يظل التلفزيون مسرحا للحروب الإعلامية والبروباگندا الإيديولوجية. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكبر ساحاتها، وقد عشنا منذ طفولتنا هذه المعارك وكنا ضحاياها ابتداء من سبعينيات القرن الماضي..
وإذا كان الفضل لمسيحيي لبنان وسوريا في إنعاش العمل الثقافي والأدبي وعصرنة التعليم بالمنطقة، فيرجع لهم الفضل أيضا في بناء صناعة إعلامية قامت بإغنائها، وتجلى ذلك في البرامج التلفزية والإذاعية والمسلسلات الأولى، وكذا الرسوم المتحركة والمسلسلات المدبلجة خصوصا في فترة التسعينيات..
هذه المدبلجات كانت دائما من مصدر واحد، وهو أمريكا اللاتينية الكاثوليكية بحمولتها الثقافية ورموزها الدينية وبلغة عربية فصيحة. غير ان هذا أثار غيرة الأشقاء اللبنانيين من غير المسيحيين، حيث نهج المسلمون منهم، خاصة الشيعة نفس المسار فبدأ إنتاج مجموعة من البرامج والأفلام الموجهة لفئة عريضة من المشاهدين خاصة الأطفال والنساء.. وفتح مجموعة من القنوات التربوية ذات توجه ديني..
غير أن أشد المعارك ستبدأ بعد دخول الإنتاجات الإيرانية للساحة، حيث رصدت إمكانيات بشرية ومالية ولوجستيكية مهمة لإنتاج أفلام ومسلسلات تنقل الرؤية الشيعية لبعض الشخصيات الدينية مثل (مريم المقدسة) 2000 (يوسف الصديق) 2008 ومع توالي تجسيد هذه الشخصيات.. استشعر أهل السنة الخطر خوفا من طغيان النظرة الشيعية في المشهد الاعلامي وخوفا من تشويه بعض الشخصيات المقدسة عند السنة والمكروهة عند الشيعة..
وقد كان مسلسل (عمر) أكبر تجليات هذا الصراع... حيت أنتج بتعاون بين اثنتين من أكبر المؤسسات الإعلامية الخليجية [مركز تلفزيون الشرق الأوسط (mbc)] و(مؤسسة قطر للإعلام). ورصدت له إمكانات ضخمة وصور في مجموعة الدول منها بعض المدن المغربية كمراكش وطنجة والدار البيضاء..
لماذا الانطلاق بتصوير فيلم عن عمر وليس أبوبكر أول الخلفاء؟ لماذا لم يتم إنتاج مسلسلات عن الخلفاء الآخرين؟
الجواب بسيط، هو السبق، تصوير مسلسل ينقل الرواية السنية التي تمجد عمر، وفي بعض الأحيان يتم تسويق صورته العادل الذي ينام تحت الشجرة دون حراسة والذي يغسل ثوبه وينتظر أن ينشف ليلبسه، قبل أن ينقض الشيعة على هذه الشخصية ويصورونه وفق روايتهم التي تعتبر فضا غليظا وقاسيا.. هي معارك تدور حولنا ونحن نفتح أفواهنا...
المعركة لا زالت مستمرة فقد غابت المسلسلات المكسيكية المدبلجة بحمولتها المسيحية وعوضتها المسلسلات التركية ذات التوجه السني العصري العلماني بدعم من المال الخليجي، كتسويق للنموذج الذي تصبو إليه الأنظمة في إطار فبركة نسق اجتماعي معين..
لم أتحدث هنا عن الدراما المصرية والدراما الشامية التي تنحت بالكامل أمام الإعلام الموجه. والتي كانت تمجد بحد ذاتها أفكار حزب البعث والأفكار الناصرية. لسبب بسيط هو تسليط الضوء على هذه المعارك الخفية..
وعلى ذكر السبق... والذي أقصد به أن الإنسان تترسخ لديه الصورة الأولى التي تلقاها عن الحدث أو الشخصية ويصعب تنحيتها... وهنا سأشير إلى الخطورة التي يكتسيها عرض مسلسل (فتح الأندلس) أو (فتح الأندلس) كما سماه أحد الأصدقاء..
على المغاربة أن يكونوا واعين (وهم واعون ولكن لا يحركون ساكنا) بهذه الأمور، لكي لا يتم السطو على الشخصيات التاريخية لهذه الأرض وتسويقها وفق سياقات تنسب للآخر أكثر مما تنسب لموطنها، وهذا ما حدث في فيلم فتح الأندلس وسبقته أشياء أخرى تمت سرقتها في التراث والمعمار والطبخ..
ورغم إيماني بتراكمية الحضارة ومساهمات الإنسانية أجمع في إنتاجها إلا أني أؤمن أيضا بإعطاء لكل ذي حق حقه.