بشر بناني: ستة حلول للخروج من الركود الثقافي في بلدنا

بشر بناني: ستة حلول للخروج من الركود الثقافي في بلدنا

آخر شيء تفكر فيه البورجوازية بالمغرب هو الكتاب. وهو ما يفسر لماذا لا يتم الاستثمار في إنتاج الكتاب بالمغرب بشكل يقود إلى حصر المشاركة المغربية في المعارض الدولية في حدود عشر دور على أبعد تقدير. هذا ما كشفه بشر بناني، مدير منشورات طارق، الذي يشرح لقراء «الوطن الآن» لماذا يعيش المغرب أزمة ثقافية دائمة...

 

حاوره: بوجمعة أشفري

 

+ ما الذي يجعلنا كلما حل اقترب شهر أكتوبر من كل سنة، نتحدث عن أزمة الدخول الثقافي؟

- أعتبر أن هذا خطأ.. فالأزمة الثقافية سارية في المغرب على طول السنة. وعلى الإعلام المكتوب ألا ينتظر هذا الشهر ليتحدث عن دخول ثقافي أو أزمة ثقافية. ولأكون صريحا معك، الدخول الثقافي الصحي موجود في البلدان المتقدمة، في أوروبا مثلا. فإذا أخذت «لوموند دي ليفر» ستجد أنه يعلن عن أكثر من مائة كتاب صادر حديثا في هذا الأسبوع.. لماذا تصدر هذه الكمية من الكتب في أسابيع شهري شتنبر وأكتوبر ونونبر؟ لأنه في هذه الفترة بالذات يتم الإعلان عن مئات الجوائز الأدبية المهمة. نحن هنا في المغرب إذا أصدرنا كتابا واحدا في الأسبوع، ينبغي ألا نقولها لأحد، أضف إلى ذلك أننا لا نملك إلا جائزة يتيمة هي جائزة المغرب للكتاب، ورغم ذلك فهي تطرح مشاكل عديدة، إذ أنها في كل سنة تثير ضجة حولها بخصوص من يستحقها ومن لا يستحقها...

+ على ذكر جائزة المغرب للكتاب نلاحظ أنها لا تثير الانتباه، ولا ترفع من قيمة الكتب التي تنالها ولا أيضا من المبيعات.. ورغم أننا نصدر منذ سنوات كتبا رغم قلتها إلا أننا لم نستطع لحد الآن إنتاج الكتاب الحدث أو المؤلف الحدث. ما هو السبب في نظرك؟

- هناك مسألتان مهمتان. الأولى هي تنظيم الجائزة والتعريف بها وكيفية صياغتها تكوين لجنة تحكيمها.. وهذه الأمور في اعتقادي ما زالت ضعيفة بسبب ضعف التدبير الكامن في وزارة الثقافة. أما من ناحية الإنتاج فبالفعل نحن لا نرقى إلى مرتبة مهمة في إنتاج الكتب تجعلنا نتبين الكتاب الحدث أو المؤلف الحدث، وهذا راجع إلى الأزمة الثقافية بصفة خاصة وأزمة المجتمع بشكل عام... فلا يمكن لوردة تتفتح أن تظهر وتنتعش في صحراء بائدة. أكيد أنه مطلوب منا مجهود في هذا الباب، ولكن هذا المجهود لا يمكنه أن يكون إلا إذا كان الكاتب أو المفكر معترف به في المجتمع...

+ ما هي المعيقات التي أدت إلى هذا الركود الثقافي على جميع المستويات، إنتاجا، نشرا، توزيعا، إلخ...؟

- كل شيء مرتبط في هذه الأزمة التي نعيشها.. وأذكر هنا الأزمة التي يعيشها التعليم والذي هو أحد أسباب الازدهار المجتمعي إذا كان هو مزدهرا. التعليم عندنا يزداد سوءا سنة بعد سنة.. أين نحن من كتاب ومفكري الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي؟ هذه الأزمة الثقافية كذلك مرتبطة بالجو السياسي الراكد وبالصراعات المجانية التي لا تسمح لنا بالتقدم مجتمعيا وثقافيا.

+ باعتبارك مارست التنشيط والتنظيم الثقافيين لسنوات طويلة، وباعتبارك الآن تتحمل مسؤولية إدارة «منشورات طارق»، ألا ترى أن دور النشر مسؤولة هي الأخرى عن هذا الركود الثقافي الذي يحول دون دخول ثقافي صحي في المغرب؟

