رضوان زهرو: ما زال القطاع السياحي يغلب عليه الطابع النمطي التقليدي

رضوان زهرو: ما زال القطاع السياحي يغلب عليه الطابع النمطي التقليدي رضوان زهرو، أستاذ الاقتصاد
تعيش السياحة الداخلية في المغرب إكراهات متعددة الجوانب ،فهي فضلا على أنها  لم تخرج  عن طابعها النمطي التقليدي، ظلت منذ عقود حبيسة وجهات محدودة  في الشريط السأحلي  بمدن الشمال أو بعض المدن  الساحلية في المحيط الأطلسي، ومناطق جبلية معروفة كإفران وإيموزار.. ويكاد المغربي يجهل مناطق سياحية أكثر جاذبية "أنفاس بريس" ناقشت إشكالية قطاع السياحة الداخلية مع الدكتور رضوان زهرو أستاذ الإقتصاد  ضمن  الحوار التالي:
 
 
ما هي الإكراهات التي تواجه السياحة الداخلية ولماذا لم تخرج  منذ الإستقلال عن طابعها النمطي التقليدي في شكل مواسم دينية والتبوريدة والفلكلور؟
بداية، يعتبر النهوض بالسياحة في المغرب حصيلة مقتضيات مختلف المخططات الثلاثية والخماسية المطبقة منذ سنة 1965. حيث يمكن اعتبار هذا التاريخ ميلاد السياحة في بلادنا، كأولوية للتنمية الوطنية، خاصة مع إنشاء وزارة السياحة كقطاع مستقل بذاته. 

اليوم هناك أزمة حقيقية في القطاع السياحي ببلادنا وتجاوز هذه الأزمة في الأجل المنظور صعب جدا، لأن ما يزيد من تأزم وضعية هذا القطاع، إلى جانب الصعوبات الظرفية، نتيجة جائحة كورونا، والتي جعلت الحكومة تقر عددا من الإجراءات المستعجلة للتخفيف من وطأة الأزمة بالنسبة للشركات العاملة في القطاع، كتأجيل سداد القروض، ومنحها بأقل الفوائد وإرجاء دفع الضرائب، إضافة إلى تقديم تعويضات شهرية عن فترة التوقف ل %70 من المستخدمين بالقطاع؛ هناك عدد من الإكراهات البنيوية التي يعاني منها القطاع، وذلك منذ عقود، وتحتاج إلى وقت أطول ومجهود أكبر لتجاوزها، اليوم الإكراهات كثيرة جدا تلك التي تواجهها السياحة عموما والداخلية منها خصوصا،  بسبب اختيارات السياسة العامة، مع كل المجهودات المبذولة لحد الآن، حيث لا يزال القطاع السياحي يغلب عليه بشكل عام، الطابع النمطي التقليدي؛ ما يجعله يعاني من عدد من الصعوبات والإكراهات؛ وهو القطاع الذي يعتبر من ركائز الاقتصاد الوطني.
 
لماذا ظلت السياحة الداخلية منذ عقود وجهاتها  محدودة  في الشريط السأحلي  بمدن الشمال أو بعض المواقع الساحلية في المحيط الأطلسي ومناطق أفران وايموزار في حين يزخر المغرب  بمناطق أخرى  لا تقل جاذبية  من جبال وصحاري وواحات وقصور وبحيرات طيلة السنة والتي لا زالت مجهولة عند العديد من المغاربة؟
يرجع ذلك بشكل أساسي إلى مضامين السياسة السياحية  المتبعة في بلادنا  منذ الاستقلال؛ ففي إطار تثمين المؤهلات التي يزخر بها المغرب في مجال السياحة، تم إطلاق مجموعة من المبادرات الرائدة، التي تهدف إلى جعل السياحة ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني؛ أبرزها "المخطط الأزرق 2020"، الذي يرتكز على مفهوم المحطات الساحلية المندمجة و"الذكية" التي تهدف إلى إعادة التوازن للسياحة الشاطئية، من خلال خلق عرض مغربي تنافسي على الصعيد الدولي.
هذا المخطط الذي تقدر مجموع استثماراته في 8 ملايير أورو، حددت له خمس أولويات أساسية؛ تتمثل في:

– إنهاء الأوراش المتقدمة من رؤية 2010 (تتعلق بالمنتوج، الإنعاش/التسويق، والنقل الجوي)
– المهن السياحية.
– التكوين.
– الجودة.
– والمحيط السياحي.
إضافة إلى رؤية 2020، التي تهدف إلى جذب ما يزيد عن 10 ملايين زائر سنويا إلى المغرب.
وإلى جانب هذه الأولويات، هناك إنشاء الهيئة المغربية للاستثمار السياحي.
 
