الجمعة 29 مارس 2024
خارج الحدود

اكتشاف أول لقاح لكورونا: الدب الروسي يثير جنون الديك الفرنسي

اكتشاف أول لقاح لكورونا: الدب الروسي يثير جنون الديك الفرنسي بوتين يتوسط ماكرون وعبد الالاه حبيبي
لاحظت في إحدى البرامج الفرنسية  المخصصة  لمناقشة  خبر  للقاح  الروسي المعلن عنه أخيرا نوعا من  النرفزة والقرف وكأن اللقاح هو وباء جديد سيسلط جنده على الفرنسيين ليقضي على كل ضجيجهم الإعلامي وتحركات سياسيهم الجدد في بعض جهات فرنسا لزيارة المستشفيات وتعبئة الأطقم الطبية لما يسمونه منذ بداية الوباء بالموجة الثانية التي تشبه تسونامي مفترض أو مسرحية في "انتظار غودو"... الخروج المفاجئ للرئيس الروسي اربك حسابات كل السياسيين الغربيين، لم يفهموا الرسالة التي جاءت صادمة، قوية، يعلنها الرئيس بنفسه، مما يعني انه يتحمل تبعات تصريحه أمام العالم، لم يكلف طبيبا مختصا، أو وزيرا من وزارئه بإعلان الخبر، بل قرر أن يكون هو شخصيا من سيذيع الخبر في العالمين، وهذا سلوك سياسي وإعلامي له دلالة واحدة، اي أن الأمر جدي، والاكتشاف حقيقي، والدولة الروسية بكل هيبتها وعظمتها من يتحمل مسؤولية الإعلان. هنا توقف الفرنسيون، يحاولون فهم فحوى هذه الرسالة، ولماذا الرئيس بنفسه يخرج ليذيع في الناس خبر نهاية الوباء، كانت لحظة انبهار وذهول، وتخبط، وكأن الأمر شكل صدمة لهم، في حين كان ينبغي أن يكون الرد هو العكس، أي الفرح والسرور بظهور علامات نهاية الوباء، وهذا ما يحلم به الناس أجمعين، لكن العكس هو الذي حصل، حيث أن الخاطر الضيق، والصدر المنقبض والحنق الذي لم يستطيع إخفاءه المتحلقون حول مائدة الحوار هو الذي ساد وكشف أن هناك صراع وتنافس قوي بين الدول والشركات من أجل الظفر بالسبق في ابتكار اللقاح والاتجار فيه وتحقيق مكاسب استراتيجية هائلة لم يستطيع تحقيقها أي بديل آخر حتى الحروب لم تفلح في ذلك... 
العالم اليوم بصدد بناء نظام جديد، نماذج تنموية بديلة، طرقا مستجدة لصيانة الأوطان وتجديد هرمية الدول، وضخ دماء جديدة في القرار الوطني الاستراتيجي، أي أن الوباء الذي كشف كثيرا من الضعف في الأنظمة الطبية والصحية كان أيضا حريقا إيجابيا، أنار الطريق لمعرفة الذات، واستنتاج الخلاصات، وتشخيص العلل، والتفرغ للتخطيط الجدي للمستقبل البعيد، اي أن القوة الرابحة هي التي تتسلح بالعلم، تستثمر في التعليم، تحضن العلماء والباحثين من مختلف التخصصات، تحد من الانحرافات التي عرفها التطبيب في العقود الأخيرة، بعدما دهسته الحمى الرأسمالية وأصبح وسيلة للغنى والربح على حساب صحة الناس ومستقبل البلدان.  طرح الوباء سؤال التخصصات التي كادت تنتهي، على غرار علم الأوبئة وعلم الفيروسات والأمراض التعفنية، حيث أن هذه التخصصات لا يمكن أن تفتح بها عيادة خاصة وتشرع في مراكمة الأموال، إنها تخصصات ترتبط بالقطاع العام، بالمجتمعات الإنسانية، بمصير البشرية، لهذا أصبح دورها رياديا، وأهلها بمثابة المخلصين الذين بعقولهم الذكية تبنى المعرفة الناجعة التي تجيب عن أسئلة الحماية من الأمراض المعدية وتداعياتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية، لهذا بات من الأولويات تغيير السياسة التعليمية في مجال دراسة الطب  وذلك بالرفع من القيمة العلمية والبيداغوجية لهذه التخصصات، وتشجيع الطلبة على اختيارها وإنجاز البحوث في مختلف فروعها، مع تشكيل فرق البحث في هذا الميدان في كل الكليات والمدارس التي لها علاقة بهذه التخصصات، ومدها بالدعم والتمويل لأجل الحصول على بنيات بحث علمي يمكن له أن يساهم في تطوير آليات متابعة  انتشار الأوبئة والتعرف على خرائطها وطرق مكافحتها والحد من مضاعفاتها المتعددة... وما سؤال اللقاح سوى جزء من هذه السياسات العمومية التي أبانت الآن عن فعاليتها في هذا السباق العالمي المحموم نحو إيجاد وسيلة للقضاء على الفيروس نهائيا  لكسب معركة علمية واقتصادية وإنسانية ستكون لها تداعيات على ما تبقى من الألفية الحالية...