الخميس 28 مارس 2024
اقتصاد

رشيد أمشنوك: لهذه الأسباب لا يمكن إلغاء عيد الأضحى رغم الغلاء

رشيد أمشنوك: لهذه الأسباب لا يمكن إلغاء عيد الأضحى رغم الغلاء رشيد أمشنوك

يرى الدكتور رشيد أمشنوك، باحث في علم الاجتماع ومهتم بالشأن الديني، أنه لا يمكن إلغاء عيد الأضحى رغم ما يمر منه المغرب من ظروف اجتماعية واقتصادية يكتوي المواطن العادي بنارها، لأن الموضوع أعمق من ذلك:

 

هل حان الوقت لإعادة النظر في شراء الأضحية وسط الأزمة الاقتصادية والغلاء المتفاقم وعدم قدرة الأسر على تلبية هذا المطلب؟

في نظري لا يمكن إلغاء عيد الأضحى رغم ما يمر منه المغرب من ظروف اجتماعية واقتصادية يكتوي المواطن العادي بنارها، لاسيما في غياب سياسة اجتماعية تحمي الفئات الهشة وتضمن حقوقها الأساسية.

إن ارتباط المغاربة بهذه المناسبة ليس فقط هو ارتباط ديني وشرعي، بل هو كذلك ارتباط اجتماعي وثقافي وقيمي تعكسه مظاهر التضامن والتعاون والتآزر التي نلفيها في هكذا مواسم، فضلا عن كونه يشكل محطة أساسية في تشييد عمران اجتماعي قوي، تؤطره ضوابط ونواظم أخلاقية يتمثلها المغاربة في سلوكاتهم وتعبر عنها تضحياتهم.

لا يمكن إذن إلغاء الأضحية بقرار سياسي أو اختيار مؤسسي رسمي، لأن الموضوع أعمق من ذلك، ما دام يأخذ أبعادا كثيرة، منها ما هو اجتماعي وثقافي وتاريخي وقيمي أخلاقي.

لماذا لا تفكر الدولة في بديل تعوض به هذا الوضع، حيث يضطر من لا يقوى على اقتناء أضحية العيد للتكلف والسلف وبيع ما يملك، لأجل أن يرضي حاجة مجتمع وسط تنافس وتنابز وتفاخر بين الناس؟. وهل من تفسير لذلك؟

ربما كان بالأحرى أن نقول لماذا لا تخصص الدولة إعانات مهمة للفئات الهشة؟ ولماذا لا تفكر مؤسساتها المعنية في بلورة سياسات اجتماعية شاملة تجيب عن الأسئلة الاجتماعية التي تطرح في هكذا مناسبات وغيرها، حينما يشتد الحر؟

البحث في أسباب هذا السلوك في الحقيقة يتطلب بحثا سوسيولوجيا، حتى لا نظل أسرى الأحكام والاعتقادات الأولية التي يمكن أن تكون خاطئة، والتي يسميها السوسيولوجي الفرنسي بورديو بـ "السوسيولوجية العفوية".

أعتقد بأن سلوكات الفرد واختياراته الحياتية غير مفصولة عن السياق العام للمجتمع ومنظومته الثقافية والاعتقادية، فما يقدم عليه المواطن يعبر عن الواقع الذي عاش فيه واحتضنه وتلقى مقولاته وأفكاره الاجتماعية. لذلك يمكن أن نفسر الارتباط الوثيق بين المغربي وعيد الأضحى بالسياق الثقافي العام الذي يوجه تفكيره، فشراء الأضحية له دلالة اجتماعية عميقة تتمثل بالأساس في تشبث الخلف بالنّسق الثقافي الذي شيده السّلف ووضع لبناته الأخلاقية.

لا ننكر أيضا أن «الاجتماعي» يفرض أحيانا سلطته على «الديني» وقد يتجاوزه. فإقدام المواطن على شراء أضحية العيد بطرق غير مشروعة يعتبر سلوكا اجتماعيا ملفتا للانتباه، لاسيما حينما يكون المشتري غير قادر على أداء مبلغها. أو ربما يبيع أثاثه وتجهيزات منزله ليلبي هذا الطلب الاجتماعي.

في الحقيقة هذه السلوكات تحتاج إلى مساءلة نقدية، وهذا مدخله الأساس أن يعرف المضحي الأبعاد الحقيقية للأضحية كما رسمتها الشريعة. وعبر هذه المساءلة يمكن إعادة النظر في الثقافة الدينية المتوارثة بين الأجيال، والتي تشوبها شوائب عديدة يتوجب على الباحثين والعلماء ومختلف الهيئات التصدي لها لبناء وعي ديني يعزز المناعة الفردية والجماعية ويقدر الفرد على تمحيص اختياراته.

هل حان الوقت لتربية الجيل الحالي أمام جيل ميؤوس منه، بأن اقتناء الأضحية ممكن إن توفر الشروط، وليست ضرورة لو لم تتوفر الاستطاعة بلا تكلف؟

l اليأس لا يبني، بل يدمّر النفس وينخر الإرادات، وهو سبيل الهلاك. الجيل ليس ميؤوسا منه كما يشاع عادة، فما يعتقده عوام الناس هو مجرد قراءات شخصية نسبية لا تثبتها مؤشرات علمية.

لكن مع ذلك، لا ننكر أن الجيل الحالي يتعرض «لتغريب هوياتي ممنهج» يضعف وجوده الثقافي وعلاقته بهويته الدينية، لذا لا مناص من تنشئة اجتماعية تقوي مناعته وتعزز قدرته على مواجهة الأمواج الثقافية التي تفتك بأصوله وتشرعن غربته، إذا تقوى الأساس وثبت وأدرك هذا الجيل أن المسؤولية الملقاة عليه عظيمة وجليلة فإن معرفته بأمور دينه لن تكون مجرد معرفة اجتماعية توارثها أو طقوس وعادات اعتاد على فعلها كل سنة، وحينها سيكون وعيه الديني وعيا موجها يوجه بوصلة سلوكاته ونظام حياته.

الانتصار لـ «الاجتماعي الجاهز» دون تمحيصه يعمق الهوة بين حقيقة ممارسة شعيرة دينية ونسختها المشوهة المشوبة بالأوهام الإجتماعية.

السلطة الاجتماعية الرمزية التي لا تخدم الاختيارات الدينية ولا توافقها، تكون وبالا على الأفراد، ويمكن أن تفتك بلحمتهم وتماسك مجتمعهم، إذ كم من أسرة تفرّق شملها بسبب «أضحية العيد» وما تعلق به من طقوس وتمثلات اجتماعية لا تمت للدين بصلة. وكم من جرائم ارتكبت بسبب التهافت على شراء الأضاحي..

الواقع الاجتماعي يحبل بمفارقات كثيرة على هذه الشاكلة تؤكد أن الوعي الاجتماعي ممزق، فصرنا نتحدث عن الإنسان الممزق في هويته كما يقول ليبوفيتسكي، بل لا غرابة لديه أن يقوم بسلوكين متناقضين، وقناعاته.

ما ذكرته آنفا يؤكد أن المقاربة التربوية الشاملة أضحت ضرورة تغييرية في عصرنا الراهن لبناء جيل صلب يسائل واقعه الاجتماعي ويفحص مقولاته وبلاغته.