عبد الصمد بن شريف: لبؤات تألقن وتوهجن نجوما وثريات في العلا

عبد الصمد بن شريف: لبؤات تألقن وتوهجن نجوما وثريات في العلا عبد الصمد بن شريف

أمس، تابع المغاربة بجرعة عالية من الأمل والاعتزاز، المقابلة التاريخية، التي جمعت المنتخب المغربي للسيدات بنظيره الجنوب-إفريقي، ضمن منافسات الدورة الرابعة عشرة لكأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات، التي احتضنها المغرب، والتي تكللت ببلوغ لبؤات الأطلس، الدور النهائي لهذه المنافسة القارية، والتأهل التاريخي إلى نهائيات كأس العالم 2023.

مؤكد أن المغاربة حيثما وجدوا، كانوا يتطلعون إلى أن تكون الكأس، من نصيب شابات تألقن وتوهجن نجوما وثريات في العلا. وكانوا يعتبرون، هذا الإنجاز لو تحقق، هو بمثابة ثأر رمزي للمنتخب الوطني لكرة القدم "ذكور"، الذي لم يتمكن من الفوز باللقب القاري، سوى مرة واحدة. لكن لكرة القدم منطقها وقواعدها.. وهي منافسة تحتمل النصر والهزيمة. وهنا تتدخل عوامل التجربة والخبرة، واللياقة البدنية والتراكم على مستوى المنافسات. والروح القتالية والتكتيك والاستراتيجية، والتأطير النفسي والذهني، والقدرة على الانسجام والتنسيق وبناء الهجومات بشكل سلس. إلى جانب، وجود دفاع متماسك، ووسط ميدان منتشر بشكل جيد. وأجنحة مناورة وقادرة على الانفلات وإحداث المفاجآت. جزء من هذه العوامل كان حاضرا، فيما غابت أجزاء أخرى. وكان لافتا، وجود تفاوت في الأداء بين لبؤات الأطلس. لكن تألق عدد لا يستهان منهن -وأذكر هنا على سبيل المثال غزلان وتكناوت وياسمين وروزيلا وخديجة الحارسة الشامخة والمقاتلة- أظهر وأكد، أن المغرب أصبح يتوفر على منتخب وطني للسيدات، واعد بكل المقاييس. وقادر على تحقيق نتائج إيجابية في المستقبل. علما أن هذا الانجاز التاريخي، الذي تحقق وهو الأول من نوعه في سجل كرة القدم النسوية ببلادنا، يحسب لكافة مكونات المنتخب، من لاعبات ومدربين وأطر تقنية وطبية وإدارية، ومسؤولي وأطر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والذي ينضاف للإنجازات التي حققتها بلادنا، في مختلف الأنواع الرياضية..

وبدون شك، ستشكل رسالة التهنئة التي بعثها جلالة الملك محمد السادس إلى هذا المنتخب الشاب والفتي، دفعة قوية وشحنة معنوية؛ ومما جاء فيها "كلنا فخر بهذا المنتخب الذي أظهر، طيلة أطوار هذه البطولة القارية، روحا تنافسية عالية، وقدم أداء متميزا، يشكل نموذجا رائعا في الجد والمثابرة، والتحلي بالغيرة الوطنية، لرفع راية الوطن عاليا."

شخصيا لم أنشر أي تدوينة عن منتخبنا الوطني للسيدات.. اكتفيت بالمشاهدة والتفاعل والانفعال الإيجابي والاستمتاع بالأداء الفني والصمود الذي تميز به في عدد من المقابلات؛ وعكس التبرة النقدية البناءة طبعا، والتي غالبا ما تسم تفاعلي مع أداء المنتخب الوطني للذكور. فإنني قدرت واعتبرت أن لبؤات الأطلس، هن في حاجة إلى المساندة والدعم والتشجيع ورفع المعنويات؛ لأن سياق ومقام المنافسة وطبيعتها ورهاناتها، عناصر تفرض مثل هذا الموقف .

بيد أنه، وبعد إسدال الستار على منافسة، ترك تنظيمها المحكم والجيد أثرا ايجابيا لدى مسؤولي "الكان" لابد من الإدلاء ببعض الملاحظات:

1- خسرنا الكأس وربحنا منتخبا سيكون له شأن كبير، شريطة الاستمرار في نفس النهج، وبنفس الحماس والطموح، مع تقييم موضوعي وقراءة دقيقة وعلمية، لمجمل الثغرات والاختلالات التي سجلت على امتداد هذه المنافسة.

