يرى بدر بوخلوف، أستاذ القانون العام بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، أن هناك فرقا بين ممارسة دور المعارضة ومعارضة كل شيء وبين ممارسة السلطة ضمن الأغلبية، مضيفا بأن هناك جملة من الصعوبات التي تصطدم بها المعارضة بعد الوصول الى السلطة والمرتبطة بالبيروقراطية الإدارية، علاوة على معطى التوازنات الدولية، وخاصة الإقتصادية منها، إلى جانب ضرورة استحضار التزامات الحكومات السابقة ، وخصوصا لما يتعلق الأمر بالتزامات مالية صرفة، موضحا بأن أحزاب المعارضة عندما تمارس السلطة تسعى في غالب الأحيان إلى تجنب المغامرات السياسية التي قد تطرأ في حالة عملت على تنزيل برنامجها الانتخابي:
كيف تقرأ مفارقة تغير نبرة خطاب المعارضة في المغرب وتنكرها لمجموعة من المطالب والوعود بعد الوصول الى السلطة، علما أن الأحزاب في البلدان الديمقراطية، حيث تحافظ على الحد الأدنى من التعاقد الأخلاقي مع الناخبين الذين صوتوا عليها في الانتخابات؟
كما هو معلوم فإن الأحزاب السياسية تعد مدرسة للتنشئة السياسية وبنيات لصناعة المواطن الحقيقي القادر على خدمة المصلحة العامة، سواء تعلق الأمر بأحزاب الأغلبية أو أحزاب المعارضة. وعلاقة بسؤالك فإنه من الملاحظ كما ذكرت فإن الأحزاب السياسية لما تتواجد في صف المعارضة فإنها ترفع شعارات قوية وتقدم نقدا لاذعا للسياسات الحكومية المتبعة، وهو أمر صحي. لكن السؤال هو لماذا تغير هذه الأحزاب من مواقفها بعد الوصول الى السلطة؟ أعتقد أن هناك فرقا بين ممارسة دور المعارضة ومعارضة كل شيء وبين ممارسة السلطة ضمن الأغلبية. لكن وبالعودة إلى مسببات هذا التحول فإنها تطفو إلى السطح جملة من الصعوبات المرتبطة بالبيروقراطية الإدارية، علاوة على معطى التوازنات الدولية، وخاصة الإقتصادية منها، إلى جانب ضرورة استحضار التزامات الحكومات السابقة وخصوصا لما يتعلق الأمر بالتزامات مالية صرفة. وبالتالي؛ فإن المسألة فيها نوع من الاصطدام بواقع الدولة وبقيود السلطة، علاوة على التحمل الفعلي لمسؤولية القرار بدل الاكتفاء بانتقاده، بحيث أن هناك فرقا بين مطالبة الفاعل الحكومي بتحمل المسؤولية وبين تحمل المسؤولية كممارسة، وهنا يمكن الاستدلال بجملة من التجارب الحكومية لأحزاب أخلفت وعودها مع قواعدها الانتخابية وعموم المواطنين، حيث كان ينظر إليها كأحزاب الخلاص فإذا بها ما فتئت تتخد قرارات لا شعبية، وهو أمر أبان بالملموس الفرق الشاسع بين الانتقاد من خارج دائرة السلطة وممارسة هذه الأخيرة، وهو ما يضع ثقة المواطن في الأحزاب خاصة، والانخراط في السياسة بشكل عام على المحك.
لماذا لا تدرك الأحزاب المشاركة في الحكم أنها قد تعود مستقبلاً إلى موقع المعارضة، الأمر الذي يفرض عليها الحفاظ على حد أدنى من الوضوح والمصداقية في تعاملها مع المواطنين؟
صحيح. بل أكثر من ذلك تصبح أحزاب بدون هوية، وهذا هو جوهر المشكل، إذ المسألة اليوم مرتبطة بغياب ثقافة سياسية أولا، وغياب تنشئة اجتماعية مواطنة. إن أحزاب المعارضة عندما تمارس السلطة تسعى في غالب الأحيان إلى تجنب المغامرات السياسية التي قد تطرأ في حالة عملت على تنزيل برنامجها الانتخابي، وهو أمر يستحيل لعدة أسباب ذكرتها سابقا. ويمكن أن نقدم في هذا الإطار نموذج سياسة الخوصصة مع حكومة التناوب، حيث كانت المعارضة الاتحادية آنذاك ضد هذا الإجراء قبل وصولها للسلطة، لكن بمجرد قيادتها للحكومة عملت على التوسيع من دائرة هذا الإجراء. وعلى الرغم من ذلك فلا يمكن معاتبة المعارضة بشكل أحادي دون ربط ذلك بطبيعة النظام السياسي في المغرب والخصوصية التي يتفرد بها من جهة، علاوة على طبيعة التحالفات التي تفرضها المشاركة في الحكومات، بحيث أنها لا تبنى على قناعات إيديولوجية بقدر ما هي تحالفات تمليها المصلحة العامة، وهو ما يجعل الحزب السياسي “المعارض” يذوب في بوثقة الأحزاب غير المتجانسة، لدرجة أن المواطن اليوم لم يعد يميز بين أحزاب اليسار وأحزاب اليمين والأحزاب ذات التوجه الإسلامي، مما يؤدي الى تعميق هوة العزوف السياسي والانتخابي خاصة لدى فئة الشباب، وخير مثال على ذلك موجة “جيل Z” والذين عبروا وبشكل صريح أنهم لا يثقون في الأحزاب السياسية ولا في برامجها ولا يؤمنون حتى بالعمل السياسي.
إذن من الضروري اليوم أن تنفتح الأحزاب على الكفاءات الشابة، وأن تجعل الانتساب إليها قائماً على معايير الجدارة والالتزام بخدمة الصالح العام، لا على معيار “مول الشكارة” أو شبكات القرابة. فلا يمكن إعادة الاعتبار للعمل السياسي في ظل استمرار الممارسات التي تشوّه صورة الأحزاب وتسيء إلى العمل الحزبي في عمقها والعمل السياسي في وطننا الذي يسع الجميع.