الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (4)؟

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (4)؟ الفنان حسن الزرهوني رفقة أحمد فردوس ولوحة تعبيرية

بساحل "الكاب" بشاطئ البدوزة، ومن فضاء محرابه الفني الذي يعكس مدى عشقه للثقافة والفن والموروث التراثي المتعدد والمتنوع، استقبل الموسيقي والفنان التشكيلي حسن الزرهوني جريدة "أنفاس بريس" بابتسامته العريضة التي تحكي عن مسار رجل طيب وإنساني، مواظب على خلق الحركة والنشاط والحيوية داخل مرسمه الفني.

حسن الزرهوني الذي خبر ركوب البحر وأمواجه، وامتطى صهوة الريشة والألوان الزاهية، ليترجم أحاسيسه إلى أنغام بأوتار تروي سيرة الإنسان والمجال في علاقة مع أحداث ووقائع التاريخ المحلي والوطني، التي كتبت بطولاتها وملاحمها فرسان أرض الحصبة في زمن الظاهرة القايدية.

في هذا السياق نقدم للقراء سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة الذي سيجيب من خلالها عن أسئلة تروم تصحيح الخلط الذي وقعت فيه المنابر الإعلامية وامتد إلى الإنتاج الدرامي والمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي كتبت نصوصها وتم إنتاجها وتسويقها ارتباطا بشخصية وعيطة "خَرْبُوشَة"؟

لقد تحدثت منابر الإعلام السمعي والبصري والمكتوب عن "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ والمغنّية بإطناب، وتناولت علاقتها بالقائد الكبير عيسى بن عمر العبدي التمري البحتري، وانتفاضة أولاد زيد ضد نفس القائد، حيث تم إسقاط قصيدة بأكملها على أن الشِّيخَةْ "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبتها، وامتد هذا الخلط والإسقاط إلى بعض المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي تناولت الموضوع، حتى أصبح المتلقي يؤمن بأن "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبة هذا الكلام. وقبل تصحيح هذا الخلط والإسقاط لابد أن نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية ذات الصلة:

هل فعلا "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ وهل عيطة "خَرْبُوشَةْ" هي من إنتاج الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ؟ وهل الأبيات الشعرية التي ألّفتها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ هي نفسها المذكورة في عيطة "خَرْبُوشَةْ"؟ وكيف تم تأليف عيطة خَرْبُوشَةْ؟ ومن هي حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ ومن هي خَرْبُوشَةْ اَلشِّيخَةْ أو اَلْعِيَّاطَةْ أو اَلْمُغَنِّيَةْ؟

يقول مطلع قصيدة عيطة خربوشة:

"خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ".

 

خَرْبُوشَةْ هي امرأة "عِيَّاطَةْ"، أي أنها كانت شِيخَةْ مُغَنِّيَةْ، وأصلها من أولاد زيد، وتحديدا من دُوَّارْ بَعْرَانْ، الذي يوجد في حدود فَخْذَةْ أَوْلَادْ زِيدْ، وفَخْذَةْ الزَّعْ، على اعتبار أن الَبْحَاثْرَةْ الشمالية تتكون من ثلاثة فَخَذَاتْ وهي: فَخْذَةْ الزَّعْ، وفَخْذَةْ الجّْحُوشْ وفَخْذَةْ أَوْلَادْ زِيدْ. وكان دوّار بَعْرَانْ الذي تنتمي إليه الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ تحيط به مجموعة من الدّواوير تتمثل في دَوَّارْ زَاوْيَةْ سِيدْ الرَّاضِي، ودوّار أَوْلَادْ عْلِي، ودوّار لَقْزَادْلَةْ، ودوّار لَـﯕْطَيْبَاتْ، ودوّار أولاد مَسْعُودْ ، ودوّار لَغْوَالْ، ودوّار لَمَّالْدَةْ، ودوّار كَاسِينْ، ودوّار أولاد حَدُّو، ثم دوّار أولاد لَعْرَارْجَةْ.

