2ـ مات بوجميع وترك باطما ومات باطما وترك "ديوان الغيوان" لعمر السيد.
هؤلاء الثلاثة هم "ناس الغيوان"... اتفقوا يوما على مغادرة فرقة الطيب الصديقي المسرحية لتأسيس فرقة "الدراويش الجدد"، وفي عام 1971 اختاروا هذا الاسم الملحمى "ناس الغيوان".
أصبحت الفرقة ملحمة شعبية نبتت في الحي المحمدي، حتى موتك كان ملحميا.
اشتهرت الفرقة في سنوات السبعينات بمجموعة من الأغاني التراثية وقصايد الملحون، وتحولت إلى ظاهرة غنائية فريدة، ونالت إعجاب العمالقة في الفن كـ"بوب مارلي" و"بيتر كابريال" و"جيمي هاندریکس" والمخرج "مارتن سكورسيزي" والكاتب الإسباني الشهير المختص في التراث العربي الأندلسي "خوان غوتيصولو" الذي أنجز فيلما وثائقيا عن المجموعة في 15 دقيقة وأذيع في إسبانيا وألمانيا وأمريكا اللاتينية يعد إشارة واضحة لتحسيس المجتمع المدني بالاهتمام بالفنان المغربي بصفة عامة وبالمجموعات الغيوانية التي شكلت تحولا أساسيا في تاريخ الأغنية المغربية بصفة خاصة.
3ـ نتذكر موتك التراجيدي، فاسمك ضد النسيان . كان ذلك حدثا ثقافيا وحدادا وطنيا، حتى الذين لا يعرفونك عن قرب، كتبت لهم عن: "الرحيل" تقول فيه عنك:
"لقد جاء اليوم الذي صممت فيه على الكتابة، حاولت عدة مرات. ولم أدر أن القوة الإلهية كانت تقف ضد ذلك، إلى أن ابتليت بالمرض القاتل. فوجدت نفسي مدفوعا بيد خفية إلى الأوراق والقلم وصممت على الكتابة. سأحاول الآن كتابة ما مر بي من حياتي. وأنا في سباق مع الوقت. بل إن رغبتي الوحيدة هي أن يتركني الموت هنيهة لأكتب هذه اللحظات وأعبر عن تلك الذكريات".
وواصلت البوح:
عمي صباحا أيتها الورقة البيضاء..
عم صباحا أيها القلم إن النهار جميل.
وكان الليل بين متاهات
الضني
ولدت سنة 1948
أرى لحدي.. ومهدي في عيشي اسم أبي رحال. اسم جدي رحال. اسم أمي حادة.
الرحيل، الحدود، الحدة، أسماء تعني العنف والألم وعدم الاستقرار، هكذا كانت طفولتي رحيلا بين الدار البيضاء والقرية. حتى في كل شيء أعطي عمري كله شريطة أن أعود إلى ذلك الزمن الفتى أكتب هذا، وأنا في سباق مع الموت. لقد أخبرني الأطباء بأن المرض قد امتلك الجانب الأيمن من رئتي، بعد أن تجاوز الجانب الأيسر.
لا يعلم بالعمر ونهايته إلا الخالق "والموت علينا واجب" والعمر بأيدي الله. في البيت المجاور -وهو ملك لقوادة- تتردد أغنية المرحوم محمد عبد الوهاب "یا مسافر وحدك". عجيب إن الظروف في حياتي لها لقاء خاص. فمن جعل أذني تلتقط هاته الأغنية وأنا أكتب عن مرضي. وعن السفر المنتظر من كل البشر.
يا سبحان الله أنا الآن وحدي في البيت.
بعض الناس من الجمهور يتمنون لي من خلال الهاتف سنة سعيدة أرد: ألو.. شكون؟ يجيب: أنا معجب بناس الغيوان وأتمنى لكم سنة .سعيدة. .يقولون: ألو
أتصور أنا سنتي القادمة. أي سنة 1995 صممت أن أبكي. عند إعلان الساعة الثانية عشرة ليلا. فربما إن استقبلتها بالبكاء قد يكون فيها شيء من السعادة. هذا إن عشت. فمريض مثلي مصاب بمرض خبيث لا يمكن له أن يتصور ويتحدى الموت في كل دقيقة. فعندما كنت أنام فيما مضى. أي في السنة الماضية. كنت أقوم في الصباح. وأقول، بل أسأل نفسي: هل أنا لا أزال حيا؟ الآن أبكي، وقد أعلنت الساعة دخول السنة الجديدة، سنة 1995.
كم من شخص الآن من العالم قبل صديقه أو حبيبته أو أخاه مهنئا إياه؟
أنا قبلتني
دموعي
کم من عتيق عانق
عتيقته
أنا عانقت
دموعي
أنا الآن شيء ينتظر الموت ويعلم بأن الكل ينتظر قدومه. لكن الفرق بيني وبين الكل. هو أنني أعرف مرضي القاتل. والآخرون لا يعرفون فالحمد لله والشكر لله على كل شيء أنا لم يبق لي الحق من الأمل. أنا لا يمكن لي تصور الغد. أنام الليل ولا أنتظر قيامي في الصباح. ولما أستيقظ وأجد نفسي فوق الفراش. أتطلع إلى سقف بيتي لأتيقن من حقيقة وجودي. ثم أقول لنفسي لقد ربحت ليلة البارحة.
فكيف سيكون النهار؟
جسمي الذي كان مضرب الأمثال للوسامة. صار الآن إن لم تحقق فيه لا تراه.. نعم، أنا الذي لم يبق لي حق في الأمل. لقد عذبني الفن طيلة حياتي. وكم من مرة تمنيت لو كنت عطارا أو خضارا أو جزارا. فعلى الأقل ستكون حدة المشاكل أهون من مشاكل الفن".
ويقول في الفصل التالي: "ومحاصرة أعين الناس من كل جانب لو كنت أعلم الغيب. لبقيت حارسا للدراجات، أو اشتغلت في السكة الحديد. مكان أبي. إنني أقول الآن لنفسي: أما كان الأجدر بي أن أبقى في باديتي الحبيبة لأموت هناك بعيدا عن الأضواء والشهرة. قالت لي عاهرة في يوم: عندما تموت سأزور قبرك ثم أبكي.. وأهرق زجاجة بيرة فوقه.
کم کرهتها ساعتها
لا أظن بأن في الحياة شيئا يستحق العيش.
هاهي ذي الأشياء تأتي تباعا. نهاية الأغنية. آخر ساعة. آخر يوم. آخر ليلة. تمزق باد في كل شيء. أحزان وألم في كل دقيقة. فكيف كانت البداية وما سر النهاية. أنا أحبك أيها الفن وأكرهك. أنت أصل .الراحة والعذاب
4ـ من قال إن الموسيقى قاتلة؟
بوجميع
حي
باطما
حي
مدير المدرسة الابتدائية هو الذي مات جاهلا بأن الموسيقى هي إكسير الحياة!!