل من أجل الفن والإبداع والتراث الشعبي المتميز، وبين من يتلصص على الإبداع والفن ويسرق حقوق الغير، ويركب «عليها ملاطية»...

جلستنا برفقة آخرين من طينة الزراهنة، وطينة ذوي الروح اليقظة، المتشبعة برذاذ موج بحر أسفي وأبراجه الشامخة الشاهدة، سرنا على درب الحقيقة لنكتشف مسار مبدع ومعاناته مع واقع حال الفن العيطي والغناء الشعبي كتابة ولحنا وأداء.

 

قرصنة وسرقة الأغاني وتراجع الإنتاج

تحدث عابدين بألم وحرقة عن ظاهرة القرصنة التي اجتاحت كل ربوع الوطن، والترامي على حقوق المبدعين وما تعرض له شخصيا من «تدمير» من طرف بعض المتطفلين على الميدان الفني. مؤكدا أن الضربة الموجعة التي تلقاها كفنان من القرصنة والجسم الفني إجمالا لا يمكن السكوت عنها، حيث طالب بضرورة الإسراع لتفعيل كل القوانين التي تجرم الظاهرة، وحماية الفنانين من الأيادي القذرة التي تحارب استمرارية وجود أنماط غنائية شعبية قادرة على حمل مشعل الذوق الجميل والراقي. معتبرا أن التغاضي عن ظاهرة القرصنة هو بمثابة رصاصة الرحمة التي تخترق قلب المبدعين لقتل روح الإنتاج وخنق الفن الأصيل، وكل من يعتمد على نفسه في التواصل مع جمهور عريض داخل وخارج الوطن. الغريب في الأمر، يؤكد الفنانان عابدين وجمال الزرهوني، أن المغرب عرف تراجعا مهولا على مستوى شركات الإنتاج التي اختار البعض من أصحابها حقولا تجارية أخرى مبتعدين عن الإنتاج بعد أن أغلقوا شركاتهم بسبب القرصنة. فكيف يعقل أن تغلق أكثر من 34 شركة إنتاج أبوابها في وجه المبدعين والفنانين ولم يتبق سوى شركة واحد وهي شركة «صوت الناس» التي أضحت تقوم بعملية التوزيع لا غير للحفاظ على «شعرة معاوية» مع جمهور ذواق ومتعطش لإبداعات عابدين وجمال وشيوخ العيطة الحقيقيين، سواء داخل المغرب أو خارجه.

من جهة أخرى سافر بنا شيوخ العيطة الزراهنة عبر التاريخ لمسارهم الفني مستحضرين زمن الأشرطة (الكاسيط) في أبهى أيامه، حيث أكد عابدين أنه أنتج لوحده ما يفوق 46 شريطا، كلها عرفت رواجا منقطع النظير، بل أكد أيضا أن تلك الفترة كان بمقدور الفنان الشعبي أن يعيش متحملا كل مصاريف ومتطلبات المعيشة والحياة (كنا نسجل شريطا واحدا بقيمة 10 أو 8 ملايين سنتيم)، مقارنة مع زمن (السيدي/ القرص) الذي أضحى عبئا على المنتج والفنان، حيث أنه بمجرد أن تقوم بالتسجيل تجده في السوق السوداء بأبخس الأثمنة. واستطرد قائلا: «التعامل مع المنتج اليوم تلزمه ظروف التواصل مع جمهورنا العريض الذي يتابع أعمالنا ويطالبنا دائما بالإبداع».

 