في نفس السياق كان دوّار كَاسِينْ يحيط به سور برتغالي، (شيده البرتغال)، كمحطة لاستغلال بعض المناجم المتواجدة بنواحي التجمع السكاني بدوار كَاسِينْ، الذي كان يزخر بالمغارات ذات التكوين الصخري الكالسيتي التي تشكلت عبر أزمنة جيولوجية، حيث كان البرتغاليون يستخرجون بعض أنواع المعادن التي تصنع منها أسلحة المدافع والبنادق حيث يتم نقلها إلى مدينة أسفي للتصنيع في قصر البحر.

كان دوّار كَاسِينْ هو أبرز هذه الدّواوير (التجمعات السكنية) حيث كانت تتردد عليه الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ، للإلتقاء برفيقاتها (الشّيخَاتْ) في فن العيطة، وكذلك للاطلاع على مختلف الأخبار ذات الصلة بالثوار ضد سياسة المخزن المحلي وجبروت القائد عيسى بن عمر العبدي، ونفس الشيء بالنسبة لدواوير الزْوَارْمَةْ، وفْلِيفَلْ، و كَاسِينْ، و أَوْلَادْ حَدُّو، واَوْلَادْ عَمِّي حَمُّو، ولَحْرِيشْ، ودوّار أَوْلَادْ بَنْ عَزُّوزْ الذين كان يلقبهم القائد عيسى بن عمر باسم "لَقْرُودَةْ" (كان عيسة بن عمر يلقب ساكنة دوار أَوْلَادْ بَنْ عَزُّوزْ بالقردة)، كرمز للخفّة والسّرعة في الحركة وتسلّق الصخور خلال تمردهم ضد القائد عيسى بن عمر في تلك الفترة التاريخية.

لقد اشتهرت الشيخة "الْعِيَّاطَةْ" خَرْبُوشَةْ بجمالها الأنثوي الساحر، وصوتها الشجي المتميز بالنفس الطويل والعميق، (أداء عَيْطَةْ خَرْبُوشَةْ كان يتطلب صوتا قويا، ونفسا طويلا، حيث امتازت بأدائها أيقونة العيطة الحصباوية الشيخة المرحومة فاطنة بنت الحسين، التي أتقنت أداء عَيْطَةْ خَرْبُوشَةْ).

وكانت فرقة الشيخة خربوشة تتشكل من أربعة نساء (شِيخَاتْ) إضافة إلى الشِّيخَةْ الطَّبَّاعَةْ خَرْبُوشَةْ رئيسة الفرقة الموسيقية (الرْبَاعَةْ)، نجد الشِّيخَةْ اَلْحَمْرَةْ، والشِّيخَةْ لَكْرَيْدَةْ، والشِّيخَةْ زَرْوَالَةْ، ولهذا السبب تبتدئ عَيْطَةْ خَرْبُوشَةْ بالمتن القائل: "خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ". ولهذا السبب كذلك جاء مطلع القصيدة ليذكر بأسماء أربعة شِيخَاتْ كوّن فرقتهن الشعبية لأداء فن العيطة.

في هذا السياق لابد من التذكير بأن أغلب العيوط الحصباوية تتخذ من مطلع القصيدة (البيت الشعري الأول) عنوانا لكل عيطة، مثلا:

ـ عيطة "تْكَبَّتْ اَلْخَيْلْ" مطلعها هو (تْكَبَّتْ اَلْخَيْلَ عْلَى اَلْخَيْلْ دِيرُوا سِيدِي عَلَّامْ).

ـ عيطة "رْجَانَا فِي اَلْعَالِي" مطلعها هو (رْجَانَا فِي اَلْعَالِي غَرِيبْ وُبَرَّانِي).

ـ عيطة "الرَّاضُونِي" مطلعها هو (الرَّاضُونِي الرَّاضُونِي تْعَالَى حْتَى نْسَوْلَكْ أَدَاكْ اَلْغَادِي).

ـ عيطة "هَنِّينِي هَنِّينِي" مطلعها هو (هَنِّينِي هَنِّينِي يَا أْوِلِيدْ عَمِّي آشْ كَانْ سْبَابِي). وتسمى كذلك بـ "حَاجْتِي فِي رِينِي"

ـ عيطة " اَلْعَمَّالَةْ" مطلعها هو (اَلْعَمَّالَةْ كْوَاتْنِي وُزَادَتْ مَا بِيَّا).

