الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: كورونا من المغرب إلى أمريكا.. "الأرباح أم الأرواح؟"

محمد الشمسي: كورونا من المغرب إلى أمريكا.. "الأرباح أم الأرواح؟" محمد الشمسي

يوشك عدد الإصابات بكورونا في أمريكا أن يصل إلى مليون مصاب، مات منهم أكثر من 45 ألف.. لا يمكن فصل اكتساح الفيروس لأمريكا عن سياسة رئيسها ترامب، فهذا الأخير وبدل أن يقود هجومه على الوباء بفضل ما أوتيت دولته من قوة على كل الأصعدة، أعلن حرب استنزاف على منظمة الصحة العالمية وجردها من مساهماته في ماليتها، مثلما قاد هجوما موازيا على الصين يحاول أن يمسح فيها خطيئة الفيروس عله يصيبها بضربة اقتصادية تحت الحزام.

 

يروي لي صديق يقيم في أمريكا أن الأمريكيين يضعون الأيدي على القلوب من سياسة الرعونة والمغامرة التي ينهجها رئيسهم، فقد فضل ألا يفرض على المواطنين حجرا صحيا كاملا وملزما، مثلما قرر ألا يوقف الاقتصاد بعقلية "الأرباح على حساب الأرواح".. ويزيد صديقي أن الأمريكيين يعون أن رئيسهم يعول على إسعاف الاقتصاد لكي يقدمه للأمريكيين "رشوة انتخابية"، دون أن يعي أن تمرد الجائحة وخروجها عن السيطرة قد يحول أكبر بلد إلى أكبر مقبرة، فأمريكا بجلالة قدرها تبين أنها لا تملك حتى عدد كمامات كافية لمواطنيها، وتعاني خصاصا في مواد التعقيم، وحتى بنيتها الصحية غير قادرة على تحمل فيروس لا يرى بالعين المجردة، لذلك فهم هناك -وبحسب حديث صديقي- مرتعبون من المستقبل، لاسيما من تقارير إعلامية تؤكد أن موجة ثانية من الفيروس ستعود أكثر قسوة وشدة في مستهل الخريف المقبل.

 

في دولة كالمغرب يوجد الوضع الصحي بفعل الوباء تحت المراقبة والسيطرة، ورغم أن دخول الفيروس للبلدين كان في وقت متقارب حيث لا زال عدد المتوفين أقل من 200 شخصا.. فأين يكمن السر والفرق؟، إن كان على إمكانيات المغرب فهي محدودة و بالكاد يقوى اقتصاده على منافسة ولاية أمريكية من الولايات الخمسين، لكن هناك فارق لا توفره القوة أو بالأحرى لا تحدده القوة الممزوجة بالطيش حد التهور، بل تضبطه كثير من الحكمة وبعد النظر لقادة هم خريجو مدارس السياسة ويمارسونها بعلم وإدراك وحنكة ومعرفة وسابق تدريب، وليس أولئك القادة الذين وجدوا صناديق الاقتراع تضعهم في مقصورة قيادة أقوى الدول وهم في أراذل العمر (ترامب عمره 74 سنة) وليست لهم رصيد سياسي غير إتقان سياسة السوق وسياسة الربح وسياسة الصفقات، وفن سياسة و تدبير الكازينوهات.

 

لذلك بقدر البون الشاسع ما بين أمريكا والمغرب على المستوى الاقتصادي والعسكري وعلى مستوى المساحة وعدد السكان، فإنه يوازيه بون معاكس يرتد لصالح المغرب على مستوى الحكمة والتبصر والطموح والعزم، تجعل القائد يرجح الأرواح على الأرباح، ويتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب فينجو مركب دولته الصغير من الدخول إلى قلب العاصفة، في حين يسوق طيش الأقوياء سفنهم العملاقة صوب فوهة الإعصار البحري.

 

شكرا لكورونا الذي حطم الأساطير، ولم يُقم شأنا للبوارج ولا للأساطيل، وفضح "حمقى السياسة" و"سياسة الحمقى"... وأنزل الحكمة والحكماء منزلة صدق.