تأسيس جمعية شيوخ العيطة لمواجهة الظاهرة

اختار شيوخ العيطة بأسفي مسارا آخر يرتكز على التواصل من داخل جمعية شيوخ العيطة التي تم تأسيسها مؤخرا (الرئيس هو جمال الزرهوني)، حيث ستجند كل طاقاتها الثقافية والفنية والتواصلية مع كل الفاعلين في الحقل الفني الشعبي للحفاظ على موروثنا الغنائي وتجديده وفق مقاربة فنية جديدة بشراكة مع المحيط المؤسساتي، هدفها الأسمى الاعتناء بالآلات الموسيقية والإيقاعية القديمة، وإعادة الروح في العديد من الأغاني «الميتة»، وعقد شراكات مع مجموعات وشيوخ العيطة في أفق الدفاع عن كل المكتسبات التي حققها رواد البحث والتنقيب ورد الاعتبار للعيطة بكل روافدها التراثية ومجالاتها الجغرافية.. وأكد أن جمعية شيوخ العيطة ستهتم بالفنون الغنائية وعلى رأسها فن العيطة والبحث في أساليب جديدة للارتقاء بهذه الفنون والتعريف بها وطنيا وعالميا، والعمل على خلق مدرسة لتلقين فن العيطة وسائر الفنون الغنائية التقليدية عزفا وغناء، بالإضافة إلى القيام بتجارب جديدة على مستوى الغناء والآلات دون مساس بجوهرها وأصالتها مع البحث في النصوص والعيوط المنسية، والعمل كذلك على إحيائها ونشرها، وتشجيع البحث العلمي في هذه الفنون الشعبية التراثية.

وانتقل بنا عابدين إلى موضوع شائك يرتبط بما تتعرض له أغانيه الجميلة من قرصنة أخرى وسرقة موصوفة مع سبق الإصرار والترصد من طرف بعض «الفنانين الشعبيين»، حيث أكد أن هناك من يعيد غناء أغانيه دون استشارته. بل تألم للميوعة التي تعرضت لها والشوائب التي أدخلت عليها دون حياء. مشيرا إلى الفنانة الداودية التي غنت في برامج تلفزية بالقناتين المغربيتين أغنية «يا اللي علمتيني نسهر» و«أنا نسيتها من بالي» و«لا لا ما شي أنت اللي كنت معاك»، فضلا عن ما غناه الفنان الداودي «مولات البيت» و«علاه يا قلبي»، والفنان كمال العبدي من خلال أغنية «ما اعرفت صحابي من عدياني».. معتبرا أن السرقة حرام شرعيا وفنيا وإبداعيا: «حرام على الفنان أن يبني مجده على أعمال الآخرين».

 

الجديد بحلة جديدة عند الزراهنة

رغم كل هذه الظروف الصعبة والمحن التي يمر منها شيوخ العيطة، أكد الزراهنة شيوخ العيطة أنهم يتوفرون على الجديد الفني الذي يطرب ويثقف وينمي الحس الراقي للمجتمع، ويساير الزمن المغربي والعربي، وأنهم سيظلون أوفياء لمسارهم الفني بعد أن فتحت نقطة ضوء وبصيص أمل من خلال انفتاح التلفزة المغربية بقناتيها على أعمالهم من خلال بعض البرامج الفنية مثل «شذى الألحان» على سبيل المثال لا الحصر، فضلا عن بعض المهرجانات التي أضحت معلمة ومحطة فنية لإبراز ما تزخر به آلة لوتار من قيمة فنية وإبداعية على اعتبار أنها الآلة المغربية الوحيدة القحة والأصيلة.. منوهين بمحطة مهرجان لوتار الذي تنظمه جمعية المغرب العميق بمدينة سطات، والذي يعتبر محطة التلاقي وسوقا عكاظية فنية لكل العازفين على آلة لوتار من كل ربوع الوطن.

ومن جانب آخر أكد شيوخ العيطة لـ «الوطن الآن» أنهم تلقوا دعوة خاصة للمشاركة في برنامج مهرجان «موازين» لسنة 2014، معتبرين ذلك تكريما وإنصافا للونهم الغنائي ونمطهم العيطي وأعمالهم القيمة بما فيها «رائعة سمفونية لوتار»، حيث قدموا الشكر لإدارة المهرجان وعلى رأسها الأستاذ حسن النفالي.

وتحت إلحاح «الوطن الآن»، وخوفا من سرقة كلماته، أكد الفنان عابدين أنه يشتغل على نصوص شعرية من كتاباته وألحانه تتناول مواضيع مختلفة عن العشق والطبيعة والفروسية، فضلا عن اعتكافه على تلحين قطعة غنائية من كتابته وتلحينه، سيتناول من خلالها موضوع الحراك والثورات العربية التي عاشتها المناطق العربية.. معتبرا أن اللحظة التاريخية تلزم الفنان أخْذَ موقف ينتصر للشعوب ولمصيرها.. يقول في مطلعها: «ياك في الزمان ما بقى أمان

الضحكة ما تحلى لينا

العربي يقتل في خوه

والعدو يتفرج فينا...».