أين يوجد العطب والإختلال في تنمية السياحة الداخلية.. هل  في البرلمان أم في الحكومة أم  في الفاعلين السياحيين ام  في المجتمع المدني؟
صعب جدا في اعتقادي تحميل المسؤولية لطرف دون الآخر؛  بالنسبة لقطاع صحيح اقتصادي، لكنه كذلك وأساسا قطاع  ثقافي  وحضاري وتاريخي ومجتمعي…
وإن كان الجهاز التنفيذي والقطاع الوصي تحديدا هما من يتحمل المسؤولية في المقام الأول
اليوم نسجل تراجعا ملحوظا في عدد السياح الداخليين، ما أدى إلى صعوبات مالية جمة في المغرب كما بقية دول العالم من دون استثناء، بعد دخول هذه الدول كرها، في فترة من الفترات، في عزلة تامة وحظر شبه كامل، وتقييد صارم للحركة دام لشهور.
هذا الوضع الطارئ رافقه تراجع لافت في عدد من الخدمات المرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالقطاع السياحي، كخدمات المطاعم والفنادق والترفيه، والإرشاد السياحي وأنشطة وكالات الأسفار و"البزارات" ومنتوجات الصناعة التقليدية، وغيرها..
 
ما هي مقترحاتك لتجاوز هذه الاعطاب لتنمية السياحة الداخلية وجعلها في متناول مختلف الشرائح  المغربية؟
البحث عن الرجل المناسب والمسؤول الكفء والجاد الذي يستطيع النهوض بالقطاع وتنزيل جل البرامج والإجراءات ذات الصلة بالقطاع، وخاصة تلك المتضمنة في ما سمي "المخطط الأزرق 2020"، كمخطط قطاعي متكامل وطموح جدا، (تنزيلها) بالجودة المطلوبة وفي الآجال المحددة لها.

– عدم الاعتماد الكلي للنهوض بالقطاع على سياسة المنتجعات والقرى السياحية؛ بمعنى  بدل الاعتماد على البنيات يجب الاعتماد على الإنسان، بقيمه وثقافاته، وتاريخه وحضارته، أي ضرورة الاعتماد على الرأسمال اللامادي للدولة والمجتمع.
– وضع سياسة وطنية للنهوض بالسياحة في بلادنا،  خاصة إستراتيجية  عصرية للتواصل تعتمدها الجهات الوصية؛ من طرف القطاع الحكومي المعني مباشرة، وخاصة المكتب الوطني للسياحة، والمجالس الجهوية للسياحة، وباقي الفاعلين في القطاع. بعبارة أخرى وضع إستراتيجية تسويق ناجعة ومستمرة في الزمن، تستطيع الترويج للمنتج السياحي المغربي بكل ثقة وإصرار، وليس الاكتفاء مقابل ذلك بإستراتيجية تواصلية ناعمة لا تعتمد الغزو والاقتحام، من خلال مخطط عمل مدروس ومتكامل، للترويج الواسع على جميع المنصات والوسائل المتاحة.

– تكوين وتأهيل الموارد البشرية؛ فرغم المجهود الكبير الذي بذل ويبذل إلى حد الآن في هذا المجال تحديدا، فأحيانا  نجد عدم جدية العاملين في القطاع وقلة صدقيتهم، ومضايقتهم أحيانا للسائح؛ ما يجعله يقرر عدم العودة مجددا، علما أن الرفع من عدد السائحين الداخليين والوافدين يبقى رهينا بالدرجة الأولى بمسألة العود هذه.
– تطوير العروض المقدمة والخدمات والأنشطة المقترحة، والمواقع والمزارات ذات القيمة الأثرية والتاريخية الكبيرة، خاصة في بعض المدن والجهات؛ ثم أيضا النهوض بالمتاحف الوطنية وفي دور الثقافة وفي المهرجانات الفنية المغربية الأصيلة والعروض المسرحية والأفلام السينمائية التي تعبر عن واقع بلادنا وخصوصيتها وهويتها.
– كذلك  العمل على تخفيض أسعار المبيت في الفنادق وكذا أسعار باقي الخدمات، وتقديمها بجودة عالية، بالنسبة للسائحين الوطني والأجنبي، على السواء، والتي تبقى على العموم غير تنافسية، مقارنة مع ما هو معمول به في عدد من دول العالم، حتى منها تلك ذات الدخل المرتفع.
– الوعي والاهتمام، بجدوى السياحة الداخلية. كسياحة داعمة ومكملة ومعوضة أحيانا كثيرة، والدور الذي يمكن أن تقوم به حاضرا ومستقبلا.