نجاة المريني في برنامج "مدارات": الباحثة التي افتتنت بالعصر السعدي

نجاة المريني في برنامج "مدارات":  الباحثة التي افتتنت بالعصر السعدي الدكتورة نجاة المريني
● رحلة الشغف بالتراث الأدبي والحضاري المغربي: 
قدم الزميل عبد الاله التهاني حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية من الرباط، استقبل خلالها الكاتبة والباحثة الجامعية الدكتورة نجاة المريني، التي قال عنها بأنها نذرت نفسها منذ أزيد من أربعين سنة، للبحث والتنقيب في الموروث الأدبي والحضاري المغربي، تحقيقا ودراسة ، وبأنها درجت على الاهتمام بالإنتاجات الأدبية المغربية الحديثة والمعاصرة، معرفة بأعلام المغرب في مجالات الأدب والفكر والتاريخ والفقه والسياسة، وكذا في مجال العمل الوطني  من أجل استقلال البلاد وبناء الدولة المغربية ، حريصة في ذلك على تثمين الهوية المغربية وإبراز خصوصياتها ، مضيفا بأن في مسارها الجامعي محطات مضيئة ، بدأتها بحصولها على الإجازة عام 1967، ثم على ديبلوم الدراسات العليا في الاداب  من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1883، وعلى دكتوراه الدولة في الدراسات الادبية من نفس الجامعة، سنة 1994. 
 
وعن مسارها المهني أوضح  الاعلامي عبدالاله التهاني بأنها زاولت  التدريس وتدرجت في مختلف أسلاكه، من التعلم الثانوي إلى التعليم الجامعي، وأطرت عشرات الأفواج من طلبة الدراسات الأدبية العليا في إعداد أبحاثهم ورساءلهم وأطروحاتهم.
وفي ذات السياق ، أوضح بأن همة الدكتورة نجاة المريني ، قد تعلقت بالتراث الأدبي المغربي، فحققت منه نصوصا وآثارا مهمة، وجمعت شتات ما تأتى لها الوصول إليه، وعلقت عليه، وتناولته بالدرس والتحليل ، مسجلا بأنها سارت في سعيها هذا  على ثلاثة محاور كبرى، سكبت فيها كل جهودها.

ويتعلق الأمر أولا،  وفق مأ ذكره معد ومقدم البرنامج،  بتحقيق مخطوطات مهمة، ثم الكتابة عن الأعلام من القدماء والمحدثين، ثم التصدي لدراسة ظواهر ثقافية وإنتاجات إبداعية، مضيفا أن وقد   الدكتورة نجاة المريني ، زادت على على كل ذلك، فكتبت في أدب الرحلة والمذكرات. 

وفي هذا الاطار أشار إلى أن في رصيدها 18 كتابا، توزعت بين التحقيق والتأليف، فضلا عن مساهمتها العديدة بدراساتها ومقالاتها البحثية ، في كتب صدرت بتأليف جماعي مشترك، علاوة  ينضاف على  عشرات المقالات، موزعة على أعمدة الصحف اليومية والمجلات الثقافية المتخصصة.
 
● عبد العزيز الفشتالي والمفتاح الاول لولوج عصر السعديين: 
وخلال الحوار، وجوابا على  سؤال بشأن دواعي تركيز  اهتمامها على العهد السعدي، أكدت الدكتورة المريني أن اهتمامها بهذا العصر يعود إلى سنوات دراستها الثانوية، عندما كانت دائما تقرأ عن عن شعراء المشرق قديما وحديثا ، ولاحظت إغفال الحديث عن الادب المغربي، مضيفة أن ما لفت نظرها إلى العصر السعدي، هو ما قرأته من قصائد في وصف قصر البديع في مراكش بالنسبة للشاعر عبد العزيز الفشتالي، مبرزة أن  تلك القصائد، هي التي أوحت لها  أن تنقب في هذا العصر، وأن تتعرف عليه أكثر،  لأنه بنظرها عصر قوي من جميع النواحي، الحضارية والثقافية والعمرانية والسياسية، واصفة عصر السعديين، بأنه  كان عصرا باذخا، ومن ثم  لذلك بدات في الاشتغال على شخصية الشاعر والمؤرخ  والوزير عبدالعزيز الفشتالي، معتقدة أنها ستجد  ضالتها  في الحصول على ديوانه، لكن ذلك كان أمرا عسيرا،  حسب قولها.