ـ عيطة "فِينَكْ أَللِّي بْغَا حَبِيبُو" مطلعها هو (فِينَكْ أَلِّلي بْغَا حَبِيبُو يَطْلَعْ لِرْبَاطْ يَشْكِي وُيجِيبُو).

ـ عيطة "دَامِي" مطلعها هو (دَامِي يَا دَامِي هْوَاكْ عَادَانِي).

ـ عيطة "سِيدِي أَحْمَدْ" مطلعها هو (سِيدِي أَحْمَدْ سَبْعْ سْلَامَاتْ فِي سْلَامْ يَا اَلْغَادِي زَرْبَانْ) التي تغنت بابن القائد عيسى بن عمر، وليس عنوان "عزيبو في لميلحة"

ـ عيطة "اَلْكَافْرَةْ غْدَرْتِينِي" مطلعها هو (اَلْكَافْرَةْ غْدَرْتِينِي آجِي بَعْدَا نْغَدْرُوا كِيسَانْ هَاكْ اَلْمَايَةْ والطَّبْعْ واَلْمِيزَانْ).

ـ عيطة "رْكُوبْ اَلْخَيْلْ" مطلعها (رْكُوبْ اَلْخَيْلْ يَا اَلْعَلَّامَةْ كِي كَالُوا ).

ـ عيطة "مَا شَفْتُوا لَغْزَالْ" مطلعها هو (مَا شَفْتُوا لَغْزَالْ يَا صْحَابْ اَلْحَالْ).

ـ عيطة "كَاسِي فْرِيدْ" مطلعها هو (كَاسِي فْرِيدْ جُرْحِي جْدِيدْ و اَلْهْوَى صْعِيبْ).

عيطة "شْرِيفِي سِيدِي حَسَنْ" مطلعها هو (شْرِيفِي سِيدِي حَسَنْ مَا تْمُوتْشَايْ يْسَبْقُوكْ اَلْعَدْيَانْ).

في هذا السياق كذاك، نجد أن جميع الشيوخ من رواد فن العيطة خلال النصف الأول من القرن العشرين، الذين غنّوا العيطة الحصباوية والذين كانوا يتقنون أداء عَيْطَةْ خَرْبُوشَةْ، كانوا يستهلونها بترديد مطلع القصيدة الذي يقول: "خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ و زَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ". أي أنهن أربع شيخات يشكلن رْبَاعَةْ فن العيطة الحصباوية.

من جهة أخرى وحسب التصنيف الفني، فقد انقسم روّاد فن العيطة إلى ثلاثة مدارس موسيقية لفن العيطة الحصباوية، وهي المدارس التي أبدعت وأتقنت أداء العيطة الحصباوية:

1 ـ المدرسة الأولى هي مدرسة أرض اَلْحَصْبَةْ، وتعتبر هي القاعدة الأساس، والأم الحاضنة، والنّواة الأصلية التي تفرعت عنها المدارس الأخرى، ونذكر من روادها الشيخ الكمنجي الحاج ادريس بن دحان، وأصله من دوّار الشْعَاعْلَةْ بأرض اَلْحَصْبَةْ، قرب دوّار الدْعَابْزَةْ، وهو الشيخ الذي تتلمذ على يديه  الشيخ الكبير محمد الدعباجي. ونذكر كذلك الشيخ الكمنجي مسعود اَلْحَنْفِيشِي وأصله من دوّار لَحْنَافِيشْ، وكان يشتغل معه ضابط الإيقاع (طْعَارْجِي) الشيخ سي الجيلالي وأصله من دوّار سيدي عيسى بالقرب من جمعة اسحيم. وكان السي الجيلالي من حفظة نصوص العيطة، ويهابه جميع لَحْرَايْفِيَّةْ والصْنَايْعِيَةْ، على اعتبار أنه مرجع أساسي في فن العيطة الحصباوية، وهو الذي تتلمذ على يده الشيخ لَشْهَبْ ضابط إيقاع فرقة الشيخ محمد الدعباجي التي كانت تتكون من الشِّيخَةْ فاطمة السْوِيلْمِي، والشِّيخَةْ أسْكَنْدَرِيَةْ والشِّيخَةْ الدُّوبْلَالِيَةْ والشِّيخَةْ عِيدَةْ أطال الله في عمرها. وكان الشيخ الكمنجي مسعود اَلْحَنْفِيشِي يتقن العزف جيدا على آلة الكمان (كان يتقن العيطة الحصباوية والعيطة الحوزية) حيث تتلمذ على يده الشيخ محمد الدعباجي.

