أحمد حضراني: برنامج عمل الجماعة.. أي تقييم؟

أحمد حضراني: برنامج عمل الجماعة.. أي تقييم؟ أحمد حضراني
لاحظت المؤسسة القيمة على التقييم أن الجماعة  -القاعدية-، وهي بصدد إعداد برنامج عملها، على غرار الجماعات الترابية الأخرى، لم تقم بتقييم مخططاتها التنموية السابقة من أجل حصر المنجزات والنقائص، رغم كون بعضها قد امتصت الملايين بسبب تكلفة مكاتب الدراسات، أو أعدت بواسطة الموارد البشرية للجماعات،أو تلك التي ظلت عاجزة عن ذلك. وبين هذا وذاك هناك من انبرى حاملا حقيبته المستعارة؟ّ
يندرج برنامج عمل الجماعة ضمن اختصاصاتها الذاتية ( المادة 78 من القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات) وأنجزت المجالس الجهوية للحسابات مهمات رقابية، همت 206 جماعة؛ قصد تقييم وظيفة التخطيط الاستراتيجي لدى الجماعات، ومدى استيعابها وتطبيقها للقواعد المعتمدة في مجال برمجة وتنفيذ برامجها  وأفضت هاته الأعمال الرقابية (التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و 2020) ذات الصلة ببرامج عمل الجماعات إلى جملة من الملاحظات. يمكن التوقف، في هاته المحطة، عند نقطتين:
 
1-غياب التقييم: 
سجل القضاة الماليون أن الجماعات التي تمت مراقبتها، لم تقم بتقييم مخططاتها التنموية السابقة لجرد المنجزات والنقائص، خصوصا، وأن نسبة مهمة من المشاريع المبرمجة سابقا لم تنحز، وأن مشاريع أخرى تم إنجازها ولكن افتقدت للجدوائية. بل إن غالبية الجماعات المراقبَة لم تتمكن من إعداد برامج عملها داخل الأجل القانوني المحدد، حيث عرفت تأخرا، تجاوزت مدته في بعض الحالات ثلاث سنوات، أي نصف مدة الولاية الانتدابية.

وإذ يمكن تسجيل وجاهة الملاحظة المدلى بها، وإن طالت فقط 206 جماعة، فهي قابلة للتعميم؛ لغياب ثقافة التقييم لدى الفاعل والمدبر (الإداري والمنتخب) على المستوى الوطني والترابيّ. 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى ورغم غزارة النصوص التشريعية (أساسية، عادية، فرعية) في تأطير برنامج عمل الجماعات والتفصيل فيها، (فضلا عن دلائل منهجية رسمية وبحثية في هذا الإطار) فإن “التشويش التشريعي” ساهم في إعداد برامج عمل الجماعات خارج الأجل القانوني المحدد (السنة الأولى من المدة الانتدابية للمجلس التداولي). فبرنامج عمل الجماعة  يتم إعداده بانسجام مع توجهات برنامج التنمية الجهوية (المادة 78 من القانون التنظيمي للجماعات)، مع السعي إلى تحقيق الانسجام والالتقائية مع برنامج تنمية العمالة أو الإقليم عند وجوده (المادة الثالثة من مرسوم رقم 301. 16.2  في 29 يونيو 2016 بتحديد مسطرة إعداد برنامج عمل الجماعة و تتبعه وتحيينه وتقييمه وآليات الحوار والتشاور لإعداده). لكن الملاحظ  في هذا الخصوص هو عدم احترام تراتبية إصدار البرامج التنموية للجماعات الترابية ،إذ سجل   تأخر في إصدار البرامج التنموية الجهوية، وتلك الخاصة بتنمية العمالة أو الإقليم؛ مما حال دون أخذ توجهاتهما وأولوياتهما بعين الاعتبار، كما أن هناك مجالس جماعية أعدت برامج العمل قبل صدور المرسوم المذكور ، اعتمادا فقط على المبادئ الأساسية المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات. وقد تم تدارك ما تم إغفاله، وملاءمة هذا البرنامج بعد صدور المرسوم المعني. فالتشريع كان خارج الموعد، وهدر الزمن التشريعي فاقم من الممارسة المعطوبة أصلا. بل الأكثر من ذلك أن مرسوم  مسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه، لم يصدر إلا بعد صدور مرسوم تحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه. مع العلم  أن هذا الأخير ينبغي أن يراعي ادماج التوجهات المصادق عليها  في التصميم الجهوي لإعداد التراب (أي أن الثاني صدر قبل الأول المرجعي). بل الملائم في هذا الصدد أن يتم إعداد برنامج عمل الجماعة هو الأول لارتباط هاته الأخيرة بخدمات القرب، تم برنامج تنمية العمالة أو الإقليم  في مرحلة ثانية، فبرنامج التنمية الجهوية بعدئذ ،احتراما لمبدأ التفريع،وليكون للبعد التنموي جذور من الأسفل، من القاعدة ليس إلا.
 
