بعد فرنسا وإيطاليا، هاهي إسبانيا تلتحق بنادي الدول التي سنت قانونا لمحاربة تبذير الطعام وإهدار الملايير في المزابل، يتضمن غرامات مكلفة ضد المطاعم والمتاجر الكبرى.
المقام هنا لا يسمح بقراءة القوانين المذكورة ، ومعرفة من هو البلد الذي نجح في تطويق الظاهرة، بل الاستشهاد بالأمثلة المقارنة تم على أمل أن تقع صحوة جماعية للمغاربة للتساؤل عن الجرائم المرتكبة في المغرب بخصوص حجم ما يرمى سنويا من خبز وسكر وباقي الموتد الغذائية في المزبلة دون أن يصل حتى إلى معدتنا.
ففي مطلع مارس 2022، وبالاستناد إلى أرقام الفيدرالية المغربية لأرباب المخابز، بينا في هذا الركن، أن بلادنا ترمي في المعدل كل عام بالمزبلة ما مجموعه 30 مليار خبزة، أي ما يمثل في المجموع حوالي 23 مليون قنطار (ثلث حاجيات البلاد)، وهو ما يعني رمي حوالي 10 ملايير درهم سنويا في المزابل، هباء منتورا.
ويزداد المشكل حدة، إذا علمنا أن معظم حاجياتنا من الحبوب نستوردها من الخارج بالعملة الصعبة.
هنا يطرح السؤال: هل يحق لبلد فقير ومعطوب اقتصاديا أن يستورد 23 مليون قنطار من الحبوب كل عام بقيمة 10 ملايير درهم (مليار دولار) ليكون مصيرها مطرح النفايات؟!
ليس المقصود دفع المغرب لسن قانون زجري حول تبذير الطعام، ولكن هذه الظاهرة المقلقة تستدعي فعلا من الحكومة والبرلمان والأحزاب والجامعات ووسائل الإعلام الرسمية والمساجد، جعل التبذير على رأس الأجندة، لتوعية الرأي العام بمخاطر الاستمرار في هذا النزيف الذي لا ينفع لا العباد والا البلاد، خاصة إذا علمنا أن المغربي يوجد على رأس القائمة الدولية في استهلاك الخبز( 200 غرام من الحبوب للمغربي الواحد، بينما المعدل الكوني هو 65 غرام !!!).
وما قلناه عن الخبز يسري على السكر، إذ يكفي المرء التجول بـ 110 ألف مقهى بالمغرب لرؤية مشهد إتلاف قطع السكر من طرف كل زبون في الوقت الذي كان بالإمكان وضع علب بالطاولات، وكل زبون يأخذ ما يناسب ذوقه بدل إهدار ثلاث قطع لا يستعملها الزبون أصلا. وهو ما يسبب جرحا أيضا للمالية العامة، بحكم أن السكر نستورده هو الآخر بالعملة الصعبة.
نفس الأمر يسري على باقي المواد الاستهلاكية التي تكلف الخزينة العامة ملايير الدراهم كل سنة، لكن تنتهي في صندوق القمامة بهذا الفندق أوذاك المطعم أو تلك الإدارات والمنازل: لا المواطن انتفع بها ولا المغرب تجنب استيرادها وبالتالي اقتصاد مبلغها لصرفه في أوجه أخرى مهمة.
إن الحكومة (وهي المسؤولة والمؤتمنة على تدبير الشأن العام دستوريا)، ملزمة بفتح ورش تبذير الطعام، وتوسيع دائرته ليشمل التبذير الفاضح في نفقات الإدارات العمومية والجماعات والعمالات والجهات والمكاتب العمومية، لتسطير خطة لتوعية الرأي العام بمخاطر التبذير على أساس رسم سقف زمني (يشمل المدى المتوسط والبعيد)، يمكن المغرب من بلوغ مستوى من النضج في كيفية التعامل مع هذا الملف الحارق.
وإذا أفلح المغرب في تحقيق وثبة على مستوى الوعي بموضوع التبذير، فلي اليقين أن بلادنا ستوفر في السنة ما يقارب 40 إلى 50 مليار درهم. وإذا عمل المغرب بالتوازي على محاربة الفساد، فسيوفر مبلغا مماثلا في السنة. وبالتالي سيربح المغرب حوالي 100 مليار درهم كل عام تذهب سدى، بدل أن تعود بالنفع على الشعب لتمتيع أفراده بالحق في مدرسة جيدة والحق في مستشفى راق والحق في طرق معبدة بمواصفات عالمية والحق في وسائل نقل آمية والحق في منتزهات حضرية فاتنة.
فهل من مجيب ؟!