2- أظهر أداء المنتخب المغربي للنساء، مدى تعاطف ودعم الشعب المغربي للبؤات الأطلس. وفجر لحظة فرح جماعي واعتزاز قل نظيره. وأسقط عددا من الكليشيهات والتمثلات والصور النمطية وحتى الطابوهات. كما أكد، أن البعد الوطني يبقى هو المحدد، في عدد من المنازلات والمنافسات المصيرية، بصرف النظر عن الجنس.

3- في مختلف  المنافسات ذات البعد القاري والدولي، خاصة عندما تنظم في بلد المنتخب الذي يخوض الأدوار النهائية؛ ينبغي التوفر على حزمة إجراءات استباقية ووقائية، لتحصين عناصر المنتخب ضد عدم التركيز، وتفادي تعريضها للضغط النفسي والتوتر الذهني. كما يجب أن تخضع هذا العناصر لتأهيل خاص في مثل هذه الحالات. كما أن عدم التحلي بالواقعية والنسبية، في التعاطي مع مقابلة حاسمة، ضد منتخب إفريقي قوي وواقعي بلغ خمس نهائيات في منافسات كأس إفريقيا للسيدات؛ إلى أن تمكن في السادسة من الفوز بالكأس في المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط.

4- ليس هناك شك، في كون هذا المنتخب الشاب، فجر مجموعة من الأسئلة والنقاشات والملاحظات، بخصوص الصورة الحضارية والحداثية التي قدمها عن المجتمع المغربي. لكن لا يجب أن ننساق وراء كتابات وقراءات شعبوية سطحية، اعتبرت أن منتخب سيدات المغرب، أحدث ثورة اجتماعية في العمق. وانقلابا جذريا في منظومة القيم. وهنا وجب التنبيه، إلى أن التحولات والتغيرات الجوهرية لا نحدث فجأة وبشكل إرادي. هناك صيرورات  ومسارات وتراكمات، وتاريخ طويل من النضالات والتضحيات وقوافل من الشهداء ومناضلات ومناضلون في الأحزاب الوطنية الديمقراطية والتيارات اليسارية والجمعيات الجادة والنقابات الوازنة اللواتي والذين أمضوا سنوات في السجون دفاعا عن الديمقراطية وحقوق المرأة والمساواة ودولة المؤسسات. ولابد أن نستحضر هنا الدور الطلائعي الذي لعبه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب  في هذا الإطار.

5- من غير اللائق مغادرة الجمهور مدرجات الملعب، قبل حفل توزيع الكأس والميداليات؛ خاصة وأن المغرب هو البلد المنظم. هذا السلوك لا علاقة له بالأخلاق والروح الرياضية.. وقدم صورة سيئة، ألحقت ضررا كبيرا بما حققه المغرب على مستوى التنظيم، وتأمين مختلف الخدمات والحاجيات والتسويق الإعلامي المكثف، والتغطية الموفقة للقناة الرياضية التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. شخصيا شعرت بالتذمر والاستياء، وأنا أشاهد منتخب لبؤات الأطلس وحيدا.. ومن بقي في الملعب، هم أنصار منتخب جنوب إفريقيا للسيدات. أنصار صمدوا ورابطوا حتى الدقيقة الأخيرة ليحتفلوا ويعيشوا أجواء التتويج بالكأس القارية.

وإذا كنا نتفق في المنطلق بأن لبؤات الأطلس رفعن رؤوسنا عاليا، وأكدن علو كعبهن ورباطة جأشهن. وإذا كنا عقدنا العزم على أن نقف حتى النهاية، الى جانب هذا المنتخب، سواء فاز بالكأس أو احتل الرتبة الثانية.. فلماذا هرولت تلك الآلاف إلى الانسحاب، وترك اللجنة التنظيمية والمنتخبين لوحدهما. فيما يشبه حالة من عدم الرضا والارتياح، بسبب أداء لبؤات الأطلس؟

في كل الأحوال، يجب أن نستثمر في العنصر البشري، بدءا بتوفير منظومة تربوية ناجعة ومستقرة قادرة على إنتاج قيم المواطنة والوطنية الحقيقية والعقلانية.. وهذه القيم، مشتلها ومنبتها الأساس هو المدرسة، عمومية كانت أم خاصة. كما أن صناعة المستقبل، عبر إعداد جيد وتنشئة متوازنة وناجحة للشباب. تقتضي سياسات عمومية متماسكة، بأهداف واضحة ومحددة، في مجال الشباب والرياضة والإعلام وقطاعات أخرى...

 

عبد الصمد بن شريف، إعلامي وكاتب