لقد انتظر المراقبون والملاحظون ومختلف الأطياف المجتمعية ردا من حكام الجزائر يكون في مستوى المرحلة انتصارا لروابط التاريخ والدم التي تجمع الشعبين الشقيقين، بعدما وجه ملك البلاد خطابا تاريخيا بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش، والذي دعا من خلاله حكام الجارة الشرقية للمملكة إلى طي صفحة الماضي والإنفتاح على المستقبل المشترك، للعمل سويا دون شروط من أجل علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار، إلا أننا نجد أن الرئيس الجزائري تحاشى التفاعل مع هاته الدعوة التي وجهها ملك البلاد، مع العلم أن هذا كان منتظرا نظرا لطبيعة صناعة القرار في الجزائر والذي تتحكم فيه مؤسسة الجيش تحكما مطلقا، حيث تغدو كل المؤسسات الأخرى عبارة عن منشآت ذيلية فاقدة للمبادرة والإستقلالية في اتخاذ القرار مادامت تستمد استمراريتها ووجودها من المؤسسة العسكرية الحاضنة لكل المنشآت الأخرى التي هي عبارة عن طلاء خارجي موجه للإستهلاك الإعلامي وللمحافل الدولية.
إن هذا الأمر المريب والذي يدعو للشفقة والسخرية، هو الذي يؤجج الحراك الشعبي لدى أشقائنا في الجزائر، حيث ينتفض لمواجهة هذا الواقع المفروض، مطالبا بالعيش بكرامة في إطار دولة ديمقراطية حقيقية ومجتمع مدني فاعل ومؤثر في صناعة القرار.
إن حكام الجزائر، الذين يتخذون من" فزاعة" المغرب مطيتهم لنهب أموال الغاز والبترول، أصبح مشروعهم الأساسي هو معاداة المغرب، حيث يستمدون منه مقومات بقائهم في السلطة، لذلك نجدهم لم يأبهوا للعديد من النداءات الملكية التي تدعوهم إلى فتح الحدود وإقامة شراكة حقيقية بينهما وتوجيه جهودهما إلى التنمية والتكامل بدل إهدارها في النزاعات... لكن لاحياة لمن تنادي.
لقد تورط حكام الجزائر في تبني حركة انفصالية وبنوا عليها رؤية جيوسياسية ميتافيزيقية، وراهنوا على زعامة إقليمية وهمية منتشين بعائدات البترول التي أهدرت في السراب.
وحري بالذكر أن الميزانية السنوية المخصصة لهؤلاء الإنفصاليين، تفوق 800 مليون دولار، ناهيك عن شراء الأسلحة والذمم وجماعات الضغط وشراء الاعترافات... في الوقت الذي يدعون فيه أنهم يقومون فقط بدور الملاحظ المحايد وأنهم ليسوا طرفا في النزاع ولا أطماع لهم في الإقليم وأن دم الشهداء يدفعهم إلى مناصرة كل حركات التحرر سواء في الهند أو السند وأنهم قبلة الثوار ومكة الأحرار و و... والعديد من الترهات والأساطير... رغم أنهم أكدوا علانية ودون خجل بعد أحداث ملحمة الكركرات، أن المسألة تمثل قضية سيادة للجزائر تتعلق بعمقها الأمني الاستراتيجي ..!!.
إن يد المغرب الممدودة، قوبلت بنشر أنظمة صواريخ مثبتة على قواعد عسكرية جزائرية قريبة من الحدود الشرقية للمملكة، وهو ما نشرته العديد من الأبواق الإعلامية الذيلية، متناسين أن المغرب الدولة الأمة يتوفر على أقمار اصطناعية وعلى أجهزة أمنية قادرة على معرفة حتى ما لا يعلمون...
إن البحث عن عدو خارجي للدولة العظمى ومحاولة إقناع الشعب المغلوب على أمره بأنهم معرضون لخطر داهم مزعوم لن يكون حلا في المرحلة المقبلة.
إن العدو المفترض، هو الفقر والغلاء وندرة المواد الإستهلاكية والبطالة وانسداد الأفق وهدر الثروات... وانتشار الطوابير التي باتت حديث العالمين.
يد المغرب مازالت ممدودة للسلام، وهي في كامل قوتها وأهبتها للدفاع عن أي شبر من أراضيها، ولها حق الرد بالمثل بل وأكثر من ذلك للرد على كل التدخلات والاستفزازات، أما أن تتمادوا في غيكم وأوهامكم، فاعلموا أنكم تحرثون في البحر.
محمد بنطلحة الدكالي/ أستاذ العلوم السياسية مدير العيادة القانونية بجامعة القاضي عياض مراكش