- ما يمكننا ملاحظته في هذا الباب، هو أن عدد دور النشر في المغرب قليل جدا لا يتجاوز الثلاثين، ورغم ذلك فهي لا تنتج على طول السنة سوى عشرة أو عشرين عنوانا، بالطبع بعد إزالة عناوين الكتب المدرسية وكتب الطبخ. وأعطيك مثالا، حينما نكون في أحد المعارض الدولية (القاهرة أو تونس أو باريس) لا يكون حاضرا من دور النشر المغربية إلا عشرة. وهذا راجع إلى أن لا أحد يستثمر في إنتاج الكتاب.. فآخر شيء يهم البورجوازية عندنا هو الكتاب، إن لم نقل أنها لا تلتفت إليه إطلاقا. أما من ناحية الإنتاج والعمل في دور النشر فلا يمكننا أن نعمم العطالة الإنتاجية، إذ أن هناك من يعمل بجد بقدر المستطاع المتاح إليه... ولا يمكن، في اعتقادي، أن ترفض دار نشر كتابا مهما سيحمل قيمة مضافة. إن دورنا الأساسي هو نشر الكتب التي ستفيد شريحة القراء. وما يجعلني شخصيا أعود كل يوم إلى مكتبي هو انتظاري لهذا الكتاب الحدث. أجل تصلني عشرات المخطوطات لكنني لا أجد ضمنها سوى خمسة كتب صالحة للنشر. على الناشر أن يحترم القارئ بتقديمه كتبا جيدة ومهمة...

+ هناك من يقول إن المغاربة لا يقرأون الكتاب الأدبي؟

- هذا، في نظري، خطأ. إن المغربي يقرأ لكنه لا يقرأ أي شيء. والكتاب الجيد الحامل لقيمة مضافة يجد قارئه بسهولة. هناك كتب سبق لي أن نشرتها لم تبع منها إلا مائتين أو ثلاثمائة نسخة، وهذا راجع لعدم أهميتها، وأعترف هنا بخطئي في نشرها. بالمقابل هناك كتب أخرى نالت حظها في البيع والقراءة (20 ألف إلى 30 ألف نسخة)، وهذا راجع لأهميتها وجديتها، وأنا هنا أتحدث دائما عن الكتاب الأدبي...

+ ما زالت العلاقة مبهمة بين الناشر والمؤلف مما يجعل بعض الكتاب والمؤلفين ينشرون كتبهم على نفقتهم الخاصة، حتى لا يأكل الناشرون حقوقهم كما يقول البعض؟

- سمعت مثل هذا الكلام، ذات مرة، من فم وزير الثقافة محمد الصبيحي، الذي قال إن الناشرين يأكلون حقوق المؤلفين، وأعتبر هذا الكلام غير مسؤول من رجل مسؤول على قطاع الثقافة. وأقول له من هنا، إذا كان هذا الكلام صحيحا، فما عليه إلا أن يُخرج لائحة هؤلاء الناشرين الذين يهضمون حقوق المؤلفين، وفضحهم. بالطبع سنجد ثلث أو ربع دور النشر هي التي لا تؤدي واجبات المؤلفين. وعليه لا ينبغي أن نعمم ما يفعله البعض على الكل. ورغم أن دور النشر المحترمة لا تستثمر الأموال من الكتب التي تنشرها على طول السنة، إلا أن هذا لا ينبغي أن يسمح لها بهضم حقوق مؤلفيها. أما بالنسبة للكتاب الذين ينشرون كتبهم على نفقاتهم الخاصة، فأعتبر هذا الأمر خطأ. ذلك لأن دور الكاتب هو التفكير والكتابة وليس النشر والتوزيع. فلا يعقل أن يصبح الكاتب ناشرا وموزعا وقابضا، لأني أعتبر أن هذا الجهد المضاعف الذي يقوم به عليه أن يقوم به فقط في التفكير والكتابة، هذا هو دوره الأساسي، وليترك الباقي للناشر والموزع يقومان هما أيضا بعملهما. إن إنتاج الكتاب هو سلسلة مكونة من أطراف متعددة، على كل طرف منها أن يقوم بعمله الخاص به ويترك الباقي للأطراف الأخرى.

+ ما الذي يمكن فعله حتى نتجاوز هذا الحديث الممل والمتكرر عن أزمة الدخول الثقافي؟

- سأقف هنا عند أهم النقط المهمة. الأولى: الخزانات العامة ينبغي أن يعاد إليها الاعتبار من خلال إعادة تهييئها وتكييفها لتصبح صالحة بالفعل للقيام بدورها، وينبغي أن نعيد تكوين الموظفين الذين يشتغلون فيها. الثانية: على الجماعات أن تكون واعية بأن في مصلحتها فتح مكتبات. الثالثة: تنظيم لقاءات في كل الأحياء والدروب، وعلى الكل (وزارات الثقافة والشباب والداخلية والجماعات والجمعيات) أن يساهم في تنظيمها وتنشيطها. الرابعة: ينبغي إدراج مادة القراءة في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، بحيث يصبح كل تلميذ تقريبا قارئا لكتاب واحد في السنة. الخامسة: إنشاء خزانات في المدارس، إذ أننا نلاحظ أن تسعين في المائة من المدارس لا تتوفر على خزانات إطلاقا. سادسا: ينبغي أن تكون عندنا سياسة وطنية للكتاب واضحة المعالم في الترويج وتنظيم المعارض الجهوية والوطنية والدولية...