2- مرحلة التشخيص والمقاربة التشاركية
 لاحظ تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن جل الجماعات  لا تولي الأهمية اللازمة لمرحلة التشخيص، ولاسيما إشراك عامل العمالة أو الإقليم، أو من ينوب عنه، بصفته المكلف بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ، ووجود قصور في إعمال الآليات التشاركية التي من شأنها إشراك المواطنات والمواطنين والجمعيات والهيئات الاستشارية المكلفة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع في إعداد برامج عمل الجماعات. 
 
أ- فبخصوص النقطة الأولى، فإن إهمال إشراك عامل العمالة أو الإقليم في التشخيص، تطرح أكثر من علامة استفهام  فعامل العمالة أو الاقليم أو من يمثله يحضر الاجتماع الإخباري والتشاوري بخصوص إعداد   مشروع برنامج عمل الجماعة، كما يمكن لرئيس المجلس دعوة مسؤولي المصالح اللاممركزة  للإدارة المركزية، وعن طريق عامل العمالة أو الاقليم  لحضور هذا الاجتماع،  كما يمكنه دعوة كل شخص آخر يرى فائدة في حضوره. و يصبح المقرر المتعلق ببرنامج العمل قابلا للتنفيذ بعد التأشير عليه من قبل عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه داخل أجل عشرين يوما (20) من تاريخ التوصل به من رئيس المجلس (المادة 118  من القانون التنظيمي  للجماعات). وبالتالي هل يمكن الاستغناء عن الدور التنسيقي للرجل الأول في الإقليم ، وهو الذي له سلطة المصادقة (التأشيرة) على مقرر برنامج عمل الجماعة؟.

ب- بالنسبة للنقطة الثانية، والمتعلقة بقصور إعمال المقاربة التشاركية المدنية والمواطنية، حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فهي  في الصميم، وحتى إن تم العمل بها، فلا تخل من الطابع “الفولكلوري” أو  الشكلي، إذ لا مندوحة منها، وكأنها شر لا بد منه، لأجل تمرير برنامج العمل، ولتفادي تدقيق وملاحظات الجهاز الرقابي ذي الطابع الإداري أو القضائي. فجمعيات المجتمع المدني في حاجة إلى دعم قدراتها، لتشكل قوة اقتراحية رصينة، ولتتخلص من التسييس. والجهاز المنتخب يكاد أن يجمع بأغلبيته وأقليته “المتطاحنة” على لفظ  كل اقتراح “براني”، بل يستكثر حتى  في الهيئة الاستشارية المكلفة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع (وهي جهاز يدعم الهيكلة الخارجية للمجلس) أن تجود باقتراحاتها في إعداد برنامج العمل، بما ينسجم مع اختصاصات الجماعات بشكل عام، وهي فرصة يجب استغلالها رغم أنها مهددة بمبدأ المجانية. أما آليات العرائض المواطنية والمدنية، فترفض في المجمل، لأسباب شكلية تافهة (وهنا يعبر عن  ضيق صدر المنتخب). وعموما فالعلاقة  التي تطبع  الثلاثي (المشترك في الميمات –حرف الميم- الثلاث) المركز، المنتخب، المجتمع المدني تنطبع  بطابع التوجس والريبة.
 
على سبيل الختم
لوحظ أن غالبية الجماعات سجلت نسبا ضعيفة بخصوص إنجاز المشاريع المبرمجة في برامج العمل، تراوحت بين 3% و37% حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي جاد بتوصية تتغيا توخي الواقعية في انتقاء المشاريع التنموية المراد إنجازها، ضمن المخططات الإستراتيجية للجماعات. وإذا كانت نسب الإنجاز خجولة، ودون المعدل، وقد تعزى  بوباء كورونا، وضعف التأهيل الإداري، وطغيان السياسوي، فإن الحرص على التذكير بالمخطط الاستراتيجي يصطدم في مغرب الهنا والآن، ومع الإعداد الحالي لبرنامج العمل، مع ظاهرة انتشار الكلاب الضالة، وترييف المدن بالدواب، وتفشي ظاهرة المتشردين والمصابين بالأمراض العقلية، المتقاذف بهم(ن)  في ظل ضعف الطاقة الاستيعابية للمراكز والمستشفيات المختصة، والمحسوبة على أصابع اليد، وكذا إغلاق” مارستان بويا عمر” الذي تمشدق به في حينه، كأنه فتح مبين دون بديل!!