ألبرت الزمري: باريس تريد فرض نفسها على دول المنطقة كخيار اقتصادي دون منافس

ألبرت الزمري: باريس تريد فرض نفسها على دول المنطقة كخيار اقتصادي دون منافس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
مباشرة بعد إندلاع الأزمة الروسية -الأوكرانية وجدت فرنسا نفسها أمام تحديات جيوسياسية واقتصادية معقدة، فالطريق إلى موسكو لم يعد ممكنا ما لم يأت ضمن تنسيق مع الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية، كما لم تعد باريس تملك خيارات كثيرة بشأن الطاقة (الغاز خاصة)، وإذا أضفنا إلى كل هذا تدهور العلاقات الجزائرية -الإسبانية، بعد اعتراف إسبانيا بسيادة المغرب على الصحراء، سيكون من السهل إيجاد تفسير مقنع لتلاقي المصالح الفرنسية -الجزائرية.
ففرنسا صارت اليوم في حاجة إلى الغاز الجزائري أكثر من أي وقت مضى والجزائر في حاجة إلى تعويض إسبانيا بزبون أوروبي. وفرنسا تدرك أن ثمن الغاز الجزائري لن يكون دائما ماديا، بل هو سياسي أيضا وفي الغالب مناوئ للمصالح المغربية، سرا وبطرق ملتوية.
لا تنظر باريس بعين الرضاء إلى التقارب التي تعرفه العلاقات المغربية - الأميركية، كما لم يرضها اعتراف إسبانيا وواشنطن بمغربية الصحراء، وباتت تجد في الجزائر خير من ينوب عنها في عرقلة الاستقرار في شمال أفريقيا وقطع الطريق على الانخراط الأميركي في القارة الأفريقية عبر البوابة المغربية.
إن غياب المغرب عن القمة اليابانية -الأفريقية يخدم بالدرجة الأولى مصالح فرنسا التي لن يرضيها تسلل منافس قوي مثل اليابان إلى الأسواق الأفريقية عموما والمغربية على وجه التحديد.
باريس إذن تريد فرض نفسها على دول المنطقة كخيار اقتصادي وحيد دون منافس، وهذا مفهوم اقتصاديا، لكنها لا تملك من أدوات الضغط سوى الورقة الحقوقية ضد قيس سعيد أحيانا وأحيانا أخرى ضد الرئيس الجزائري، بينما تتمسك بموقفها الضبابي تجاه قضية الصحراء لتقايض به المغرب والجزائر على حد السواء.
فرنسا تدرك أن ثمن الغاز الجزائري لن يكون دائما ماديا، بل هو سياسي أيضا وفي الغالب مناوئ للمصالح المغربية، سرا وبطرق ملتوية
فإيمانويل ماكرون خلال ندوته الصحفية مع الرئيس الجزائري لم يذكر قضية الصحراء، ما يفسر عدم رغبته الخروج من دائرة الغموض تجاه قضية الصحراء والحفاظ على خط الرجعة مع الرباط التي أعلن عن نيته زيارتها في شهر أكتوبر المقبل.
هكذا إذن تشير كل المؤشرات إلى التورط الخفي والذكي لفرنسا واستغلالها للصراعات المغاربية لضمان استمرار الاستفادة من مستعمراتها السابقة.
هي سياسة ربما لا تخدم مبادئ الجمهورية ولا تتفق مع شعارات الديمقراطية وبالتأكيد لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح شعوب المنطقة ومستقبلها.
 
ألبرت الزمري، محلل سياسي عربي مقيم في الولايات المتحدة