عبد الجليل أبو المجد: ثقافة النقد وليس السب والشتم

عبد الجليل أبو المجد: ثقافة النقد وليس السب والشتم عبد الجليل أبو المجد

الناظر بواقع الحال الذي صار عليه المجتمع المغربي بتلاشي ثقافة الاحترام والوقار وهبوب رياح الشتم والسب، لاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي يدرك أهم ما أنتجته سياسات الحكومات منذ ما يسمى بـ "الربيع العربي".

فبعد الربيع المشؤوم أصبح نقد الحكومات العربية، ومنها المغربية من أسهل الأفعال التي يقوم بها الناس وربما من أحبها على قلب البعض منهم. وقد بلغ مغاربة الداخل والخارج في ذلك مبلغا تجاوز الحدود، إلى اعتباره الواجب الأول وربما الوحيد لدى بعض الناس، ما أنساهم واجبا آخر لا يقل أهمية عن نقد الحكومات، ألا وهي تفشي ظاهرة السب والشتم بأبشع الألفاظ.

وهكذا، شاعت آفة السب والشتم، إذ في كل حادثة، أو مناسبة، أو ظهور أو تصريح، لمسؤول حكومي أو سياسي أو حتى في مباراة كرة لا تنال رضا الجماهير يلجأ عدد من  المغاربة للسب والقذف لأسباب تافهة في الغالب.

من حق كل مغربي أن يعبر عن رأيه تجاه قرارات الحكومة، إيجابا أو سلبا، يتفق أو يختلف معها، ولكن ليس من حقه اللجوء إلى سب وشتم الأشخاص وأسرهم، والإساءة إليهم والتطاول عليهم. ذلك أن السب والقذف لا يمت لمفهوم النقد، ولا لحرية الرأي والتعبير بأي صلة، فالنقد له آدابه وقواعده وفنونه، والنقد لا يكون نقدا حينما يترك الظواهر ويركز على المظاهر، ويترك نقد القرارات وصناعتها ويركز على الحياة الخاصة للوزراء والمنتخبين والإساء إليهم ولأسرهم. وهذا ظلم مرفوض.

ظاهرة السب والقذف المثيرة للغثيان تدل على أن ثقافة المجتمع المغربي آخذة بالتراجع بدلا من التقدم إلى الأمام، ذلك حديث الغالبية الذي تتداوله في اللقاءات والمنتديات والمناسبات. لكن لا أحد يتوقف ليفكر في الظواهر السلبية مثل السب والتشهير في الأماكن العامة والشوارع والطرقات. بينما يزداد النقد للحكومة في موقف يكاد يقول أن كامل المسؤولية عن مشاكل المغاربة تتحملها الحكومة ولا أحد غير الحكومة.

‏في حين أن الحكومة ليست مسؤولة عن تربية الأولاد والبنات وعن السب والشتم في الشوارع والاعتداء على المعلمين والأساتذة والأطباء والممرضين وغيرهم، ومسؤولياتها غير كاملة عن التربية في المدرسة والجامعة والحزب وأي مؤسسة مدنية.

بناء على ما سبق، السب واستخدام الألفاظ النابية و"المنحطة" ضد الحكومة خطر محدق، يهدد المجتمع والدولة معا. وبهذه الثقافة المنحطة سوف يكون مستقبلنا جميعا غير أمن. نقد ثقافة المواطنين وإصلاحها واجب مثلما هو نقد الحكومة وإصلاحها، وإلا تراجع الانتماء للمصلحة العامة لحساب المصالح الخاصة والفئوية المختلفة.

كان الرئيس الامريكي أبراهام لينكون يقول: "أنا لا أقرأ رسائل الشتم التي توجه إلي، ولا أفتح مظروفها فضلا عن الرد عليها، لأنني لو اشتغلت بها لمَا قدمت شيئا لشعبي".

وصفوة القول، إن مشاكل المغرب المتعددة لاتحل بكثرة السب والشتم للحكومة في المقاهي والملاهي، وإنما بالنقد البناء، وبالمطالبة بالعدل والمساواة، وبالعمل والانتاج.