واعتبرت نجاة المريني أن شخصية عبد العزيز الفشتالي، هي شخصية متميزة ومعطاء، ولها مفاتيح كثيرة، على اعتبار أن الرجل كتب في التاريخ وفي أدب الرسائل، وفي الشعر وفي المساجلات. كما أنه قام بتصحيح ما طلب منه أن يصححه في ديوان المتنبي، من طرف السلطان أحمد المنصور السعدي. 

وأشارت نجاة المريني إلى أنها  التجأت إلى الأستاذ المرحوم عبد الله كنون، الذي جمع شتات نصوص العديد من الشعراء والأدباء والرحالة، في موسوعته الشهيرة "ذكريات مشاهير المغرب، وذلك من خلال رجوعها إلى  الكتيب الذي ألفه  عن الفشتالي، وفيه يذكر هو ايضا  بأنه لم يجد ديوان الفشتالي، وإنما حصل فقط على مجموعة من أشعاره.

وأوضحت أنها سعت لدى الأستاذ المرحوم عبد الله كنون، كي يرشدها  إلى بعض المخطوطات أو بعض النفائس، التي يمكن أن تجد فيها ضالتها، ومن ثمة بدأت التنقيب في المخطوطات التاريخية والأدبية والفقهية، وفي علاقات الفشتالي مع غيره. وأمام صعوبة العثور على كل ديوانه، فكرت أن تجمع  شتات قصائده الشعرية.
 
● ملامح الشعر المغربي في عهد السلطان أحمد المنصور السعدي: 
وعلاقة بأطروحتها لنيل الدكتوراه في الآداب حول موضوع الشعر المغربي في عصر المنصور السعدي، أوضحت  بأن هذا العصر شغلها  كثيرا، حتى صار هو بيتها  ومأواها، ولا يشغلها شيء إلا هذا العصر، وبات همها هو أن تجمع ما استطاعت من شتاته، من خلال التراث الدفين في المخطوطات المختلفة والمتعددة، بمختلف الخزائن المغربية على اتساعها، بدءا بالمكتبة الوطنية، وانتهاء ببعض الدور وببعض العلماء، الذين قالت إنها كانت تسترشد بهم وتسعى إلى لقائهم، بقصد التزود بالزاد المعرفي عن العصر السعدي.
 
وفي حديثها عن أبرز الأدباء في العصر السعدي ، وصفت أحد رموزه، وهو أبو العباس أحمد بلقاضي، بأنه فقيه ومؤرخ وفلكي وقاضي أيضا، وأنه كان صديقا حميما لعبدالعزيز الفشتالي، لافتة الانتباه إلى أنها توقفت فقط عند شعره، الذي بات متفرقا في المصادر والمراجع.  
 
● كتاب في أمداح السلطان السعدي: 
وفي سياق متصل أوضحت نجاة المريني أن المنصور السعدي الذي ظل يفتخر بشعراء عهده ، كان يقيم الليالي المتعددة،  للاحتفال بالمولد النبوي، حيث كان التباري بين الشعراء، ومنهم أحمد ابن القاضي،  الذي أبدع العديد من الميلاديات في هذا العصر.

وبخصوص المجموع الشعري التي قامت بجمعه ودراسته وطبعه، بعنوان "طلائع اليمن والنجاح فيما اختص به مولانا الشيخ من الأمداح" لجامعه الشاعر عبد العزيز التيملي، ذكرت بأن هذا العمل جدير بأن يلتفت إليه، لأن هذا الرجل هو جماعة، مشيرة إلى أنها  وجدت فيه، نكهة أخرى من الشعر المتعلق بالأمداح النبوية وبالأمداح السلطانية، مبرزة أن شعراء العصر السعدي،  كانوا معاصرين لبعضهم البعض، ويعيشون في نفس البلاط ، مشيرة في هذا الصدد إلى أن عبد العزيز التيملي، قام بجمع الأشعار التي توفرت لديه،  فوضعها في مخطوطات متعددة، وتمكن  الأستاذ المرحوم الدكتور محمد حجي  من الاطلاع في خزانة القرويين على كتيب بخط اليد ،  يجمع هذه الأشعار ، فقام الاستاذ حجي بنسخه بخط يده، ومكنها  من نسخة منه لتشتغل عليها.
 