ومن الرواد كذلك نذكر الشيخ بَلْهَاشِمِي وأصله من أرض اَلْحَصْبَةْ، وكان يتميز بصوته الرقيق والعذب، ويتقن العزف على آلة الكمان. ثم نجد أيضا الشيخ الْهَاشْمِي الجْوَادِي وأصله من دوار جْوَادَاتْ بأرض اَلْحَصْبَةْ، الذي تزوج الشِّيخَةْ اَلْبُوعْنَانِيَةْ، وكان يتقن بدوره عازفا ماهرا على آلة الكمان، إلى جانب أخيه الشيخ محمد الجْوَادِي وغيرهم من الشيوخ واللائحة طويلة.

2 ـ المدرسة الثانية هي مدرسة بِيَّاضَةْ، حيث نجد أن أغلب رواد فن العيطة بها، كانوا يعزفون على آلة اَلْـﯕَنْبْرِي بدل آلة الكمان، مثلا الشيخ إبراهيم أحْمِيْمَةْ والذي كان يشتغل معه الشيخ الْبَيَضْ ضابط الإيقاع (أب الشيخ الجيلالي) وكان يشتغل ثنائيا مع الشيخ اَلْخُمَّارِي. ويُذكر أن الشيخ أحْمِيْمَةْ كان نابغة زمانه في حفظ متون فن العيطة (عيوط انقرضت) وتلاشى كلامها الشعري الجميل، ولم يستفد من مضمونها الشيوخ الذين تتلمذوا على يده. فضلا عن الشيخ إبراهيم بِيهٍي، والشيخ عبد السلام البحري، والشيخ العيساوي، والشيخ بوشعيب وَلْدْ خْدِيجَةْ (ضابط إيقاع) والشيخ العربي الْكِيحَلْ العازف على آلة لوتار، والشيخ ميلود الدّاهمو أطال الله في عمره .

3 ـ المدرسة الثالثة، وهي المدرسة السّْحَيْمِيَةْ، والتي تتمثل في رواد فن العيطة من أمثال الشيخ الْبَدْرِي، والشيخ أحمد بَنْ خَدُّوجْ، والشيخ عبد الرحمن التْرِيَّنْ، والشيخ عمر بن هدي أطال الله في عمره.

إن الذي يهمنا في هذا الحديث هو مطلع قصيدة خَرْبُوشَةْ: "خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَلَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ". على اعتبار أن الفرقة الموسيقية المعنية كانت تتكون من أربع نساء شيخات، برآسة الشيخة الطَّبَّاعَةْ خَرْبُوشَةْ، وأصلهن من أولاد زيد، مارسن فنّهن الشعبي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وعاصرن فترة وفاة السلطان المولى الحسن الأول، وبداية القرن العشرين، وكنّ يتقن أداء عيطة "خَرْبُوشَةْ"، لأنهن كن يمتزن بصوتهن الرخيم والنفس الطويل، وكنّ يعزفن على آلات الدف، دون استعمال الآلة الوترية.

إن نساء "رْبَاعَةْ" الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ، كن يشتغلن كـ "عِيَّاطَاتْ" في الأفراح و "نَذَّابَاتْ" في الأقراح، علما أن قصيدة عيطة "خَرْبُوشَةْ" تُغنّى على مقام (بياتي) وهو مقام يجمع بين الفرح والحزن. إضافة إلى أنه في تلك الفترة التاريخية كانت النساء يغنين بشكل مستقل عن الرجال لاعتبارات دينية تتحكم فيها الزوايا في منطقة عبدة.