أما بخصوص الشيخ جمال الزرهوني فقد صرح لـ «الوطن الآن» أنه يعيد ترميم مجموعة من الأغاني العيطية المنسية، ويشتغل حاليا على أغنية «الطوموبيل» وعيطة «سيدي حسن» الملقبة بالزيدانية، فضلا عن أغنية «الواد الواد اللي ما عندو كواد»، دون أن يغفل الجزء الثاني من عيطة «غزيل» التي أضحت ترافق كل العاشقين لفن العيطة نظرا لصورها الشعرية الرائعة وعزفها المتميز وأدائها البارع.

 

جديد النسخة 13 لمهرجان فن العيطة

ونحن نشتغل على هذه المادة، ارتأت الجريدة أن تزور دار السلطان وتسائل المندوب الإقليمي لوزارة الثقافة عن آفاق برامجه الفني والثقافي بالنسبة للنسخة 13 من مهرجان فن العيطة خلال صيف 2014، ليؤكد أن المندوبية واعية بأهمية تاريخ وعمق حضارة أسفي ومجالها الجغرافي والتنوع الثقافي وتراثها المادي والشفاهي الذي تجلى في العديد من الطقوس والعادات والأنماط الغنائية..

«يشتغل القطاع على خلق ومد جسر التراث الثقافي مع الواقع وتطلعات كل الشركاء على اعتبار أن فن العيطة متجذر في الثقافة العبدية بصفة عامة، واستقطاب الشباب والجيل الحالي للتعامل مع تراثه الفني وتيسير عملية التجاوب مع كل شرائح المجتمع من خلال تقديم هذا الفن في حلة جديدة ومتجددة دون الزيغ عن أصالته ومصداقيته». مشيرا (مندوب الثقافة) أنه وضع ثلاث مقدمات في هذا الشأن:

الأولى، تروم خلق إقامة فنية والتي أصبح يزورها مجموعة من الفنانين التشكيليين على المستوى الوطني للاحتكاك بالفنانين المحليين ومد جسر التواصل بين التراث والعمل الثقافي والفن كممارسة معاصرة.

والثانية، اشتغال الفنانين التشكيليين مع الحرفيين في فن الخزف ذوي الملكات الفنية لمزج اللون مع الطين وإنتاج منحوتات وتحف ذات قيمة إبداعية وفنية تبرز قدراتهم عن طريق مواد جديدة في عالم التشكيل والخزف.

والثالثة ترتبط بحضور فن العيطة من خلال مجموعة الشيخ جمال الزرهوني التي ستعطي فرصة لهؤلاء الفنانين التشكيليين، لإنتاج وإبداع لوحة فنية على إيقاع وطقوس العزف والغناء والإيقاع العيطي لتوحيد رؤية فنية سيتمخض عنها ملصق جماعي (لوحة فنية) بطول 12 مترا وعرض 6 أمتار.

هذه اللوحة ستعتمد كإبداع فني مركب واستثماره داخل أهم الفضاءات الثقافية والفنية، وخصوصا على منصات مهرجان فن العيطة في نسخته الثالثة عشرة. أما بخصوص التطور الذي سيعرفه المهرجان، فإن المندوبية تشتغل على ثلاثة محاور، أهمها: المزج الموسيقي من خلال إقامات فنية تروم التلقين والتلقيح مع إعطاء الفرصة للفرق الشابة والعصرية التي تشتغل على مواضيع العيطة، فضلا عن إضافة منصات فنية جديدة كل واحدة تتفرد بمنتوجها وطابعها الفني. وكمثال على ذلك ستعمل المندوبية على توفير فضاء بدار السي عيسى لاستحضار الطقوس القديمة والظروف الطبيعية والتاريخية للاحتفاء بفن العيطة، ومنصة بدار السلطان خاصة بفرق تؤدي وتتقن فن العيطة العميق بكل شروطه الفنية. والجديد في النسخة 13 أن الفنانين سيتواصلون مع الجمهور والمتلقي بشكل مباشر من خلال ورشات فنية ولقاءات ثقافية.