الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: مغرب صناع الفرح.. هؤلاء نحبهم وغيرهم لا

إدريس الأندلسي: مغرب صناع الفرح.. هؤلاء نحبهم وغيرهم لا إدريس الأندلسي
كيف يمكن أن نشكر من يدخل الفرحة على أوفى النفوس، سؤال أصبح عميق المرامي والأهداف. نعم الفرحة الكبرى لا يمكن وصفها بكلمات ولا يمكن قياس أثرها بسهولة. مضت أسابيع على ما صنعه شباب مغاربة حتى النخاع في قطر خلال كأس العالم، ولكن مشهد الانتصارات لا زال يفرض صوره على هذا الحاضر. كثير من المواطنين لا زالوا يعيشون الحدث على اليوتوب وأشعر بكثير من السعادة المتجددة كلما شاهدت ما صنعه أبطال الفريق الوطني المغربي. ويظل سؤال التفوق و أسبابه وضرورة انتقال "عدواه" إلى قطاعات  أخرى برغبة وشراسة وعقلانية حاضر بقوة. إنتصار الفريق الوطني المبهر لا يجب أن يمر كالطيف لكن أن يحضر دائما في واقعنا في التربية والتعليم والإبداع الفلاحي والصناعي والخدماتي والأخلاقي وفي قطاع العدالة والمنافسة.
أريد أن أنسى حضور بعض البؤساء فكريا وتربويا من الباعة المتجولين الأغنياء الذين تسللوا إلى قطر  وأرادوا استغلال علاقات حب ووفاء بين مغاربة ووطنهم. باعوا تذاكر و سيفتضح أمرهم بعد المدة  التي ستتطلبها الأبحاث القضائية والإدارية. أبناء المغرب أحرار في إختيار اللعب تحت راية بلادهم و قلبهم هي البوصلة. لم أشاهد أبدا تعبيرات الانتماء في عمقها مثلما شاهدتها على وجوه زياش وحكيمي ومزراوي وامبرابط وسايس وبونو و... وكل اللاعبين. كانوا يعبرون بتلقائية على الانتماء والوفاء لقيم روحية وإنسانية عميقة. لا وألف لا، الفريق الوطني المغربي لم يعبر عن انحياز لعرق أو ملة أو ايديولوجية. عبر فقط عن رغبة في التعبير عن الوجود في عالم لا زالت تحكمه قيم التفوق الغربي رغم  انتهاء  فترة الاستعمار المباشر. لكن سلوك المستعمر لا زال يسكن العالم الغربي الذي يريد أن يظل الوصي على العقول وعلى الموارد الطبيعية وكذلك على القرار السياسي والإقتصادي. 
الانتصارات المتتالية كرويا لم تكن مجرد لحظات عابرة. كانت بكل صيغ الحضور المباشر والغياب عن  الملعب تأكيدا على هذا الحدث الكروي الرائع. لا زلت أتذكر تأهل المغرب إلى كأس العالم بروسيا.  قال فوزي لقجع خلال برنامج ديكريبتاج، الذي كنت أنشطه، قبل سنين أن الحلم المشروع يجب أن يبنى على مشروع. هذا الشاب و الزميل أيضا كان يحضر إلى استوديو إذاعة  "م ف م" على متن سيارة متواضعة  وكان لا يعبر آنذاك عن رغبة في الإستمرار في قيادة سفينة كرة القدم. ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ولا الرغبات واستمر فوزي لقجع في المسك بأمور كرة القدم بكثير من الالتزام وبقليل من التفكير في خطورة  علاقة تدبير كرة على مساره المهني الذي كان بداية حضوره كمسؤول بالوزارة. 
صناع الفرح في الوطن قليلون وكثير منهم يختفون حين يحضر من فضلوا الغياب عن الحضور في إنتظار سقطة أو هزيمة. اليوم نسجل الحاضر والغائب ونفتح صفحات كتبت بعرق متدفق من جبين أبناء الوطن. كانوا مثل تلك الكائنات التي لا تبحث عن مجد شخصي ولكن عن فخر لوطن يحب موقعه الإفريقي والعربي والأمازيغي والإنساني. هكذا كان زئير أسود الاطلس في موقعة رياضية لا جنس لها  ولا عنصرية.  
ما جرى في قطر لا يمكن أن يغيب عن الفكر الوطني والإنساني. أصبحت صور الانتصارات ملاذا للكثيرين  وقد تصبح جزءا من أي بروتوكول علاجي للولوج إلى عالم الفرح بالإنجاز. سبق أن اقترحت ضرورة التفكير في أخذ العبرة من حدث عالمي والتفكير في أسلوب التدبير العمومي ومناهجه كما عبر  عنها المدرب الركراكي. حمدا لله أننا اكتشفنا بداية الطريق إلى البناء بتواضع  وبنية سليمة. لن أقرأ نتائج الكرة ومقارنتها مع تحديات تتعلق بحكامة وسياسات عمومية، ولكن تدبير أمور كرة القدم ببلادنا تحتم علينا كثيرا من القراءات العقلانية.  التدبير لا يعني، لحد الآن،  مشهدا عاما ولكن  اختيارات للآليات وقرارات في الوقت المناسب.  
صناع الفرحة كانوا شبه مقصين من اختيارات المدرب السابق للفريق الوطني. سمعت كلام فوزي لفجع بعد صمت طويل عن بوفال وحكيمي، وآنذاك بدأت، كمغربي عاشق لفريق وطنه، أشعر بقدرة المسؤول على تغيير المسار. نعم أصبحت متيقنا أن صناع الفرحة مواطنون لهم قدرات خارقة وأكثرهم متواضعون جدا. استطاع فوزي لفجع أن يتملك القرار  كعاشق للكرة كغيره من عشاق الوطن وكمستمع جيد لهمس عشاق الساحرة المستديرة. أتمنى بكل قوة أن تصبح منظومة كرة القدم  في كافة  أرجاء الوطن بين الأيدي الأمينة والقادرة على العطاء. أتمنى أن تختفي إلى الأبد تلك الأيادي التي تعيش  التسول باسم عشق الكرة. أتمنى أن يكون كل مسؤول سياسي و اقتصادي قادرا على صناعة الفرحة. من لا يفرح لإنجازات أبناء الوطن، ليس منا.