الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الواحد الفاسي: علال الفاسي والاحتفال باليوم العالمي للمرأة

عبد الواحد الفاسي: علال الفاسي والاحتفال باليوم العالمي للمرأة عبد الواحد الفاسي

8 مارس؛ يوم المرأة ويوم الدفاع عن حقوقها. الكل أصبح اليوم يدافع، ولكن أين هي العفوية؟ أصبحت مناسبة لرفع شعارات هي بمثابة فقاعة سياسية لجلب الأصوات ومصالح أخرى. والكل يعلم أنه من أجل الوصول إلى هذه المرحلة -التي أصبحت المرأة فيها تستطيع أن تعبر عن نفسها وتشارك في كل مرافق الحياة ، سياسيا واجتماعيا ومهنيا- كان هناك كفاح صعب ومرير قام به وقاده رجال خاطروا بأنفسهم من أجل إخراج المرأة من غياهب المجتمع المظلمة إلى الفضاء الفسيح والمستنير بنور الحرية والكرامة. رجال لم تكن تحركهم مصالح ضيقة ولا جهات أو أجندات خارجية لها مصالحها الآنية وحساباتها البعيدة المدى وتخصص لذلك أموالا وامتيازات.

 

ومن بين هؤلاء الرجال الذين آمنوا بقضية المرأة باعتبارها إنسانا مكرما في حد ذاته وجزءا أساسيا وفعالا في المجتمع، هناك الزعيم علال الفاسي الذي كرس حياته للدفاع عن الإنسان -رجلا أكان أم امرأة- وعن حرية هذا الإنسان وكرامته.

 

كان علال يدافع عن حرية الرجل والمرأة معا، لأنه كان يعتبر أنه لا فرق بين الجنسين ولأن الوضعية التي كانت توجد عليها المرأة تجعلها أقل من العبد المملوك وقريبة من السجين وأن هذا الوضع لا يتفق مع تعاليم الدين الإسلامي أو مع الكرامة الإنسانية. إنه الوضع الذي يجعل نصف المجتمع مشلولا أو ضعيف الأداء ويحرمه بالتالي من فرص وإمكانيات التطور والنمو الذي يتطلع إليه.

 

إن دفاعه عن المرأة وعن حقوقها -والذي صدح به في زمن كان من الصعب التجرئ حتى على التفكير فيه- كان أمرا صعبا ومحظورا اعتبارا لما تحمله الدعوة إلى المساواة مع الرجل في الواجبات وفي الحقوق من تغيير في توزيع الأدوار داخل المجتمع ومن تقليص لسلطة الرجل.

 

لقد كان دفاعه عن تحرير المرأة منبثقا من قناعته التامة بأن شأن المرأة ليس شأنا خاصا ومتميزا عن شأن الرجل وأنه لا يجب أن يتم التعامل معها كأنها تمثل فئة خاصة ومنفردة في حد ذاتها. فهي في نظره ذلك الجزء من المجتمع الذي لا يمكن تصور المجتمع بدونه كما لا يمكن للمجتمع أن يوجد ويتطور في غيابه أو إقصائه. وهو التصور والاعتقاد الذي يجب ويقتضي أن تتم معاملة المرأة على أساسه.

 

إنها النظرة التي عبرت عنها فيما بعد الأديبة السورية غادة السمان بقولها: "إنني لم أطالب قط بتحرير المرأة أو بحقوقها، بل أطالب بحقوق الرجل وبتحرير الإنسان العربي امرأة ورجلا". وتضيف أيضا: "الرجل العربي نفسه ليس جلاد المرأة بقدر ما هو ضحية الوضع الطبقي والاجتماعي الخاطئ في معظم أقطارنا ".

 

وهي النظرة التي عبرت عنها كذلك السيدة فرانسواز جيرو (Françoise Giroud) الوزيرة الفرنسية السابقة (1974) حيث قالت: "النساء يشكلن فئة في حد ذاتها، وما ينبغي الوصول إليه حقيقة هو العمل على أن يتوقف اعتبارهن كذلك" ( les femmes sont  une catégorie à part et ce qu’il faut arriver à faire , justement ,c’est qu’elles cessent de l’être. ) .

 

ومن أجل البلوغ إلى هذه الغاية وإقناع المغاربة بنجاعة هذا الأمر بدأ علال الفاسي بالتعبير عنه عن طريق الشعر لأنه كان يرى أن أول فئة يجب مخاطبتها هي فئة المثقفين والعلماء الذين إذا اقتنعوا بما يدعوهم إليه فإن الجميع سيتبعهم ويحدو حدوهم . وبعد ذلك اتخذ هذا التعبير مواقف وصيغا أخرى تجلت في كتاباته وإصداراته المتنوعة.

ويشهد مسار علال الفاسي الحافل لما قام به في هذا الشأن، وما صدر عنه من تعبيرات شعرية والكتابات والبحوث التي ركز فيها بشكل خاص على التربية والتعليم لما لهما من أهمية بالغة في حياة الأفراد والمجتمع وعن حث المجتمع على التخلي عن الأحكام الخاطئة عن المرأة والرؤى السطحية لوضعيتها داخل المجتمع وعن التأويل القاصر أو المنحرف لأحكام العقيدة الإسلامية ومقاصدها ومكارمها.

 

أظن أن الانطلاقة الفعلية لدفاع علال الفاسي عن المرأة كانت من باريس سنة 1933 من خلال قصيدة نظمها بمناسبة ما أظهرته وعبرت عنه النساء الفلسطينيات وهن يطالبن بالتحرير خلال مشاركتهن في المظاهرات النسائية التي حدثت في تلك السنة. وهذا شيء طبيعي لدى علال الذي كان دائما يعتبر أن التحرير كل لا يتجزأ وأنه لا يمكن تحرير أي وطن -فلسطين أو المغرب-  دون تحرير المواطن والمواطنة وبالتالي مشاركتهما بنفس المستوى والكفاءات -متمتعين بنفس الحقوق- في الواجب الوطني. وموقف السيدات الفلسطينيات أكد له أن تحرير أي وطن لا يمكن أن يتحقق بدون مشاركة نصف المجتمع وهو النصف الذي تمثله المرأة.