وأوضحت الاستاذة نجاة المريني أنها وجدت في هذه الأشعار، صورة أخرى للشعر العربي في مراكش، مسجلة  أن السوسيين كانوا يحافظون وإلى اليوم على اللغة العربية، والدليل هو عبد العزيز التيميلي السوسي، الذي جاءنا من العصر السعدي، في أواخر القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر الهجري.
 
● شاعر يقود جيش المنصور السعدي: 
 وعن تحقيقها وجمعها لديوان الشاعر علي بن منصور الشيظمي، والذي كان من أبرز قادة جيوش السلطان أحمد المنصور الذهبي،  أبرزت  الدكتورة المريني بأن هذا الجمع أخذ منها وقتا طويلا، للعودة إلى المصادر المختلفة، واصفة  هذا الديوان الصغير بأن فيه أمداحا نبوية كثيرة ، وأشعاراصوفية واعتزازا بالذات، وأنه رغم صغر حجم  هذا الديوان ، إلا أنه كبير في قيمته  ومكانته.
 
● من عبدالعزيز الفشتالي إلى محمد بن علي الفشتالي: 
وفي سياق ردها على سؤال يتعلق بشخصية فشتالية أخرى،  هي شخصية محمد بن علي الفشتالي، ذكرت أنه ابن عم عبد العزيز الفشتالي، وأنه كان سفيرا لاحمد المنصور السعدي، لذلك لم يكن له حضور كبير في القصر  مع عبد العزيز الفشتالي، مشيرة إلى أنه كان هو صلة الوصل بين المنصور السعدي والعثمانيين في تلك الفترة، واصفة إياه بأنه كان إنسانا رقيقا ودقيقا في أشعاره وفي أمداحه أيضا، وأن السلطان  المنصور السعدي كان  يحن عليه كثيرا، ويعطف عليه، ويرى فيه صورة للسفير الناجح في تدبير العلاقات بين السلطة السعدية وبين الحكم  العثماني. 

وأشارت نجاة المريني  إلى أن الشاعر محمد الفشتالي ، كان ناثرا أيضا ، حيث كان يكتب الرسائل السلطانية إلى ملوك فرنسا وإنجلترا، وإلى العثمانيين، على غرار ما كان يفعله ابن عمه عبد العزيز الفشتالي، وهذه الرسائل جمعت ودونت في سفر خاص بها، أصدره المرحوم الاستاذ عبدالله كنون بعنوان  "رسائل سعدية"، ضم أكثر من ثلاثين رسالة سعدية كلها سلطانية، كتبها شعراء العصر السعدي الذين كانوا مبرزين في الشعر وفي النثر، على حد سواء، وهي تختلف عن الرساءل الموحدية.
 
● المغرب بعيون الشرق في رحلة ابن حمويه السرخسي:
وبخصوص تحقيقها  وتقديمها لما تبقى من رحلة بن حمويه السرخسي الذي عاش في عصر الموحدين، أشارت نجاة المريني بأن لهذا العمل قصة عجيبة، ذلك أن الرحلة كانت تتم من المغرب إلى المشرق، والناس يفتنون بالمشرق إلى اليوم، إلا في حالة  هذا الرحّالة الذي جاء إلى المغرب، في عهد  عثمان إبن صلاح الدين،  ليتفقد الأحوال وليقوم بسفارة من الدولة الأيوبية إلى الدولة الموحدية، مستحضرة ما قيل أيضا عن هذه الرحلة، كونها رحلة سياحة.

ومهما يكن من أمرها، فإن ضيفة البرنامج، اهتمت بما  استطاع ابن حمويه ( بتشديد الحاء)  تقديمه من أشعار في مدح المغرب والمغاربة، وفي مدح سلاطين المغاربة. وذكرت أن ابن حمويه أُعجب بالمغرب، ومكث مدة طويلة في مراكش قبل أن يعود إلى وطنه (مصر)، مشيرة إلى أن هذه الرحلة كلها،  عبارة عن ملتقيات شعرية وبعض المقطوعات النثرية، معتبرة أن رحلة هذا الرجل  ليست رحلة كما تعود عليها الناس، لانها كلها أشعار، مشيرة إلى أنها وجدت فيها  أكثر من 26 نصا شعريا ونثريا في نفس الوقت،  يتحدث فيها ابن حمويه السرخسي عن المغرب وطبيعته،  وعن شعراء المغرب، وعن محبته في المغاربة.