في أكثر من مناسبة كنا دائما نقول أن المشرع المغربي أخطأ في التقطيع الجهوي للمملكة سواء في النسخة السابقة لما كان المغرب مقسما إلى 16 جهة، أو في النسخة الحالية التي تضم 12 جهة. ونقصد بذلك الإقصاء المتعمد لحوالي سدس المغاربة الموجودين بالمهجر، من أجندة السياسة العمومية ومن أجندة الأحزاب. علما أن أحد المرتكزات الأساسية لضخ العملة الصعبة ببلادنا هي التحويلات التي يقوم بها مغاربة العالم والتي تمثل تلث عائدات المغرب من حجم العملة الصعبة. إذ كنا دائما نعتبر مغاربة العالم مجازا بمثابة "الجهة رقم 17" في التقطيع القديم، و نعتبرهم مجازا "الجهة رقم13" في التقطيع الحالي.
ورغم هذه المعطيات البديهية فإن أزيد من 5 مليون مغربي مهاجر لا يحظى حتى بسطر في خطاب مسؤول حزبي أو بفقرة في برنامج اقتصادي أو سياسي لهذه العائلة السياسية أو تلك. والأفظع أن الحكومة والأحزاب عموما لا تتدخل حتى في القضايا التي لا تتطلب ميزانية أو برنامج عمل أو تحملات وجدولة للتنفيذ.
دليلنا على ذلك ما تشهده أوربا اليوم، وهي الحاضن الأكبر للمغاربة المهاجرين، من تنامي الاعتداءات والتحرشات العنصرية، إما بسبب عدم تكافؤ الفرص في العمل أو الحق في ارتداء اللباس الذي يناسب موروث المجتمعات، أو الحق في الترقي الاجتماعي داخل دول الاستقبال.
فكل أحزابنا منخرطة في شبكة أمميات أو تجمعات للأحزاب اليمينية والاشتراكية والليبرالية، وكل أحزابنا تتوصل بمنحة من الخزينة العامة للدولة المغربية للقيام بواجباتها في التأطير والدفاع عن مصالح المغاربة، وكل أحزابنا تتوفر على برلمانيين مندمجين بدورهم في شبكات برلمانية مع جمعيات مماثلة ببرلمانات الدول الأوربية على حدة من جهة، وبرلمان الاتحاد الأوربي من جهة ثانية، ومع ذلك لم نسمع أن وزيرا مغربيا أو قائدا حزبيا مغربيا أو رئيس فريق برلماني مغربي، احتج أو استنكر أو قام بتعبئة المواطنين في الأحياء والجامعات والجمعيات والمعامل ودور الشباب والضيعات الفلاحية، للتحسيس بمعاناة وعذابات المغاربة بالمهجر على يد العنصريين والنازيين والفاشيين والحاقدين على العرب والمسلمين.
طبعا، نحن لسنا أسياد العالم لنحدد الأولويات في الدول الاوربية، ولكن الاحتجاج المستمر والتعبئة الداخلية للمغاربة بالمغرب ستمنح السند المادي والمعنوي لسدس المغاربة الذين يعيشون بالمهجر من جهة، وستجعل الحكومات والبلديات الأوربية تستحضر أن المغاربة المهاجرين ليسوا منبوذي وطنهم أو تم التخلي عنهم من جهة ثانية، كما أن التعبئة الداخلية قد تعد رسالة من المغرب بأنه مستعد أن يتعامل بالمثل مع الأوربيين المقيمين به كذلك من جهة ثالثة.
لا ينبغي أن يفهم من موقفنا هذا الدعوة إلى الحقد والعنصرية ضد الأوربيين المقيمين بالمغرب، حاشا لله. ولكن الصبر له حدود، والإهانات التي يتجرع مرارتها المغاربة بدول المهجر( خاصة بأوربا الغربية)، بلغت مستوى لا يطاق. وأضعف الإيمان أن يعي قادة أحزابنا أن من مسؤوليتهم أيضا تبني محنة أزيد من 5 ملايين مغربي بالمهجر.
فمن العار أن تتعامل النخبة السياسية المغربية مع المهاجرين كمضخة للعملة الصعبة، إذ بذلك تكون جرائم نخبتنا أفظع من اليمين الأوربي ومن اليسار الأوربي ومن النازية والفاشيين الجدد بأوربا.
فاللهم الطف بإخواننا المغاربة المغتربين بأوربا، وكن سندا لهم في محنتهم مع العنصريين والنازيين والفاشيين هناك، ومع لامبالاة أحزاب المغرب وحكومته وبرلمانه هنا.