على الورق، وأمام الكاميرات، وتحت وابل من الحملات الإشهارية، تنظم الحكومة عملية "مرحبا" لتأمين "عبور سعيد" لآلاف المغاربة القادمين من دول العالم. غير أن صرخات مجموعة من مغاربة العالم، الذين قضوا عطلتهم في بلادهم، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، وفي الميدان، أن بعض المسؤولين لا يرون في هؤلاء المهاجرين إلا "دجاحة تبيض عملة صعبة" ينتهي الاهتمام بها بمجرد حيازتها في الخزينة العامة للدولة!. وليس أدل على ذلك مما وقع في معبر باب سبتة المحتلة حين اضطرت أكثر من 2000 سيارة على متنها نساء حوامل وأطفال ومسنين إلى الوقوف في طابور انتظار منهك وطويل تحت لهيب شمس حارقة، بينما مسؤولو الجمارك يلازمون مكاتبهم المكيفة غير آبهين بما يحدث، محوِّلين عملية "مرحبا" إلى عملية "لتذهبوا إلى الجحيم"!
هكذا أصبح "الجحيم" هو الأصل الخفي لعملية "مرحبا" التي يريدها ملك البلاد منصة أساسية شاملة لربط مغاربة العالم بوطنهم، خاصة أن هؤلاء تركوا في خزينة الدولة سنة 2021 تحويلات وصلت إلى 10 مليارات دولار،( بالعربية تاعرابت 100 مليار درهم)، وهي جرعة حقيقية لدعم اقتصادنا وتعزيز صلابته وصموده في ظرف دولي دقيق وعصيب جدا، إذ ما إن خفّ لظى الجائحة حتى اندلعت حرب أوكرانيا، مع ما استتبعها من ارتفاع في سعر المواد الحيوية.
لقد تساءل الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة الذكرى 69 لـ "ثورة الملك والشعب"، قائلا: "ماذا وفرنا لهم (مغاربة العالم) لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟"، واعترف بأن "الدولة تقوم بمجهودات كبيرة، لضمان حسن استقبال مغاربة العالم. ولكن ذلك لا يكفي. لأن العديد منهم، مع الأسف، ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات". ومن أوجه الصعوبات التي ينبغي الوقوف عندها هو الحرص على حمل مغاربة العالم، بما يمثلونه من ثروة لامادية وطنية حقيقية على جميع الواجهات، على أكف الراحة من لحظة مجئيهم إلى حين مغادرتهم لأرض الوطن. والحال أن مغاربة العالم، في العديد من "فضاءات الاستقبال" يتركون لمصيرهم تحت الشمس والغبار حين يقصدون المعابر للخروج المظفر من بلادهم، آملين في العودة إليه متى سنحت الفرصة أو تحقق الإجازات والعطل.
لقد قامت مؤسسة محمد الخامس للتضامن بتوفير 20 مركز استقبال داخل المغرب وخارجه، بغرض تيسير إقامة هذه الفئات في المغرب وتبسيط الإجراءات في جميع شؤونهم. غير أن بعض المسؤولين في عدة إدارات ما زالوا يسبحون بالتوجهات الاستراتيجية بالبلاد خارج السياق، ومازالوا لم يستوعبوا بعد أن "رهان المغرب" على مهاجريه ليس رهانا مرتبطا بلحظة "الطوارئ الاقتصادية العابرة"، بل رهان حيوي يجعل من هؤلاء المهاجرين رقما صعبا في معادلة قضية الوحدة الترابية للمملكة وامتداداتها الدولية. كما لم يستوعبوا أنهم باتوا يتعاملون مع أجيال أخرى من المهاجرين ترعرعوا قي دول ديمقراطية، وتعلموا ما معنى الحقوق والواجبات، ويطمحون إلى أن تكون بلادهم جنة، بدل أن يكتشفوا أنها "جهنم" بفعل اللامبالاة والإهمال.
على هؤلاء المسؤولين الذين يعاكسون توجهات البلاد( ملكا وشعبا)، في علاقتها بمهاجريها أن يدركوا أن الوطن ليس "علاقة روحية بالأصل"، بل ممارسة توثق هذا الأصل، بحسن المعاملة، وترسيخ الانتماء من خلال العادات الإيجابية المتكررة، لأن هذا هو ما يدفع المهاجر إلى تجديد العلاقة مع وطنه، كما يعزز الارتباط الاجتماعي مع ذويه، ومع كل ما يمثله المغرب على المستوى الرمزي والسياسي.